مساحة إعلانية
مقدمة
في عالم الأدب، هناك من يكتب ليترك أثرًا، وهناك من يكتب ليمنح الحياة زخمًا ومعنى. الكاتبة ياسمين عبد الرحمن ثابت تنتمي إلى الفئة الثانية؛ فهي لا تكتفي بأن تكون مبدعة تجيد التنقل بين الشعر والقصة والرواية، بل تحمل رسالة إنسانية واضحة تعكسها في أعمالها وأدوارها المجتمعية.
من نثرها وشعرها، نجد أنها تكتب بروحٍ حية، تلامس القضايا العميقة، وتفتح نوافذ الأمل حتى في أشد اللحظات ظلمة. أعمالها تتنوع بين الديوان الشعري، الرواية الأدبية، وأدب الطفل، وصولًا إلى المسرح الزجلي، مما يعكس شغفها بالتجريب والتجديد. وفي الجانب الإنساني، لم تكتفِ بالمشاركة في النشاطات الاجتماعية، بل تسعى لتأسيس جمعية خيرية تحمل اسم "ستر وخير"، لتكون ملاذًا لمن يحتاج العون.
في هذا الحوار، نقترب أكثر من ياسمين عبد الرحمن أحمد، لنتعرف على مسيرتها الإبداعية، رؤيتها للحياة، وتفاصيل رسالتها التي تسعى لإيصالها من خلال القلم والعمل الإنساني.
البدايات والتكوين الأدبي
* كيف كانت بدايتك مع الكتابة؟ وهل تتذكرين أول نص كتبته؟
* بدايتي مع الكتابة كانت وليدة الشغف بالكلمة منذ الصغر، فقد كنت أجد في الكتابة وسيلة للتعبير عن أفكاري ومشاعري. قبل أن أبدأ في الكتابة، كنت ألقي القصائد لكبار الشعراء مثل إيليا أبو ماضي، وألقي نصوص عنترة بن شداد، حيث كنت مفتونة بجزالة اللغة وقوة التعبير. كان هذا التفاعل مع الشعر الكلاسيكي بمثابة التمهيد لصوتي الأدبي الخاص.
أما أول نص كتبته، فكان في مرحلة الابتدائي، حين وعيت على الدنيا ووجدت أبي يخبرني عن الناس وأصنافهم، فكتبت هذه الكلمات:
"لما وعيت على الدنيا
لاقيت ناس
أبويا قالي ده البشر
أشكال وأجناس
في شكل زين يعجبك
وشكل مالهوش أي أساس"
* أي الفنون الأدبية تجدين نفسكِ فيها أكثر: الشعر، الرواية، أم القصة القصيرة؟ ولماذا؟
*أجد نفسي أكثر في الرواية لأنها تمنحني مساحة واسعة لاستكشاف الشخصيات والأحداث، لكنها لا تلغي عشقي للشعر الذي أعتبره لغة الروح، أو القصة القصيرة التي تمثل لي تحديًا في التعبير بكلمات قليلة.
* كيف ساهم نادي أدب قصر ثقافة القناطر الخيرية في دعم تجربتك الإبداعية؟
* نادي الأدب قصر ثقافة القناطر الخيرية كان نقطة تحول مهمة، إذ وفر لي بيئة تفاعلية دعمتني بالقراءة النقدية والتفاعل مع أدباء متميزين، ما ساعدني في تطوير أسلوبي.
الكتابة والرسالة الإنسانية
* نلمس في نصوصك همومًا إنسانية عميقة كما في قصة "بيسان" التي تحكي عن الفقد والشتات. كيف تؤثر القضايا المجتمعية في كتاباتك؟
* القضايا المجتمعية جزء لا يتجزأ من كتاباتي، لأنها تعبر عن الهم الإنساني، كما في "بيسان"، التي تحكي عن الشتات والفقد بوصفهما من أكبر معاناة الإنسان المعاصر. هذه القصة مستوحاة من تجربة بطلة حقيقية فقدت بناتها في حرب غزة على يد الاحتلال الصهيوني، وكانت قصتها أحد الأسباب التي دفعتني لجعل الكتابة وسيلة لطرح القضايا الإنسانية.
* في قصتك "ذاكرة غائبة" نجد تأملًا في العلاقات الإنسانية وخيبات الثقة. هل تحمل القصة بعدًا شخصيًا أم أنها انعكاس لحالات عامة؟
* "ذاكرة غائبة" تعكس تأملاتي في العلاقات الإنسانية، قد يكون بها شيء من التجربة الشخصية، لكنها بالأساس مرآة لحالات عامة، حيث أتناول فيها خيبات الثقة والتغيرات التي تطرأ على النفوس البشرية.
* هل تؤمنين بأن الكتابة قادرة على إحداث تغيير في المجتمع، أم أنها مجرد توثيق للحالات الإنسانية؟
* أؤمن أن الكتابة قادرة على تحريك الوعي، لكنها وحدها لا تكفي للتغيير، إذ تحتاج إلى مجتمع يتفاعل مع الأفكار ويحولها إلى أفعال. الأدب يزرع الفكرة، والمجتمع هو من ينميها ويجعلها تؤتي ثمارها.
