مساحة إعلانية
كتب- سيد طنطاوي:
لم يكن أكبر المحللين السياسيين والاستراتيجيين يتوقع ما ستقدم عليه المقاومة الفلسطينية بعد الضربة المفاجأة التي وجهتها للاحتلال بداية من السبت الماضي، بل ولم يتوقعوا أيضًا ردود الفعل الغربية والأمريكية بهذه الحدة والعنف.
من بيان قراءة الواقع فإنه لم يسبق أن اجتمعت القوى العظمى من نحو الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا كما اجتمعت على حركة حماس تحديدًا، إذ وافقت كل هذه الدول على خوض حرب ضد منظمة تدافع عن أرض بلادها، وغضوا الطرف عما فعلته ولا تزال تفعله إسرائيل.
خاضت القوى العظمى حروبًا جائرة كغزو العراق وأفغان ستان، بالإضافة إلى مساندتهم أوكرانيا ضد روسيا في الحرب التي لا تزال دائرة، لكن شنوا حرب عالمية على منظمة أو حركة لمجرد الدفاع ومساندة إسرائيل.
الأمر المعتاد في كل حرب يكون ضحيتها العرب أن العالم يكون أعور، فلا يرى إلا ضحايا الطرف الآخر، إذ انزعج العالم من 1200 قتيل إسرائيلي، فيما لم تبصر عيناه 1200 شهيد فلسطيني.
العالم رأى ما فعلت حماس بعملية طوفان الأقصى، لكنه لم يقبل مجرد بحث ما أقدمت عليه إسرائيل من قتل وقصف للأحياء السكنية وضرب أطقم الإسعاف وغيره من مواقف التوحش، لدرجة وصلت إلى القصف بالقنابل الفسفورية.
الدول التي تتشدق بالقانون الدولي وافقت على ممارسات إسرائيل، رغم أنه وفق عُرفها أن القانون الدولي يطبق على إسرائيل باعتباره يراها دولة، فيما لا يطبق على حماس لأنها لا تمثل الشعب الفلسطيني كما يقول، فهذا أثبت لنا مجددًا أن العالم أعور مع العرب فقط.
هذا الواقع يقول إن الأزمة ليست فيما فعلت المقاومة، لكن الأزمة في أن هذه الدول تريد بقاء إسرائيل فقط ولن أُفني كل العالم.
يمكن أن نرى هذا أيضًا في تصريحات قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن، في ثمانينيات القرن الماضي، أي قبل أن يكون رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، إذ قال: إن "إسرائيل هي أفضل استثمار فعلته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بتكلفة 3 مليارات دولار.
وأضاف أنه "لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على الولايات المتحدة أن تخلقها لحماية مصالحنا في المنطقة".
مجرد إقدام المقاومة على الرد على إسرائيل، جعل هناك رد فعل متطرف من الغرب، واستتبعه قرارات لم تحدث حينما اعتدت روسيا على أوكرانيا، وكان من بين هذه القرارات تشكيل الاحتلال لحكومة حرب، واستدعاء إسرائيل ٣٦٠ ألف من قوات الاحتياط، وحشد آليات عسكرية ما بين الدبابات والمدرعات وما يزيد عن 120 ألف جندي، بالإضافة إلى مطالبة مواطني قطاع غزة بالنزوح للمناطق الجنوبية رفح وخان يونس وغيرها.
إسرائيل يبدو أنها تسعى أيضًا للاجتياح البري، إذ قررت أن تكون الدراسة من المنازل، ووقف الدراسة بالجامعات حتى مطلع نوفمبر المقبل.
على المستوى العالمي أيضًا وصلت حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد للمتوسط وحاملة الطائرات إيزنهاور في الطريق، وهناك قوات أجنبية تتجه لحماية إسرائيل.
كما تم ضرب ممرات مطارى دمشق وحلب.
كل هذا يقول إن هناك رعب على إسرائيل مما فعلته المقاومة، إذ أظهر أن تل أبيب هشة وأن دخولها أصبح مسألة وقت، وهذا ما يفسر رد الفعل المتطرف لهذه الدول.
الواقع يقول إن ما فعلته المقاومة يؤكد أيضًا أن ما فعلته ستفلع مرة ثانية وثالثة وأن حق المقاومة لا زال في عقيدة المقاومة، وبالتالي فإن استمرار الحرب سيفني إسرائيل، إذا ما توقف الدعم الغربي عنها، وإذا لاقت المقاومة مزيدًا من الدعم الاستراتيجي واللوجيستي والتسليحي، وهنا يصبح الأمر مسألة وقت.