مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر عبد الستار سليم يكنب: عن الفن البدوي نتحدث"المجرودة"

2024-07-16 01:01:02 - 
الشاعر عبد الستار سليم يكنب: عن الفن البدوي نتحدث"المجرودة"
الشاعر عبد الستار سليم
منبر

تقاليد  التراث الغنائى البدوى  الذى  يعود فى جذوره إلى   تقاليد  عربية قديمة   تأصلت  فى منطقة  الشمال الإفريقى -  منذ هجرة   بنى هلال وبنى سليم  واستقرارهم  فى هذه المنطقة  ( كما يقول الباحث الليبى مصطفى على ) - ويشمل هذا التراث ما يسمّونه  بغنّاوة " العَلَم " 
-هكذا  يطلقون عليها - وهى أغنية  فردية   تعتمد على  غناء  بيت  واحد موزون  ، يحمل فى معناه  ما  تحمل  قصيدة كاملة  من الأغراض الشعرية  المعروفة ..  و تؤدى  أغنية " العَلَم"  بدون مصاحبة   موسيقية أو إيقاعية ..
وغنَاوِى  " العَلَم " ،  هى  المقابل  لقصيدة البيت الواحد  فى شعر الفصحى ، لكنها  قصيدة بالعامية الليبية ، وبلهجة القبائل  البدوية القاطنة فى ربوع برقة  والجبل  الأخضر .. إذ تعتبر
 " برقة " أرض  غناوى " العلم "  ، و" المجرودة" ، و " الشـتّـاوة " ( كما يقول  الباحث الليبى  جمعة بوكليب ) .. و فى الجبل الأخضر يوجد فطاحل  الشعراء الشعبيين ، و أكثرهم  تمرّ ساً  بغناوى " العلم " .. ويكمل جمعة بوكليب  : وكأننى أسمع  راعى غنم  فى برّ  بعيد ، حيث لا  ماء  ولا شجر ، فى حالة قاسية من الألم ، ولا  أحد بجانبه ليؤنسه  سوى أغنامه  الهزيلة المتعبة ، والغناء  النازف  من جروح الروح ، ويورد الكاتب  أحمد النويرى  فى كتابه "  الأدب الشعبى وفنونه " نصوصاً لأغانى  " العلم "  منها :
(  الخاطر   وحل   فى  ناس
نـوَ ى  ترْ كهم   زادوا  غَـلا  )
   أى  أراد أن يهجر   حبيبه  لكن   وجد مشاعره   تزداد به تعلقاً
  (  ا للى   غلاه  بالترويم
انساه يا دليلى  واتركه  )
  ومعناه  :  أن  من تسعى  نحوه بالود  والتذلل وهو  ينفر منك   خير  لك أن  تنساه  وتتركه للأبد .
ويقول د/ صلاح الراوى ،  فى بحثه عن الشعر البدوى فى مصر : تجدر الإشارة إلى أن إطلاق اسم " الغنّاوة " على هذا النمط  لا يخرج به عن دائرة  الشعر  و يدخله فى دائرة الغناء ، فهم ينظرون إلى أن  " العلم " ضمن الشعر الأصيل  ، إذ أن الأصل فى الأغنية  هو النص الأدبى ( الشعر )  وأن الغناء لا يعدو  عن كونه  حالة من حالات الأداء ، ومن ثم فرع  من فروع تصنيف  الشعر ، وليس نوعاً مستقلاً  برأسه  منفرداً  بذاته  .
يتم أداء " المجرودة" في الهواء الطلق ، بواسطة مجموعة من الرجال الواقفين على أرجلهم بشكل قوس يحيط بما يسمّونها بـ (الحجّالة ) - إحدى سيّدات القبيلة - التي تقف عند نصف القوس تقريباً ، غير كاشفة وجهها ، وواضعة كفّيها فوق بعضهما ، متكئة علي عصا ، مستندة علي الأرض ، دون أداء أي حركة معينة ، بانتظار خروج المِجْراد ( الراوي الذي يلقي نَص المجرودة )
يبدأ أحد الموجودين بأداء غنّاوة علَم ( سوف نفرد حلقة خاصة عن غناوة العلم ) يلقيها الشاعر أو الراوي ( الذى يسمُّونه  المِجْراد )وذلك بعد الخروج من الصف متقدماً نحو الحجّالة لاستئذانها في أداء المجرودة التي يكتنفها وصف لحسنها وجمالها ، ويكون التصفيق من باقي الرجال هادئاً بحيث لا يُسمع ، حتي ينتهي الشاعر من أداء غناوة العلم ليبدأ في أداء المجرودة ، والتي تقوم الحجّالة بالرقص علي لحنها الذي تُلقَي به .. أما باقي الرجال فإنهم سيقومون بترديد آخر بيت في كل مقطع يلقيه الشاعر من المجرودة - وهذا ما يُعرَف باللازمة ، والتي قد تُعاد مرتين أو ثلاثاً ، يصاحبها تصفيق خاص من بقية الرجال ، بضرب الكف علي الكف بقوة ربما لإيصال معني الحسرة والندم علي فقد المحبوب .. ومثال ذلك :
أهلا  و  سهلا  و  مسا  الخير  .. 
لك   جايِـبْنا    شوق     غْزير
إنت قدْرك فوق الناس كْبير ...
 إنت فوق الحاجب والعين
أو :
مرحَبْـتين أهلَا   لا    جيتي ... 
كيف الحال وكيف مْسـيتي . .
مرحبتين   بعْدِنْ    طلّـيتي... 
عشتي   شرّفتي  وْ  عـــلّيتي
وانتي   قدا مي    صَــبِّـــيتي ( أي وقَـفْتي ) ...
 نحكيلك ما صايِر   ِفينا

