مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

اتفاق تاريخي للسلام بين أذربيجان وأرمينيا .. بقلم: أحمد عبده طرابيك

2025-08-09 12:48:28 - 
اتفاق تاريخي للسلام بين أذربيجان وأرمينيا .. بقلم: أحمد عبده طرابيك
أحمد عبده طرابيك

وقع رئيس أذربيجان إلهام علييف، ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في البيت الأبيض برعاية الرئيس ترامب في الثامن من أغسطس 2025، اتفاق سلام بين البلدين، جاء تتويجًا لجهود دبلوماسية شاقة منذ أن استعادت أذربيجان أراضيها المحتلة خلال حرب قراباغ الثانية 2020، واستكملت تحرير باقي أراضيها خلال عملية مكافحة الإرهاب في سبتمبر 2023. ومن شأن هذه المعاهدة أن تفتح آفاقًا رحبة للتعاون ليس بين باكو ويريفان، بل بين كافة دول المنطقة بشكل عام، كما تنعكس آثاره الإيجابية على القارتين الآسيوية والأوروبية أيضًا. 
       بعد عقود من الاشتباكات المتقطعة، فيما يشبه حرب الاستنزاف، وبعد أن فشلت "مجموعة مينسك" المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي تضم كلًا من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا في التوصل لحل دبلوماسي لتسوية الصراع بين أذربيجان وأرمينيا على مدار سبع وعشرون عامًا. بدأت أذربيجان عملية عسكرية موسعة في سبتمبر 2020 تحولت إلى حرب شاملة في قراباغ، حيث حققت انتصارات حاسمة خلال 44 يومًا، تمكنت خلالها من استعادة المناطق السبع التي احتلتها أرمينيا عام 1993، بالإضافة إلى نحو ثلث المنطقة الجبلية في قراباغ نفسها بما فيها مدينة شوشا التاريخية. وفي نوفمبر 2021، أسفر اشتباك حدودي بين البلدين عن سقوط 15 من جنود أرمينيا وأسر 12 وفقدت يريفان موقعين قتاليين. وفي سبتمبر 2023، شنّت القوات الأذربيجانية هجومًا على ما تبقى من قراباغ ضمن عملية مكافحة الإرهاب، وسرعان ما اتفقت أرمينيا على وقف إطلاق النار. وغادر تقريبًا جميع الأرمن الباقين في المنطقة، البالغ عددهم نحو 100 ألف شخص، إلى أرمينيا. 
     بعد وقف اطلاق النار واستعادت أذربيجان لأراضيها المحتلة، بدأت خطوات التقدم باتجاه التوصل إلى اتفاق سلام دائم ينهي حالة الحرب بين البلدين، وعلى الرغم من بطء تلك الخطوات، إلا أن الرغبة كانت موجودة بين الطرفين لالتوقيع على معاهدة لإنهاء النزاع. وفي عام 2024، بدأت أرمينيا إعادة بعض الأراضي المتنازع عليها إلى أذربيجان، بما في ذلك عدة قرى غير مأهولة على طول الحدود المشتركة. وقد أثار هذا التحرك جدلاً واسعًا في أرمينيا، وأشعل احتجاجات في شوارع العاصمة يريفان. وقد شكلت مسألة تغيير بعض المواد في الدستور الأرميني بعض العقبات الرئيسية أمام توقيع اتفاق سلام، فقد كانت أذربيجان تطالب أرمينيا بتغيير ديباجة الدستور التي تتضمن إشارة إلى إعلان الاستقلال الصادر عام 1990 والذي تحدث عن قرار مشترك عام 1989 يدعو إلى إعادة توحيد أرمينيا وقراباغ التي كانت حينها أقليم ذات حكم ذاتي داخل أذربيجان السوفيتية. حيث كانت باكو ترى أن الإشارة إلى قراباغ في الدستور الأرميني تمثل مطالبة ضمنية بأراضٍ أذربيجانية، وقد دعا رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان هذا العام، إلى إجراء استفتاء لتغيير الدستور، لكن لم يتم تحديد موعد لذلك حتى الآن. ومن المقرر أن تجري الانتخابات البرلمانية في أرمينيا في يونيو 2026، وسط توقعات بأن يتم صياغة الدستور الجديد قبل تلك الانتخابات. 
      العقبة الأخرى التي كانت تقف أمام عملية إبرام اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا، هي إنشاء ممر زانجازور الذي تطالب به أذربيجان ويمتد نحو 32 كيلومترًا عبر أرمينيا، ويربط الجزء الرئيسي من أراضي أذربيجان بإقليم ناخيتشيوان المنفصل جغرافيًا عن أذربيجان، والذي يتصل بالحدود مع تركيا. حيث كانت أرمينيا تخضع لضغوط إقليمية بعدم السماح بإنشاء هذا الممر. 
      ممر زانجازور الذي طالبت به أذربيجان وتضمنه اتفاق السلام الأخير لن يكون في مصلحة أذربيجان وحسب لأنه سيصل بين الأراضي الأذربيجان وإقليم ناخيتشيون المنفصل جغرافيًا عن باقي أراضي أذربيجان، ولكن الممر يُعد حلقة أساسية في "الممر الأوسط" الذي يربط الصين ووسط آسيا بتركيا، ويوفر لأرمينيا منفذًا تجاريًا جديدًا إلى العالم. كما سيتح الكثير من الفرص الاقتصادية لدول المنطقة بشكل عام وفق رؤية الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان قد اقترح إنشاء منصة سدادسية، أو "3 + 3"، التي تضم دول جنوب القوقاز الثلاث "أذربيجان، جورجيا، أرمينيا"، والقوى الإقليمية الثلاث "تركيا، روسيا، إيران"، حيث توفر تلك المنصة فرص تعاون واعدة ضمن شبكة من ممرات للسكك الحديدية والطرق البرية وخطوط أنابيب لنقل النفط والغاز من آسيا الوسطى وبحر قزوين إلى أوروبا عبر هذا الممر. 

