مساحة إعلانية
مقدمة الحوار
في عالم الإبداع، هناك شخصيات لا تكتفي بكتابة الكلمات، بل تنسج منها عوالم تفيض بالمشاعر، وتخلق من الحروف جسورًا تصل بين القلوب والعقول. ضيفتنا اليوم ليست مجرد شاعرة أو كاتبة، بل هي صوت يحمل نبض الواقع، ويرسم بحروفه لوحات نابضة بالحياة. إنها المبدعة إلهام قربوص، التي تتنقل بين الشعر الفصيح والعامية، وبين القصة والرواية، لتعبر عن قضايا الإنسان وتعكس تحولات المجتمع بصدق وإحساس عميق.
من خلال أعمالها مثل "حكاوي البراءة"، و"صرخة من بيداء نفسي"، و"وقالت السمراء"، و"سيدة قرارها"، استطاعت أن تحفر اسمها في المشهد الأدبي، وتصل إلى القراء بروحها الصادقة وقلمها النابض بالحياة. اليوم، نقترب أكثر من عالمها، ونحاورها حول رحلتها مع الأدب، وتجربتها مع الكتابة، ورؤيتها للمشهد الثقافي.
البدايات والتكوين الأدبي
* كيف بدأت رحلتكِ مع الكتابة؟ وما اللحظة التي شعرتِ فيها أنكِ تريدين أن تصبحي كاتبة؟
** في المرحلة الثانوية، خاصة بعد دراسة الأدب والشعر للعصور المختلفة من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث، وقبلها ذاكرة الطفولة التي امتلأت بحكايا الأمهات الحكّاءات شعرًا وزجلًا، والتي ما زالت تقطن بذاكرتي إلى الآن.
* من هم الكتاب والشعراء الذين أثروا في مسيرتك الأدبية؟
** الشاعرة نازك الملائكة، فهي من فتحت أمامي أبواب الحرية الشعرية للمرأة.
* لديكِ تجربة في الكتابة بالفصحى والعامية، أيهما أقرب إليكِ؟ وكيف تختارين اللغة التي تعبرين بها عن أفكارك؟
** الأقرب إلى نفسي الفصحى، خاصة في السرد. أنا لم أختر اللغة التي أكتب بها، لكن الفكرة أو الخاطرة تُكتب حيثما طلبت هي لغتها.
الكتابة والإبداع
* في أعمالك نجد مزيجًا من الشعر والسرد، كيف توفقين بينهما؟ وهل تجدين نفسكِ أكثر في الشعر أم السرد؟
** لدي مقولة تصفني: "ذاتي تعريها القصيدة، ويأتي الأدب لينثر عليها ثوب الوقار والحكمة"، لذلك أجدني في السرد.
* لديكِ مجموعة قصصية بعنوان "وقالت السمراء"، هل تجدين في القصة القصيرة مساحة أوسع للتعبير عن قضايا المرأة والمجتمع؟
** نعم، القصة القصيرة ساحة نطلق فيها العنان لأفكارنا ومشاعرنا بحرية، للتعبير عن قضايا المرأة والمجتمع بلا قيود، معبّرةً عن أفكاري وآرائي من خلال شخصيات الآخرين.
* روايتكِ "سيدة قرارها" تحمل عنوانًا قويًا، ما الذي أردتِ أن توصليه من خلالها؟
** أردت أن أقول إن المرأة، خاصة الريفية، مهما ناضلت من أجل حريتها وسعت لتحقيق ذاتها، يظل المجتمع الذكوري جاثمًا على أحلامها وطموحاتها، ويبقى حلمها الأكبر أن تكون سيدة قرارها.
التجربة الأدبية والمشهد الثقافي
*كيف ترين حال الأدب اليوم؟ وهل يحصل المبدعون الشباب على الدعم الكافي؟
** حال الأدب كحال جميع العصور، هناك المبدعون الحقيقيون، وهناك أنصافهم وأشباههم. المشكلة في وسيلة الانتشار، فلو تصدرت الأقلام الجيدة الساحة، لأصبح عصر الأدب اليوم لا مثيل له. لكن للأسف، لا نرى دعمًا كافيًا للمواهب الحقيقية، ولا يتم التنقيب عنها وتبنيها بالشكل المطلوب.