والمجرودة - في الماضي - كانت تؤدّي  من شاعر واحد ، كان يرْتجل بشكل فوري ، والشاعر يقابل صفاً واحداً . . أو  تؤدّي من شاعرين ،و صفّين متقابلين متنافسين .. ويصاحب الأداء امرأة واحدة ( التى تُسمي الحجّالة ) أو أكثر (من نفس القبيلة) ، تؤدي - علي طول الصف - نوعاً من الرقص يسمي " التحْجيل " ، وفي حالة الصفين المتنافسين  يتنافس كل صف في جذب الحجّالات إلي صفّه عند دوره ، بأدائها التحية بطريقة راقصة ، وذلك بقوة المعاني الشعرية والبلاغية للمجرودة ، وقوة أداء الصف من تصفيق علي الشتّاوة - هكذا تُسمّى - ، حيث تنتهي كل مجرودة بشتّاوة
( والشتّاوة عبارة عن بيت واحد بليغ ، يحمل معاني مركزة للمجرودة ) مثل :
( نقول لها يا عين انْسِـيه .. تْساهيني وتسيلى عليه)
وهذا النص - الشتّاوة - هو في الحنين والشوق إلي الحبيب الذي فارق لسبب من الأسباب وترك حبيبه لعينه التي تذرف الدموع .. 
وكذلك مثل :
(وقْطاطيها ريم الاجْفال.. غِرنْبة حامِن فوق جبال)
وهذا وصف لشَعْر المرأة - المراد وصفها- بأن لونه كلون ريش طير الغراب الشديد السواد ، وهذا الغراب يحوم طائراً فوق كثبان من الرمال الناعمة البيضاء .. وهو وصف لبشرة المرأة في تلك البيئة الصحراوية التي يندر فيها اللون الأبيض بالنسبة للمرأة .. والملاحظ أن نص الشتاوة يخضع للوزن والتقفية (و الشطران لهما نفس القافية).
في كتابه ( الشعر البدوي في مصر ) يقول د.صلاح الراوي عن المجرودة : يمثل هذا النمط أطول نصوص الشعر عند بدو - منطقة إقليم مطروح - وهو طول فرضته وظيفة هذا النّمَط ، وحددت بذلك اسمه ، ففي المجرودة يستعرض الناصّ( الذى يؤدى النّصّ) تجربته المحدّدة ، أو تجربة غيره علي نحو سَرْدي ( قصصي ) إذ  قد يحكي عن رحلة من رحلاته أو  عن واقعة من الوقائع الفردية أو الجماعية ، أي يقدم مَجْرداً ، أو مجرودةً ( أي بياناً أو  جرْداً) لأحداث الرحلة بكل تفاصيلها في عرض دقيق للأحداث من مواقف و أماكن ومحاورات ، إلي جانب استعراض آراء الناصّ ( الجارد أو المِجْراد )، ومواقفه من الأحداث .. !!

***إذ قد يحكى عن رحلة من رحلاته ، أو عن واقعة من الوقائع الفردية أو الجماعية ، أى يقدم  مجردًا ، أو مجرودة ( أى بيانا او جرْدًا ) لأحداث من مواقف. وأماكن ومحاوراتو، إلى جانب استعراض آراء الناصّ   


من كتاب "تفانين شعرية"

مساحة إعلانية