مساحة إعلانية
تعيش الساحة السياسية لحظة فارقة تُطرح فيها أسئلة تتجاوز حدود النصوص القانونية، وتقترب من جوهر الشرعية الدستورية. فوسط الأزمة الانتخابية الراهنة، عاد إلى الواجهة سؤال حساس: هل يجوز إلغاء العملية الانتخابية برمتها، وإعادتها من جديد، رغم غياب نص صريح يجيز ذلك في الدستور أو القانون؟
السؤال لا يثير جدلًا قانونيًا فحسب، بل يكشف عن مدى قدرة الدولة ومؤسساتها على حماية الإرادة الشعبية وضمان نزاهة العملية الانتخابية مهما كانت التحديات.
غياب النص لا يعني غياب الحكم
لم يتعرض الدستور المصري صراحة لمسألة “إلغاء الانتخابات بالكامل”، لكنه وضع قواعد دستورية عامة تكفل حماية الانتخابات باعتبارها وسيلة لا غاية.
فالعملية الانتخابية لا تكتسب شرعيتها إلا عندما تعكس الإرادة الحرة للناخبين في إطار من النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص.
وبالتالي، إذا سقط الشرط الذي تستند إليه شرعية الانتخابات، سقطت معه النتائج ولو صمت النص.
فالقانون يفسر بمنطق حماية الإرادة الشعبية، لا بمنطق الحرفية الجامدة.
القضاء الإداري… الحارس الأول للمشروعية
منح المشرّع المصري القضاء الإداري سلطة واسعة في الرقابة على أعمال الهيئة الوطنية للانتخابات، بما في ذلك الفصل في الطعون المتعلقة بالإجراءات والنتائج.
ويستند هذا القضاء إلى قاعدة رسوخها يتجاوز القانون نفسه:
"ما بُني على باطل فهو باطل."
وبناءً على ذلك، يمتلك القضاء الإداري صلاحية:
إلغاء النتائج إذا أثّرت المخالفات في سلامة الإرادة الانتخابية.
إلغاء جولة واحدة أو عدة جولات إذا كان البطلان جزئيًا.
إلغاء العملية الانتخابية كاملة إذا كان الخلل شاملًا وممنهجًا بحيث يفقد العملية معناها الدستوري.
هذه الصلاحيات لا تعني تجاوز النص، بل تطبيقًا مباشرًا لمبدأ رقابة المشروعية الذي يعلو على الإجراءات الشكلية.
رئيس الجمهورية… سلطة دستورية لمعالجة العوار التشريعي
رغم أن رئيس الجمهورية لا يملك إلغاء نتائج انتخابية مستقرة بحكم القانون، فإن الدستور أناط به دورًا محوريًا في حماية الشرعية الدستورية، ومنحه أدوات مهمة، منها:
1. إصدار قرارات بقوانين في حالات الضرورة إذا كان البرلمان غير قائم أو معطلًا.
2. إحالة المسائل التشريعية أو الوقائع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريتها.
3. دعوة الناخبين لانتخابات جديدة بعد معالجة أسباب الخلل أو تعديل التشريعات اللازمة.
بهذا المعنى، يعمل الرئيس جنبًا إلى جنب مع القضاء لإعادة تأسيس عملية انتخابية سليمة متى ثبت أن العملية القائمة تعذرت معالجتها.
المشرّع… سدّ الفراغ ومعالجة الثغرات
عندما يظهر عوار جوهري في الإطار التشريعي المنظم للانتخابات، يصبح تدخل المشرّع ضرورة لا رفاهية.
ويأتي ذلك لضمان:
سدّ الثغرات التنظيمية التي تكشف عنها التجربة العملية.
معالجة الخلل في توزيع الدوائر أو في النظام الانتخابي نفسه.
وضع إطار قانوني يسمح بإعادة الانتخابات دون الوقوع في فراغ دستوري أو طعون جديدة.
إن تعديل التشريعات الانتخابية في هذه الحالة يعدّ حماية للنظام العام الدستوري، وليس مجرد استجابة ظرفية.
وخلاصة… النصوص وسيلة، والشرعية غاية
الصمت التشريعي عن إلغاء العملية الانتخابية بالكامل يفتح المجال أمام تطبيق المبادئ الدستورية العليا.
فنزاهة الانتخابات شرط لشرعيتها، واستقلال القضاء حماية لها، وسلطات الرئيس والمشرّع أدوات لإصلاح ما يعتريها من خلل.
وعليه، يمكن القول إن:
القضاء الإداري يملك دستورياً إلغاء الاستحقاق كاملًا متى فقدت الانتخابات نزاهتها.
رئيس الجمهورية يملك سلطة معالجة الخلل التشريعي والتنظيمي.
المشرّع قادر على سدّ الفراغ القانوني ومنع تكرار الأزمات.