مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الانطباعات الأولى للشخصيات في الرواية ( فن تقديم الشخصيات ) بقلم سمير لوبه

2024-12-13 00:52:00 - 
الانطباعات الأولى للشخصيات في الرواية ( فن تقديم الشخصيات ) بقلم سمير لوبه
سمير لوبا -قاص واديب مصري

إن من أهم عناصر النجاح في الرواية هو كيفية تقديم الشخصيات للقارئ في لحظاتها الأولى، فهذه اللحظات التي تتشكل فيها صورة الشخصية في ذهن القارئ، تحمل قوة استثنائية في تحديد مسار الرواية وتأثيرها العاطفي على القارئ.
 إذن كيف يمكن للمؤلف أن يخلق هذا الانطباع الأول عن شخصياته؟ هذا هو السؤال .
السحر الكامن في الكلمات الأولى.. 
عندما يقرأ القارئ الجملة الأولى عن شخصية ما، تبدأ الانطباعات تتشكل دون أن يدرك، هذه الانطباعات تكون بمثابة بذرة تتفتح طوال الرواية، وقد تكون هذه الشخصية عملاً فنيًا معقدًا أو ربما تكون نمطًا بسيطًا، ولكنها دائمًا ما تثير في القارئ تساؤلات واهتمامًا، قد يُعرَف البطل بأنه شخص جريء، أو هادئ، أو مليء بالتناقضات، وفي كل حالة تسعى الرواية لتوصيل هذا الانطباع الأول الذي يتفاعل معه القارئ على الفور.. 
تعتبر اللغة من الأدوات الأساسية التي يستخدمها الكاتب لتوصيل هذه الانطباعات الأولى ، ففي اللحظات الأولى من تقديم الشخصية يستطيع المؤلف أن يختار الكلمات بعناية لتضفي على الشخصية سمات محددة: " صوته هادئ يحمل قوة خفية ، ينظر للعالم نظرة لا تُرى إلا من شخص عرف القسوة" هذا المثال، على الرغم من بساطته، يعطي القارئ فكرة عن الشخصية من خلال تعبيرات دقيقة تجعل كل كلمة مؤثرة.
 التوازن بين النمط والمفاجأة..
بينما تقدم بعض الروايات شخصياتها من خلال تحديد واضح (هو بطل الرواية)، أو (هي الشريرة) يجد القارئ نفسه أحيانًا في مواجهة شخصية تتجاوز هذه التصنيفات البسيطة، مثل هذه الشخصيات تحتاج إلى تفكير أعمق، وتعد بمثابة تحدٍ حقيقي للمؤلف، كيف يمكن للكاتب أن يجعل القارئ ينصت إلى هذه الشخصية مع أول ظهور لها؟ الجواب يكمن في خلق توازن بين ما هو متوقع وما هو مفاجئ.
الشخصيات المعقدة مثل الأبطال الذين يملكون عيوبًا أو الأشرار الذين يظهرون لحظات من الرحمة، هي التي تبقى في الذاكرة، فالقارئ لا يسعى فقط إلى تصنيف الشخصيات بناءً على سلوكها، بل يريد أن يفهم دوافعها وأسباب تصرفاتها، هذا هو التحدي الذي يواجه الكاتب في خلق الشخصية المتعددة الأبعاد التي لا تقتصر على انطباع واحد، بل تصبح محط تفكير وتأمل.
 نافذة لفهم الشخصيات.. 
طريقة تقديم الشخصية لا تعتمد فقط على الكلمات التي يختارها الكاتب، بل على الظروف والمواقف التي يضع فيها هذه الشخصية، فكيف يتفاعل البطل مع الأحداث المحيطة به؟ هل يواجه تحديات في البداية تؤثر في انطباع القارئ عنه؟ المواقف العاطفية أو الصراعات الداخلية التي تمر بها الشخصية قد تساهم في تكوين أول انطباع عميق.
في الرواية لا ينبغي أن تظهر الشخصية كما هي في البداية فقط، بل يجب أن تكون هناك ديناميكية تُمكِّن القارئ من معرفة الكثير عنها من خلال تصرفاتها وسلوكياتها ، ليس مهمًا أن يظهر الكاتب للشخصية كل جوانبها من اللحظة الأولى  بل المهم هو كيف يجعل القارئ يشعر أن هناك شيئًا يكتشفه في هذه الشخصية مع كل صفحة يقلبها.
الانطباع الأول والكاتب الماهر وكيف يتقن الكتابة؟
الكاتب الماهر هو من يستطيع أن يقدم شخصياته للقراء في لحظة معينة، دون أن يعرض كل شيء عنهم دفعة واحدة، الأفضل أن تكون الشخصية غامضة غير واضحة في البداية مما يثير فضول القارئ ويسحبه بشكل تدريجي لاكتشاف عالمها الداخلي.
على سبيل المثال، قد يقدم الكاتب شخصية تميل إلى الانغلاق أو الهدوء في البداية  ومع تقدم الأحداث يتكشف للقارئ أن وراء هذا الهدوء يكمن صراع داخلي أو قصة مؤلمة، من خلال هذا الأسلوب  يستطيع الكاتب أن يخلق الشخصية التي تجذب القارئ . 
إن الانطباع الأول هو مجرد بداية، والكاتب القادر على جعل هذه البداية تفتح آفاقًا متعددة يجعل من روايته قصة لا تُنسى.
إذن يعد الانطباع الأول الذي يتلقاه القارئ عن الشخصية عنصرًا أساسيًا في نجاح الرواية، وهو الأساس؛ لأن النجاح في تقديم الشخصيات يكمن في القدرة على خلق صورة دقيقة، ومشوقة، ومعقدة منذ اللحظات الأولى، إن الكاتب الذي يجيد هذا الفن يملك مفاتيح الدخول إلى عالم القارئ، ويترك له الأثر العميق الذي سيظل في ذهنه حتى بعد الانتهاء وإغلاق الرواية .

مساحة إعلانية