مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

ناصر كمال يكتب: صوت العقل (حرب المعلومات "2")

2025-06-05 02:50 AM - 
ناصر كمال يكتب: صوت العقل (حرب المعلومات "2")
ناصر كمال -كاتب
منبر

ما زلنا نتحدث عن حرب المعلومات في زمن تتحكم فيه وسائل التواصل الاجتماعي في عقول الناس. ورغم وجود العديد من المنافذ للتحقّق من صحة المعلومات، فإن كثيرًا منها يكون مغلوطًا. لكنها، مع ذلك، تنتشر ربما لأنها تُشبع هوًي معينًا في النفس، أو تلعب علي وترٍ ما في شخصية الشعوب. تتخذ هذه المعلومات أشكالًا متعددة؛ من أخبار، أو قصص، أو أحداث مختلقة، تهدف إلي تمرير فكرة ما، لإثارة الرأي العام، وتكوين تيار فكري أو سياسي يظل ينمو حتي يحقق أهدافًا مُعدة سلفًا. فالعالم لا يسير بعشوائية، بل هناك من يضع خططًا لتحقيق مصالحه، وهذا يتطلب أن يُشكّل وعي الآخرين. وتقتضي الخطة المحكمة أن يقودك شخص ما بينما تظن أنك تتحكم في الأمور، في حين أن وعيك قد جري تشكيله علي مدي طويل، لتصل إلي لحظة تصبح فيها ترسًا في آلة تُحرّكها قوي خفية نحو إنجاز مخطط مرسوم.
إذا ألقينا نظرة فاحصة علي خريطة الشرق الأوسط الآن، نلاحظ أن ما كان يُروّج له في بداية الألفية من غلاء الأسعار، وانتشار الفساد، وغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان — وهنا لا أناقش صحة تلك المعلومات من عدمها — مهد الأرض لما عُرف لاحقًا بـ”ثورات الربيع العربي”. فقد جري تداول تلك الأفكار بأشكال مختلفة في كل دولة، حسب ظروفها. ففي الدول الغنية كان التركيز علي حقوق الإنسان والحريات، بينما في الدول النامية كان التركيز علي تردي أوضاع المعيشة. ونحن جميعًا نعلم ونري ما آلت إليه تلك الثورات: من تغييرات جذرية في الأنظمة، وسيطرة الميليشيات المسلحة (المدعومة خارجيًا) علي مقاليد الحكم، وتفتيت العديد من الدول، وانتشار الحروب الأهلية. وقد نجت مصر من هذا المصير، بفضل جيشها الوطني القوي، ومؤسساتها الأمنية الراسخة.
فهل انتهت الحرب؟ بالطبع لا، بل هي بالكاد قد بدأت، وستستمر. فالخطط المرسومة مرنة، وتتغيّر حسب الظروف، لكن أهدافها الاستراتيجية تظل ثابتة. أما الغرض مما أكتبه هنا، رغم أنه قد لا يوافق هوي الكثيرين من الساخطين، فهو أمنيتي الصادقة ألا يهتز تماسك الجبهة الداخلية. لأن انفراطها سيقودنا إلي مصير مجهول ودموي، وسيكون أكثر النادمين حينها، هم أولئك الذين تخلّوا عن الحوار، وراحوا — عن قصد أو دون قصد — ينشرون معلومات بلا أساس، أو يروّجون لما لم يتأكّدوا من صحته، وتقع المسؤولية هنا علي عاتق كل من الدولة، والمؤثرين في الرأي العام، للحفاظ علي وحدة عناصر الوطن، ومحاربة زرع الفتن، وتأجيج مشاعر السخط، والدعوة إلي الحوار في كل قضية أو محور من محاور الحياة، فهو الطريق الوحيد للنجاة.

مساحة إعلانية