مساحة إعلانية
في أحضان الرمال الذهبية حيث تهمس الأهرامات بأسرار الدهر يولد اليوم معلما يجمع بين ماضي الجلال ومستقبل العبرة فالمتحف المصري الكبير يفتتح أبوابه في عام 2025 كأنه نجم يخرج من رحيم التاريخ ليضيء سماء الحضارة. هذا ليس مجرد بناء من حجر وفولاذ بل قلب مصر النابض الذي يحتضن أكثر من مائة ألف قطعة أثرية منها كنوز الملك توت عنخ آمون المتلألئة بالذهب والجواهر فيصبح المتحف سراجا ينير درب الأجيال المقبلة ويعيد إلى الأرض المباركة ما انتهب منها في أزمان الغدر.
تبدأ القصة من رحلة طويلة كالنيل العظيم الذي يجري عبر العصور ففي عام 1835م أقيم أول متحف مصري في حديقة الأزبكية ثم نقلت الآثار إلى قلعة صلاح الدين في قاعة واحدة لكنها فقدت كثيرا من محتواها بسبب السرقة والهدايا للدول الأجنبية، ثم جاء العالم الفرنسي أوجست مارييت ليطلب إنشاء مصلحة للحفاظ على التراث فوافق الخديوي سعيد على ذلك في 1858م وأسس مارييت متحف بولاق على ضفاف النيل سمّاه الإنطاكخانة ونقل إليه المجموعات وأضاف ما اكتشفه من كنوز. أما الفيضان في 1878م فأغرقه وأتلف جزءا كبيرا فخلفه جاستون ماسبيرو الذي حاول النقل بعيدا عن النهر دون جدوى حتى ازدحم المتحف بالآثار الجديدة المتروكة في مراكب الصيد.
أدى ذلك إلى تنازل الخديوي إسماعيل عن قصره في الجيزة عام 1889م ليصبح متحفا جديدا رأسه دي مورجان ثم لورييه وماسبيرو مرة أخرى لكن الازدحام دفع إلى إنشاء المتحف المصري في ميدان التحرير صممه المهندس الفرنسي مارسيل دورنون بعد مسابقة بين 73 طرحا ونقلت الآثار إليه بخمسة آلاف عربة خشبية والقطع العظيمة على قطارين ذهابا وإيابا تسع عشر مرة فافتتح في 15 نوفمبر 1902م وضم أكثر من 180 ألف قطعة كأنه سرج الحضارة المتألق.
ومع كثرة المكتشفات أصبحت الحاجة ماسة إلى متحف أكبر يليق بعظمة مصر فوضع الرئيس السابق حسني مبارك حجر الأساس في 4 فبراير 2004م في الجيزة بجوار الأهرامات على مساحة 490 ألف متر ليكون أكبر متحف في العالم وأول متحف يضم حضارة متكاملة والذي يضم قاعات العرض المتحفي ومكتبة تخصص علم المصريات ومركز مؤتمرات ومعمل ترميم وسينما ثلاثية الأبعاد ومطاعم ومحال هدايا ومواقف سيارات. واستمر العمل متتابفا حتى اليوم ليصبح هذا المعلم أعظم متحف في تاريخ مصر يجمع بين التكنولوجيا الحديثة وجمال العرق الفرعوني كأن الفرعون نفسه يجلس على عرشه الذهبي يرحب بالعالم.
أيتها الأرض الخالدة إن افتتاح المتحف ليس نهاية رحلة بل بداية عصر يعود فيه التراث إلى أهله ويصبح العالم شاهدا على عظمة مصر التي لا تزال تبني أبراجها من رمل النيل وذهب الجبل. فليكن هذا اليوم بدءا لسمفونية الحياة الأبدية حيث ترتفع أصوات الماضي لترنو في سماء المستقبل.