* هل تواجهين صعوبات ككاتبة في نشر أعمالكِ؟ وما رأيكِ في واقع النشر في مصر اليوم؟
** لم أطرق أبواب النشر الحكومي إلا مرة واحدة، ولم يحالفني الحظ. أما عن واقع النشر، فلا يخفى على أحد أن هناك شللية ووساطات في النشر الإقليمي والحكومي، لذا يلجأ من ليس لديهم وساطة إلى دور النشر الخاصة.
الطموحات والمشاريع القادمة
*لديكِ عدة كتب تحت الطبع، ما الذي ينتظر جمهوركِ من أعمال جديدة؟
** خطوة جديدة مثقلة بخبرة أكبر في الكتابة، لا ترتفع على أحد، لكنها ترتفع عمّا سبق.
* ما الرسالة التي تحاولين إيصالها من خلال كتاباتك؟
** (حرية الرأي مكفولة للجميع).
* لو طُلب منكِ تقديم نصيحة للشباب الذين يرغبون في دخول عالم الكتابة، فماذا تقولين لهم؟
** القراءة، ثم القراءة، ثم القراءة... قبل أن تمسك بقلمك وتخطّ حرفًا واحدًا، فحرفك بدونها سيكون هشًّا، وما يجعله راسخًا وقويًا هو القراءة.
أسئلة سريعة
* لحظة شعرتِ فيها بالفخر ككاتبة؟
** لحظة تكريمي بالمركز الثاني للفصحى في قصر ثقافة العمال بشبرا الخيمة.
* كلمة تصف بها إلهام قربوص نفسها؟
** الصابرة.
الجانب الإنساني والوجداني
* كيف أثر عملكِ كمعلمة على كتاباتك، خاصة في تناول القضايا الإنسانية والاجتماعية؟
** قصص الأطفال، وحكاياتهم النفسية والاجتماعية، إلى جانب مشكلات أولياء أمورهم وشكواهم من الأوضاع الاقتصادية والتفكك الأسري، كانت مادة خامًا لكتاباتي.
* رغم الجوائز والتكريمات، ما اللحظة التي شعرتِ فيها بأنكِ حققت أثرًا حقيقيًا في حياة الآخرين من خلال كتاباتك؟
** عندما بكت إحداهن بعد قراءتها قصائد ديواني الأول "حكاوي البراءة"، وكأنني كتبته بلسانها.
تلغراف
* إذا طلبنا منكِ إرسال "تلغراف" إلى شخص ترك أثرًا طيبًا في حياتكِ، لمن ستوجهين الرسالة؟ وماذا ستقولين له؟
** أرسل عدة تلغرافات:
-للشاعر محمد الشرنوبي شاهين رحمه الله، حين قال لي: "القراءة الكثيرة تنمّي لديكِ أرتام النظم الموسيقية."
-للشاعر محمد الصادق جودة رحمه الله، الذي قال: "لو أتقنتِ القرآن وأجدتِ ترتيله، ستكتبين الفصحى بطلاقة."
-للشاعر رفعت المرصفي، الذي قال: "يجب أن تكون كتاباتنا محترمة، يفخر بها أبناؤنا بعدنا."
-لأستاذي الصاوي، الذي قال: "السنّ لا يكون عائقًا للنشاط الأدبي، فالعقل لا يشيخ، والموهبة تثقل بالحضور والاحتكاك الأدبي."
خاتمة الحوار
بهذه الكلمات الصادقة والمواقف الملهمة، نختتم حوارنا مع الكاتبة إلهام قربوص، التي أثرت المكتبة العربية بإبداعها الصادق وروحها المتفردة. من الشعر إلى السرد، ومن الحكاية إلى القضية، يبقى قلمها شاهدًا على تفاصيل الإنسان وتحولاته. نتمنى لها المزيد من النجاح والتألق في مسيرتها الأدبية، ونترقب جديدها بشغف.