مساحة إعلانية
قدر الله لـ مصر مكانة وقيمة مميزة بين سائر بلاد العالم، فـ هي التي ذكرت في القرآن و الإنجيل عشرات المرات، وهي كانت الأرض التي احتمي بها الأنبياء وعاشوا في ربوعها، وتزوجوا من أهلها، فـ مصر أم البلاد وغوث العباد، كما أطلق عليها نبي الله نوح عليه السلام.
ولما لا ومصر هي الأرض المباركة التي تجلي عليها، حين طلب سيدنا موسى من الله أن يراه، وقد أمر الله عز وجل سيدنا موسى بالنظر إلى الجبل، فتجلى الله على الجبل فاهتز فلم يتحمل أنوار الله سبحانه وتعالى، وخر موسي صعقاً مغشياً عليه، و كانت هذه المعجزة على أرض الفيروز سيناء الحبيبة.
ومصر أيضاً التي تزوج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي السيدة مارية القبطية آخر زوجات الرسول ، وأنجبت مارية للنبي ثالث أبنائه إبراهيم الذي توفي وهو طفل صغير.
وإذا لم تكن المكانة لـ مصر، فمن يكون منها أولي، وهي البلد التي بها و بأهلها وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه " إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فأستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً" رواه مسلم، وقيل في رواية أخرى" إذا فتحتم مصر فأستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة و رحماً" رواه الحاكم وصححه الذهبي و الألباني.
أما عن الجيش المصري وجند مصر، فقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بإنهم خير أجناد الأرض، وذلك وفقاً لـ قول عمرو بن العاص رضي الله عنه: حدثني عمر رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول «إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم في رباط إلى يوم القيامة».
كما أن مصر هي التي كتب الله عز وجل عليها الأمن و الأمان بمشيئتة هو، وذلك في قوله تعالى "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" في سورة يوسف.
ومصر أيضاً من أطعمت العالم، حيث كانت تعتبر في فجر التاريخ، سلة غذاء العالم، ولعل ذلك يتفق مع قول الله تعالى " قال اجعلني على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم" في سورة يوسف، وذلك عندما طلب سيدنا يوسف من عزيز مصر الولاية على الشئون الإقتصادية والزراعية في مصر، بعدما قص عليه الأخير رؤيته عن السنوات العجاف وسنوات الرغد.
كما أن نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء، جاء إلى مصر و عاش فيها وتزوج منها السيدة هاجر، التي أنجبت له سيدنا إسماعيل أبو العرب، والذي تفجرت تحت أقدامه بئر زمزم، وهو من عاون أبيه سيدنا إبراهيم في رفع قواعد البيت الحرام في مكة المكرمة.
ومصر أيضاً من احتمت فيها السيدة مريم وسيدنا عيسى، فقد شرفت مصر بـ رحلة العائلة المقدسة فيها، فـ بدأت من محمية الزرانيق (الفلوسيات) و اتجهت إلى غرب العريش في طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد، حتي دخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينه الزقازيق بمحافظة الشرقية، ثم وصلت بلدة مسطرد ، كما عادت العائلة المقدسة إلي الشرقيه مجدداً في بلبيس تحديداً، ومنها اتجهت إلى منية سمنود في محافظة الغربية، ثم ذهبت العائلة المقدسة إلي منطقة البرلس حتى وصلت مدينة سخا في كفر الشيخ ، و منها ذهبوا إلى الجنوب إلى وادى النطرون (الاسقيط) وقد بارك السيد المسيح وأمه العذراء هذا المكان، كما اتجهوا إلي المطرية وعين شمس، ثم سارت العائلة المقدسة ناحية مصر القديمة وارتاحت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى في طريقها لمصر القديمة مرت على المنطقة الكائن بها حاليًا كنيسة السيدة العذراء الأثرية بحارة زويلة، و في مصر القديمة أيضاً تواجدت العائلة المقدسة في كنيسه القديس سرجيوس (ابو سرجه) بها الكهف (المغارة) التي لجأت اليه العائلة المقدسة وتعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة، واتجهت العائلة المقدسة إلي منطقة المعادي إحدى ضواحي منف - عاصمة مصر القديمة، حيث اتجهت منها نحو الجنوب بلاد الصعيد من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية لأن منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة إلى النيل في رحلتها إلى الصعيد، ثم وصلت العائلة المقدسة قرية دير الجرنوس (أرجانوس) على مسافة 10 كم غرب أشنين النصارى - مركز مغاغة في محافظة المنيا، وانتقلت العائلة المقدسة في عدة مناطق مختلفة في محافظة المنيا، ومنها انتقلت إلى أسيوط و مروا على عدة مناطق بها، حتي وصلوا إلى بلدة مير، وأيضاً اتجهوا إلي جبل قسقام حيث يوجد دير المحرق، كانت هذه المحطات هي مسار العائلة المقدسة في مصر، كما ذكرت مصر في الإنجيل بـ "مبارك شعبي مصر".
