مساحة إعلانية
كتب- سيد طنطاوي
لن يمر يوم السابع من أكتوبر 2023 مرور الكرام في التحليلات والدراسات الاستراتيجية، وهو اليوم الذي استطاعت فيه قوى المقاومة الفلسطينية بعملية طوفان الأقصى، دخول عمق الأراضي المحتلة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتحرير أراض منها –ولو بعض الوقت- بل وأسر العديد من المستوطنين، وإرباك القيادة العسكرية لجيش الاحتلال.
كل الحسابات التي كُتبت قديمًا عن حرب تل أبيب مع العرب يجب أن تُمحى تمامًا، لأن المعطيات الجديدة لن تكون مقبولة أو صالحة لما انتهت إليه الدراسات القديمة.
ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي، أعاد التأكيد على العديد من العوامل التي ظن البعض أنها تلاشت مع الزمن، إذ ثبت أن النفسية الصهيونية التي مُلأت بكراهية العرب "هشة"، وتشبه نفسية اللصوص الذين يعرفون جريمتهم وأن لقاءهم مع ضحيتهم آت لا محالة.
كما ثبت أيضًا أن الغرور التي يركب الصهاينة سريعًا ويسيطر عليهم، إذ أن أي انتصار ولو صغير يجعلهم يرفعون هاماتهم عاليًا كما لو كانوا ملكوا الأرض وهذا نابع في الأساس من إحساسهم بالدونية والاحتقار لأنفسهم بعيدًا عن الصورة والهالة التي يصدرونها إعلاميًا.
النفسية الضعيفة لا تزال هي الحاكم بأمره في تل أبيب، ويمكن أن نرى هذا مليًا في عدة أمور، أولها: أنه في احتلال سيناء خلال ستينيات القرن الماضي، ظن الاحتلال أن ساتر ترابي سموه بارليف على اسم الجنرال صاحب فكرته سيكون حاسمًا وكلمة النهاية في الحرب مع مصر وأنهم يلجؤون إلى المكسب الذي يجنبهم المواجهة المباشرة، فحروبهم التي يفضلونها دائمًا، هي الحروب التي من خلف ستار، أو في قرى محصنة أو من وراء جدر.
ولا يزال عنصر المفاجأة في الحرب معهم يدخلهم في تيه، ويٌربك حصونهم دومًا، وهذا ما رأيناه في السادس من أكتوبر 1973 وفي السابع من أكتوبر 2023، رغم إعلان الرئيس المصر الأسبق محمد أنور السادات أن الحرب قرار لا رجعة فيه من أجل استرداد الأرض المحتلة، وبالفعل حقق عنصر المفاجأة في حرب أكتوبر 1973 الانتصار لمصر والهزيمة للهصاينة، وفي أكتوبر الجاري ظلت القيادة العسكرية الصهيونية في ارتباك لساعات لا يعرفون أين المفر.
لا يمكن أيضًا إغفال أن مستوى التطور على مستوى المقاومة وجيش الاحتلال، يميل لصالح المقاومة بعيدًا عن حسابات العاطفة التي تميل لكل ما هو فلسطيني، وذلك إذا ما وضعنا كل في موضعه فجيش تل أبيب هو جيش نظامي أي وراءه نظام وداعمين وتأييد عالمي، فيما حماس يرفضها النظام العالمي المائل تجاه كل ما هو صهيوني.
وإذا ما عقدنا مقارنة بين حماس بصفتها ذراع من أضمن أذرع المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال ستكون حماس أكثر تطورًا بالنظر إلى الإمكانيات، ولو نظرنا إلى الانتفاضة الثانية التي اندلعت ضد الاحتلال في 28 سبتمبر 2000، وكان سلاح الفلسطينيون فيها الحجارة، وبين ضرب جيش الاحتلال الفلسطيني الذي كان دومًا بأحدث الأسلحة في وقته، ففي عام 2000 ضُرب الفلسطينيين واستشهدوا بأحدث الأسلحة والآن أيضًا تضرب غزة وفلسطين بكل مدنها بأحد الطائرات والأسلحة الفسفورية.