     اتفاق السلام الذي وقعه زعيمي أذربيجان وأرمينيا في البيت الأبيض، يهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين ومن ثم عودة السلام والاستقرار إلى منطقة جنوب القوقاز الحيوية. وبموجب الاتفاق ستحصل الولايات المتحدة على حقوق تطوير حصرية في ممر زانجازور الاستراتيجي، حيث تشرف الولايات المتحدة على الممر لمدة 99 عامًا. 
     وينص الاتفاق على تعهد أرمينيا وأذربيجان بوقف أي نشاط عسكري وفتح الطرق التجارية وإقامة علاقات دبلوماسية واحترام السلامة الإقليمية لكل منهما، كما تقوم الولايات المتحدة التي كانت تفرض قيودًا على التعاون العسكري مع أذربيجان بتجميد التعديل 907، الذي بموجبه ترفع الولايات المتحدة القيود عن تعاونها العسكري مع أذربيجان. كما ينص الاتفاق على مطالبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بحل "مجموعة مينسك" التي فشلت في ايجاد حل سياسي للنزاع بين البلدين منذ 1994. 
      الرئيس إلهام علييف، قال بعد توقيع اتفاق السلام مع أرمينيا، إن بلاده ستطوي صفحة الجمود والمواجهة وإراقة الدماء"، والبدء في مرحلة جديدة حيث يتم كتابة تاريخ جديد وعظيم اليوم. بينما قال رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، أننا وصلنا إلى مرحلة مهمة. فنحن نضع حجر الأساس لكتابة قصة أفضل من تلك التي صنعناها في الماضي. 
     اتفاق السلام الذي وقعه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان يوم 8 أغسطس 2025، يعد انجازًا تاريخيًا للبلدين في سبيل التحول من مرحلة الصراع والقتال إلى مرحلة السلام والتعاون والازدهار، كما يتيح لدول منطقة جنوب القوقاز فرصًا واعدة في جذب الاستثمارات والتجارة وطرق العبور.

مساحة إعلانية