التجربة الشعرية والمسرح الزجلي
* ديوانك "من جوة عين الموت" يحمل عنوانًا قويًا. ما الفكرة التي بنيتِ عليها هذا الديوان؟
*"من جوة عين الموت" استلهمت فكرته من رحلة البحث عن المعنى وسط الألم، حيث أردت التعبير عن الصراع بين الحياة والموت، بين القوة الغاشمة التي أؤمن أنها قوة زائفة، وبين المقاومة الباسلة، وذلك من زاوية وجدانية تعكس مشاعر الإنسان في لحظات المواجهة.
*نلاحظ في قصائدك مثل "بين قوسين" و"توهة" استخدامًا مكثفًا للصور الشعورية الحادة. كيف تصفين علاقتك بالشعر؟
* علاقتي بالشعر تشبه علاقة القلب بالنبض، فهو التعبير الأصدق عن مشاعري، سواء كانت عذبة أم جارحة. الشعر هو اللغة التي تتحدث بها روحي حين تعجز الكلمات العادية عن وصف ما أشعر به.
* لديكِ تجربة مع المسرح الزجلي من خلال مسرحية "عم حجيج". ما الذي دفعكِ إلى هذا اللون من الكتابة؟ وكيف تقيمين دور المسرح الزجلي في الثقافة المصرية؟
*المسرح الزجلي يسري في دمي منذ الصغر، فقد كنت أعتلي مسرح المدرسة وأحصد الجوائز منذ حداثة سني. أعتقد أن ما جذبني إلى المسرح الزجلي هو أنه يمزج الأدب بالفن الشعبي، وقد وجدت فيه وسيلة للتواصل المباشر مع الجمهور. وهو فن له دور مهم في الثقافة المصرية، لأنه يعكس قضايا المجتمع بلغة قريبة من الناس، تتميز بالحس الفكاهي الذي تشتهر به الشعوب العربية.
الكتابة للطفل وأدب الخيال العلمي
* اتجهتِ إلى أدب الطفل من خلال رواية "حارس المدينة العظمية"، والآن لديكِ "حلم العصفور" تحت المراجعة. ما الذي جذبكِ إلى الكتابة للأطفال؟
*الكتابة للطفل جاءت من إحساسي بالمسؤولية تجاه الجيل القادم، فـ*"حارس المدينة العظمية"* و*"حلم العصفور"* محاولتان لخلق عوالم تعزز الخيال والمعرفة لدى الصغار. بدأت هذه الرحلة عندما وعيت على أهمية أن يكون للكلمة رسالة، إلى أن وصلت إلى ما أنا عليه الآن وسمعت نصيحة أمي بأن أجعل قلمي فيما ينفع الناس، فكان أدب الطفل أحد الوسائل التي وجدت فيها رسالة سامية.
*هل ترين أن الخيال العلمي يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتقديم قيم إنسانية وتعليمية للأطفال؟
*نعم، فالخيال العلمي يمكن أن يغرس قيمًا إنسانية وتعليمية بطرق مشوقة، لأنه يثير فضول الأطفال ويدفعهم لاستكشاف العوالم العلمية بمتعة. الأطفال بحاجة إلى أدب يجعلهم يفكرون، يتخيلون، ويطرحون الأسئلة، والخيال العلمي يفتح لهم هذه الأبواب.
رؤى وأحلام مستقبلية
*لديكِ عدة أعمال تحت المراجعة، مثل "جرح حيّاني" و"بيسان". ما الجديد الذي يمكن أن نتوقعه منكِ قريبًا؟
*القادم يحمل مشاريع أدبية متنوعة، من بينها "جرح حيّاني" و*"بيسان"*، إضافة إلى مزيد من الكتابات التي تستكشف أبعادًا جديدة للإنسانية. أسعى أيضًا إلى تطوير مشروع في أدب الطفل يجمع بين الخيال والمعرفة العلمية.
* ما الحلم الذي لم تكتبي عنه بعد، لكنه يشغل بالكِ؟
*الحلم الذي يشغلني ولم أكتبه بعد هو رواية تستلهم التراث العربي بأسلوب معاصر، تعتمد في طياتها على البحث والدراسة كي تكون ذات طابع مميز ونافع، بحيث تعيد تقديم التراث بشكل يجذب الأجيال الجديدة.
* أخيرًا، لو طلبتُ منكِ أن تصفي رحلتكِ الأدبية في جملة واحدة، فماذا ستقولين؟
*"بحثٌ دائم عن النور وسط العتمة."
تلغراف
- إذا طلبنا منك إرسال "تلغراف" إلى شخص ترك أثرًا طيبًا في حياتك، وكان له دور في تشكيل رحلتك الشعرية أو الإنسانية، لمن ستوجهين الرسالة؟ وماذا ستقولين له؟
- إذا كان لي أن أوجه رسالة، فستكون لمن آمن بي عندما شككت في نفسي "سأقول له" شكرًا لأنك رأيت النور في كتاباتي قبل أن أراه.