حماس بإمكانيات ضعيفة وبرفض عالمي وبتصنيف العالم لها، ووجود رفض عربي لها أيضًا استطاعت أن تكون ذات قدرات عسكرية متطورة وبأفكار استراتيجية على الأرض، من نحو استخدام الطائرات الشراعية واستخدام عنصر المفاجأة الاستراتيجية، والتطور أيضًا من استخدام صواريخ الكاتيوشا منذ ما يقرب من 10 سنوات وربما أكثر، إلى استخدام صواريخ تضرب عمق الأراضي المحتلة وتسقط قتلى، بل والأدهى من ذلك كله هو قدرة الصواريخ الجديدة على اختراق منظومة القبة الحديدية وإصابات أهداف بشكل مباشر.
أيضًا لا يُمكن إغفال استخدام الطائرات الشراعية في دخول المعسكرات وأسر من بها.
هذا التطور يضعنا أمام حقيقة واحدة وهي أن فلسطين وفصائل المقاومة أسرع في التطور عسكري من جيش الاحتلال, بدليل أن مجرد الضربة في السابع من أكتوبر الماضي، كانت كفيلة بتجييش عالمي ضد حماس، إذ حركت الولايات المتحدة الأمريكية، حاملتي طائرات من أجل أمن تل أبيب، وحركت إيطاليا سفينتين حربيتين للهدف ذاته أيضًا فيما مُنعت مواد الإغاثة والإعانة الطبية عن غزة والشعب الأعزل.
أيضًا ثبت استراتيجيًا أن ما كانت تدعيه تل أبيب ويردده من وراءها الإعلام العالمي أن إسرائيل لم تعد في حاجة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، هو كذبة، بدليل أنه بعض ضربة المقاومة في السابع من أكتوبر استجدى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الرئيس الأمريكي جو بايدن، من أجل المساعدة العاجلة، وقال له في مكالمة هاتفية مُذاعة: "جو إسرائيل تحتاجك أكثر من أي وقت مضى".
لا يُمكن تصنيف معلومة أن إسرائيل رسخت أنها لم تعد في حاجة للولايات المتحدة عسكريًا على أنها خدعة، بل إن هذا الأمر كان حقيقة تعاملت بها تل أبيب خلال الفترة الأخيرة، وهذا ما قاله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حينما تحدث عن ندالة نتنياهو معه حينما قال متحدثًا عن عملية قتل الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس: "عملنا على جمع المعلومات الاستخباراتية عن مكان تواجد سليماني، وشاركناها مع الجانب الإسرائيلي، لكن وقت التنفيذ وقبله سويعات انسحبت تل أبيب من التنفيذ، لتتولى المهمة القوات الأمريكية بمفردها، وإذا كانت تل أبيب تتعامل مع واشنطن على أنها الداعم الأكبر لها لم تكن لتتخلى عنها في هذا الموقف أبدًا.
الانقلاب في المفاهيم العسكرية والهزة الاستراتيجية التي أحدثتها المقاومة الفلسطينية هو الذي يدفع العالم الآن إلى السعي للقضاء على حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس، بدليل أن العالم لا يرى المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال، لكن يرى فقط أفعال المقاومة، يرى أفعال حماس إرهاب فيما يرى مذابح تل أبيب دفاع عن النفس.
العالم لم يفق حتى الآن من صدمة المفاجأة الفلسطينية ويُصرخ: "النهاية لحماس"، وهذه معادلة مستحيلة نطق بها إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق حينما قال: "ما يردده نتنياهو عن القضاء على حماس وهم وخداع، فحماس أيدولوجية، والأيدولوجيات لا يُقضى عليها بالسلاح.
الآن يبقى الأمل معهودًا على سرعة التطور في المقاومة، مع استمرار الغباء والغطرسة الصهيونية التي تجعلهم يخسرون المعارك، بدليل أن المقاومة الفلسطينية كررت الانتصار العربي على إسرائيل في اليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر 1973 وكأنها تقول الرهان على الغباء الصهيوني يكسب.