مساحة إعلانية
لسنواتٍ طويلة، تم تقديم الحب كأنه الوصفة السحرية لنجاح العلاقات، وكأن المشاعر وحدها كفيلة بتجاوز كل الأزمات، لكن الواقع يقول عكس ذلك؛ فالحب مهما بلغت أهميته، لا يكفي وحده لبقاء العلاقات؛ إذ يظل ناقصًا إن لم يتوج بالتفاهم وقت الخلاف.
هذه ليست مقولة رومانسية، بل خلاصة تجارب إنسانية حقيقية، أثبتت أن أصعب لحظات العلاقات ليست وقت الحب، بل وقت الشد والجذب، وقت الغضب وسوء الفهم، وقت أن نختلف؛ فإما أن نزداد قربًا أو نفترق إلى الأبد.
منشور بسيط.. وملف معقّد
”اختَر المتفاهم وقت الخلاف، لا المُعجب وقت الرضا”
بهذه العبارة البسيطة بدأت إحدى المتابِعات تعليقها على منشور كتبته على صفحتي على الفيسبوك، كلماتها لامست شيئًا في داخلي، ودفعتني لفتح هذا الملف العميق: لماذا نفشل في الخلاف رغم نجاحنا في الحب؟ لماذا تظهر وجوه جديدة وقت الزعل؟ وأين يذهب الود حين نختلف؟
”الناس يتغيرون عند أول خلاف.. ظاهرة طبيعية أم خلل في العلاقات الإنسانية؟”
في محاولة للإجابة عن هذا التساؤل، أجريت استطلاعًا للرأي شمل 300 شخص، التقيت ببعضهم وجهًا لوجه عبر مقابلات ميدانية، فيما كان التواصل مع آخرين عبر منصات التواصل الاجتماعي.
السؤال كان مباشرًا وبسيطًا:
”هل يتغير من تحب عند أول خلاف؟”
الآراء جاءت منقسمة؛ إذ رأى قطاع واسع من المشاركين أن الخلاف الأول يكشف الوجه الحقيقي للطرف الآخر، بينما أكد آخرون أن الأمر ليس قاعدة عامة، وأن التغير يتوقف على طبيعة الخلاف وعمق العلاقة.
نتائج الاستطلاع:
82%: نعم، لم يعد نفس الشخص!
11%: نجحنا في تجاوز الخلاف باحترام.
7%: لم نمر بعد بخلاف حقيقي.
وتنوّعت ردود المتابعين بين الصدمة والانبهار:
-“كل الكلام الجميل تبخر وقت الزعل، واكتشفت شخصًا آخر لا يشبه من أحببته.”
-“اللي يقدرك ويحترمك وهو زعلان، هو الإنسان اللي يستحقك فعلًا.”
-“مشكلتنا إننا بنعرف نحب، لكن ما بنعرفش نختلف!”
لماذا نفشل وقت الخلاف؟
من خلال متابعتي لمجال العلاقات الإنسانية ودراستي المهنية لتجارب كثيرة، وجدت أن السبب الرئيسي وراء انهيار العلاقات لا يعود بالضرورة إلى نقص الحب، بل إلى غياب ثقافة الحوار وقت الخلاف، كثيرون لا يعرفون كيف يختلفون دون أن يُحدثوا ضررًا، وكأن الخلاف معركة يجب فيها الانتصار لا التفاهم.
وفي رأيي، أن “غياب التربية العاطفية” في مجتمعاتنا، هو ما يدفع الكثيرين إما للصمت الدائم أو الانفجار العنيف عند أول صِدام.
منصات التواصل.. مرآة مجتمعية
المنشور الذي كتبته بعنوان “اختر المتفاهم وقت الخلاف” أثار تفاعلًا واسعًا، وهذه بعض من ردود الفعل التي جاءتني:
-“لو الناس بتعرف تختلف باحترام، حالات الطلاق هتقل للنص.”
-“الخلاف هو الكاشف الحقيقي لأي علاقة، مش الكلام الحلو.”
-“كل الناس تعرف تحب، بس مش كلهم يعرفوا يحافظوا على الحب وقت الزعل.”
التفاهم لا يُعلَّم لكنه يُدرَّب
الخلاف ليس نهاية العلاقة، بل هو اختبار لنضجها، ولكي نحافظ على من نحب، علينا أن نتعلم فن الاختلاف، ونُدرك أنّ:
-الاستماع قبل الرد هو أول خطوات التفاهم.
-الغضب لا يبرر الجرح؛ فالكلمات تترك أثرًا لا يُمحى بسهولة.
-النقد السليم يوجّه للسلوك، لا للشخص.
-التهديد في الخلاف يهدم الأمان العاطفي، لا يبني الحلول.
ما يبقى فعلًا؟
يبقى الذي يحتويك لا الذي يلومك.
يبقى الذي يفهمك لا الذي يحكم عليك.
يبقى الذي يناقشك لا الذي يُقصيك ويهمشك.
قد تحب ألف مرة، لكنك لن تجد دائمًا من تستطيع أن تختلف معه دون أن تخسره.
فالحب الحقيقي لا يُقاس بوجوده وحده، بل بقدرته على الصمود بالتفاهم وقت الخلاف.