مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

القلق الذي كتب رواية.. بقلم سمير لوبه

2025-05-01 18:00:44 - 
القلق الذي كتب رواية.. بقلم سمير لوبه
سمير لوبه - قاص وناقد

ليس مهمًا أن تكون الجوائز معيارًا نهائيًا للفن، لكن من المؤكد أنها مؤشرٌ على لحظة ما، لحظة تقاطع بين الإبداع والذائقة ولجان التحكيم والسياق العام. وفوز رواية "صلاة القلق" للكاتب محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)، لا يخرج عن هذا المعنى. إنه تتويج للقلق، وليس فقط الاحتفاء به.
في مصر، اعتدنا أن ننظر لأي فوز أدبي من زاويتين: إما التشكيك الكامل، أو الاحتفال الصاخب، وغالبًا ما يغيب التقييم الفني الدقيق. هذه المرة، جاء الفوز مصريًا بعد غياب طويل، ومع ذلك لم يسلم من التشكيك: لماذا رفضتها أربع دور نشر مصرية؟ وهل الجائزة مكافأة على النقد السياسي أم على البناء الجمالي؟ وهل هي جائزة  لمصر أم لتونس؟ ثم عاد السؤال القديم المتجدد: هل تُوزَّع الجوائز بالتناوب بين الدول أم تُمنح وفق القيمة فقط؟
وقد أكد الروائي المصري الكبير أستاذ إبراهيم عبد المجيد أكثر من مرة وفي مقالات متعددة أخرها اليوم في الشروق أن رواية "صلاة القلق" تستحق القراءة بعيدًا عن هذه الصخب ، هي رواية مكتوبة بأعصاب مفتوحة، الرواية تستدعي حقبة النكسة لا بوصفها تاريخًا، بل كمأزق إنساني مستمر، وكأن القلق الفردي في الرواية هو مرآة القلق الجمعي فينا.
اخترع ندا "نجع المناسي"، ليسكنه شخصيات نصف حقيقية ونصف رمزية، وكأنه أراد أن يقول على حد قول من قرأ الرواية  أن كل من لم يُهزم بعد هو فقط من نسي أنه هُزم. ربما لهذا السبب جاء السرد متعدد الأصوات، لكنه في الحقيقة صوت واحد يتكرر بأشكال شتى: الخوف، الطاعة، الجهل، التبرير، والحلم المؤجل.
ما لفتني شخصيًا مما أقرأه من مقالات عن الرواية والتي لم أقرأها حتى الآن ولكنني أتابع كل ما كتب عنها باهتمام ، أن العمل وإن كان محمّلًا بالسياسة، إلا أنه لم يكن بيانيًا ولا شعارًا. القلق فيه هو جوهر جمالي لا وسيلة إدانة، والعطب في الشخصيات ليس نتاج نظام فقط، بل هو تربة خصبة زرعت فيها الهزيمة ثقافتها.
لقد شاهدنا هذا الانقسام في استقبال العمل: من يشيد به حد الانبهار، ومن يتهمه بالمبالغة والتكلف، ومن يتوقف عند بلاغته التي يرى البعض أنها من زمن فات. لكنني أظن أن النص أحيانًا لا يُقاس فقط بحداثة اللغة، بل بقدرته على تشكيل شعور جديد، و"صلاة القلق" فعلت ذلك أكيد ، حتى وإن اختارت أدوات تقليدية، وهو ما سوف يتكشف لنا عندما تتوفر الرواية ونقرأها. 
أما مسألة دور النشر المصرية، فقد رآها كل من زاويته ، كل كاتب في العالم العربي يعرف هذه الدائرة المفرغة، رواية لا تُنشر لأنها مختلفة، ثم إذا نُشرت في الخارج وفازت، صارت حديث الجميع، هي أزمة مؤسسات نشر أكثر منها أزمة نصوص. وبدل أن نتساءل: "لماذا رفضوها؟"، ربما علينا أن نسأل: "لماذا لا تزال آليات النشر لدينا تعاني من هذا التردد؟".
في النهاية، ليست الجائزة هي الخلاصة، ما يحسم الأمر هو الذاكرة الأدبية، والزمن، ولعل الأهم أن تبقى الكتابة فعل قلق، لا طمأنينة، وأظن أن رواية صلاة القلق في عنوانها وحده قد اختارت موقعها بذكاء، هنيئا للفائز وهنيئا لنا جميعا بإضافة جديدة للأدب. 

مساحة إعلانية