ولأن مصر هي «أرض الكنانة» التي صانها الله وحفظها، ففي أرضها يمر نهر النيل و هو من أنهار الجنة، وذلك وفقاً لما ورد عن النبي في حديثه الشريف "سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة" رواه مسلم عن أبي هريرة ، كما ذكر نهر النيل أيضا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم " أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار، قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات"، وقد قال النووي في شرح هذا الحديث في مسلم: يخرج من أصلها المراد بها: أصل سدرة المنتهى، كما قال الباطنان هما: السلسبيل والكوثر.
كما أن مصر هي «أم البلاد وغوث العباد»، وذلك كما سماها نبي الله نوح عليه السلام، وهذا بحسب ما ذكر ابن عبد الحكم في «فتوح مصر والمغرب»، بقوله عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: أن نوحًا عليه السلام قال لابنه حينما أجاب دعوته «اللهم إنه قد أجاب دعوتي؛ فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم، وقوهم عليها».
ولأن مصر الأرض التي بوركت بـ الأنبياء، فإن سيدنا إدريس أول من خط بالقلم، وقد كانت رسالة النبي إدريس لأهل مصر هي التوحيد، حيث نزل عليه الوحي بنحو 30 صحيفة، وكانت تتضمن طرق عبادة الله وكيفية التعامل مع النفس والناس، وكان كثير الذكر والتضرع لله، حتى أنه كان أول نبى يهبط إليه سيدنا جبريل عليه السلام من السماء، وذلك وفقاً لما ورد في كتاب "قصص الأنبياء" لمؤلفه الإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي، المتوفى عام 774 هجرياً .
ولأن مصر قديمه قدم التاريخ، فقد ذكر جلال الدين السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة»، أن الله لما خلق آدم، أطلعه على الدنيا كلها، فلما رأى آدم مصر أعجبه ما فيها من خير ونماء، فدعا في النيل بالبركة، ودعا في مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: «يا أرض فيك الخباء والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلاً، كثر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك الخير ما لم تتجبري وتتكبري، أو تخوني وتسخري، فإذا فعلت ذلك عراك شر، ثم يعود خيرك».
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أيضاً من مصر تزوج نبي الله سليمان عليه السلام، حيث أن من بين زوجاته أميرة فرعونية ابنة فرعون مصر.
ومصر هي التي قهرت كل أعدائها من الهكسوس الي الرومان، وأيضا تتار و مغول، وهي من استعصت على نابليون بونابرت ولم يتمكن من تحقيق هدفه بها و احتلالها بحملتة الصليبية، مروراً بالإحتلال الإنجليزي، الذي فشل في أن يغير هويتها أوبث الفتن و القلائل بها، وصولاً إلى الحرب مع الكيان المحتل الذي أراد إحتلال أراضيها لكن هيهات، فقد طرد منها ذليلاً وتم استرداد كامل الأراضي المصرية حتى آخر شبر، وبذلك فمن قصد مصر بسوء حطمت أحلامه على صخرة وحدة شعبها و اصطفافه صفاً واحداً خلف رايتها، ومن دبر لها المكائد رد كيده عليه ونال جزاء الظالمين.
كل هذا و أكثر يؤكد لنا مكانه مصر الخاصة، التي ميزها بها الله عز وجل، دوناً عن سائر بلاد العالم، وجعلها مباركة، و آمنه إلي يوم الدين، لذا حين نفخر و نعتز ببلدنا الغالية مصر، فهذا ليس من فراغ بل من مكانتها المميزة، وندعو الله دائماً أن يديم حفظه و رعايته لبلدنا العزيزة مصر و شعبها و جيشها خير أجناد الأرض.