مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب: البابلي

2025-03-19 03:37:01 - 
الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب: البابلي
الشاعر الدكتور مصطفي رجب
منبر

المرحوم محمد البابلي هو أحد ظرفاء مصر المعدودين أمثال حافظ بك إبراهيم، والشيخ عبدالعزيز البشري. وهو من أسرة البابلي الشهيرة.
اخترت لكم مقالا مجهولا عنه كتبه الشاعر أحمد رامي
أظرف من عرفت
مقال للأستاذ أحمد رامي
كانت داره بحلوان.. ملتقى الظرفاء وندوة الأدباء يمضون فيها أوقات طيبة في سمر شهي لذيذ. وقد اتصلت به في عام 1919 ، وحرصت على شهود مجلسه منذ ذلك الحين، حيث كان يجتمع أعلام الأدب والشعر، أمثال حافظ إبراهيم، والبشري، ومحمد المويلحي، وخليل مطران، وأحمد فؤاد، ومحمد إبراهيم هلال. فيتطارحون الأشعار ويتساجلون في المسائل الأدبية، وينظرون فيما يعرضه عليهم الأدباء الناشئون من ثمرات قرائحهم، ويتناولونه بالصقل والتهذيب. وفي خلال ذلك كله تتناثر من هنا وهناك النكتة الرائعة والنادرة المبتكرة، والفكاهة الحلوة المرحة. وقد يتناول البابلي "العود" ليوقع عليه، فيشنف الأسماع، ويطرب السُمّار، ويجلو صدأ النفوس.
*
كان بينه وبين صديق له شيء من الجفاء، فعلم ذات ليلة أن المطرب المشهور عبده الحمولي يغني في دار ذلك الصديق، فلم يسعه إلا أن يذهب ليسمعه، ولكنه آثر الجلوس في السلاملك المنعزل عن الدار، قانعا بالسماع من بعيد. ولما انتهى الغناء، نادى الخادم الذي أحضر له القهوة، وأعطاه خمسة قروش، ثم انصرف. ولما علم بهذا صديقه صاحب الدار، ذهب إليه معاتبا، وقال له:
-إزاي تيجي بيتي وتقعد لوحدك وتعطي الخادم ثمن القهوة خمسة قروش!.
فأجابه البابلي قائلا :
-لا مؤاخذة.. ما كنتش أعرف إن ثمن القهوة عندكم أغلى من كده!
وكانت هذه الدعابة سببا في إزالة ما بينهما من جفاء.
*
وكان البابلي ذا بسطة في الجسم، بطيء الحركة، نبيل الإشارة، وديع النبرة، منسجم الصوت والنظرة والخاطر، أشبه الناس بحافظ إبراهيم ف يالجسم وروح المرح، وكان يضيق ذرعا بارتداء الملابس الإفرنجية، وكثيرا مكا يؤثر عليها الملابس البلدية الفضفاضة، يضع فوقها عباءة من الجوخ، يلمها بين يديه في رفق وهوادة. وكانت له عصا ظريفة منقوش عليها الحرفان الأولان من اسمه "م.ب" فحدث أن طمع فيها صديق له وسأله عن معنى الحرفين المنقوشين عليها، وأدرك البابلي سر هذا السؤال فأجابه: "م.ب" يعني مش بتاعتي!.
*
وكان رحمه الله أكولا يقبل على الطعام بنهم، وبتفنن في إعداد ألوانه، ويقتني مهرة الطهاة، وكانت مائدته حافة دائما بما لذ وطاب، وقد اشتهر فوق هذا بأنه طاه ماهر، فإذا تخلف طاهيه يوما لم يأنف من النزول بنفسه ال المطبخ فيطهي شتى الصنوف والألوان!
وأذكر أننا كنا مدعوين لتناول الغذاء في دار حافظ إبراهيم بحلوان. وكان يوما من أيام الشتاء، فاستقبلنا حافظ على باب مسكنه في الطابق العلوي، وهو يرتدي جلبابا من الكستور الملون، فيه مربعات كبيرة، كالتي تكون في السجاجيد، فقال له البابلي، إيه الجلابية دي؟.. كان لازم تلبس تحتها حصيرة!.
*
ولم أعرف عن البابلي أنه اشتغل بالسياسة يوما، بل أذكر أنني لقيته حين قامت الأحزاب السياسية بسبب اختلاف الزعماء، فسألته:
أنت "سعدست" أم "عدلست"، فأجابني مبتسما بقوله: "بل أنا فلست".
*
وصادف أن كنت جالسا معه في مقهى بميدان الأوبرا، وكانت المدارس والدواوين مغلقة لإضراب الطلبة والموظفين، فمر بنا شحاذ جعل يستجدي رواد المقهى في إلحاح ثقيل وصوت قبيح، فالتقت إليه البابلي قائلا:
-يا أخي اضرب لك يوم، انت معندكش وطنية!
*
بقي أن أذكر أن البابلي كان يهزأ بحافظ إبراهيم إذا ما اشتكى علة أو فزع من مرض، وكان يسخر من الموت. ويقول: "ينبغي للإنسان أن يستعد للموت، كما يستعد في كل لحظة للقاء ضيف يهبط عليه". وقد مات فقيرا بعد أن انفض عنه سماره، ولكن ابتسامة السخرية ظلت تعلو شفتيه.
أحمد رامي

مساحة إعلانية