مساحة إعلانية
الخروج من الإطار هو الخروج على أنماط الحياة التى تهالكت واوشكت على السقوط.. هو ثورة على الذات او على الآخرين او على مجتمع بالكامل للخروج على قناعات تهالكت او شعارات استهلكت او ارتباطات أهلكت او عادات وتقاليد صارت عبئا على النفس و المجتمع وبات ضررها أكثر من نفعها... هو ثورة على أفكار بالية وجماعات اومجتمعات انغلاقية تعانى من فوبيا الانفتاح على العالم الخارجى وثقافة الآخرين.... هو خروج على ما كنا نظنه ثوابت وما هو إلا تأصيل للاوعى وتزييف وتقييد للعقل والفكر المنهجى السليم....هو الخروج عن فكرة التسليم والأمر الواقع بدعوى الرضا أو الخوف من التغيير... هو الخروج السلمى عن فكر الجماعة أيا كانت تلك الجماعة قبلية او دينية او سياسية متى بات هذا الفكر متبلدا يدور بلا طائل كحلقة مفرغة لا يرسى قواعد ولا يقدم حلولا ولا يصنع جديدا وربما تحول بمرور الوقت لفكر هدام لا يبنى ولا يثمر فالماء رغم طهره وصفائه ان توقف عن الجريان تعكر وتعفن وتغيرت صفاته....هو بمثابة الخروج عن القطيع وفكر العقل الجماعى لعقل مستقل واعى متفرد... هناك الكثير من الأفكار باتت كصوامع نحتاج لهدمها أكثر من التبتل بداخل محاريبها.... ربما كان هذا ما قصده الفنان الاسبانى العبقرى -بيردل بيريل- فى ذلك العمل الأكثر من رائع رغم بساطته وهى لوحة -الخروج من الإطار- وهى عمل يتبع النمط الكلاسيكي القديم أجاد فيه الفنان تقديم الفكرة وتوظيف أدواته العقلية والفنية ببراعة فمن خلال الامعان فى التفاصيل نجد ان -بيردل بيريل - تعمد استخدام الطفل فى الصورة فى إشارة إلى أنه كلما كان الخروج مبكرا كلما كان أفضل وأقل كلفة وبالنظر إلى الدهشة التى اعترت ملامحه فقد تكون نصيحة بالحرص حيث ان الخروج دائما ما يكون مبهرا.... الطفل صاحب ملامح وسيمة وبنية سليمة إلا أنه شاحب اللون يكاد يكون مهلل الملبس يعتريه حول بسيط فى العين اليمنى وهو غالبا مقصود وليس بمحض الصدفة وربما أراد الفنان هنا ان يقول رغم ان تقوقع الإنسان داخل حيز ثابت او مجتمع انغلاقى قد يتسبب فى ضعف بنيته العقلية وقد يصيبه بالحول الفكرى ورغم حاجة الإنسان والفكر البشرى للخروج أحيانا عن المألوف والأفكار التى صارت أشبه بروتين فاسد قاسى إلا أنه أيضا ليس كل إطار سىء وليس كل خروج جيد وهنا تأتى أهمية الحرص من الدهشة الوقتية والانبهار المخادع.... إتجاه الضوء فى الصورة يأتى عكس إتجاه الخروج وهنا قد يراه البعض عيب فنى وضد الفكرة فى حد ذاتها ولكنى أراها ضرورة فنية حتى لا تفقد الصورة التوازن بين الضوء الخارجى والعتمة الداخلية التى ترمز للتقوقع داخل إطار الفكر الواحد او الموجه من العقل الفردى او العقل الجمعى او المجتمع الانغلاقى كما ان الضوء المباشر يفقد البصر قدرته على التمييز والرؤية السليمة وهو ما يعود بنا للتأكيد على فكرة الخوف من الانبهار والدهشة المفاجئة التى قد تفقد العقل توازنه وقدرته على التفكير واتخاذ القرار.... -الخروج من الإطار- لوحة فنية رائعة لفنان عالمى تستحق ان ترقى لمصاف العالمية..
