مساحة إعلانية
همَّ عباس أفندي من فراشه فى تكاسل وتثاءب، ثم خرج ليلحق صلاة الفجر بالمسجد كماتعود كل يوم، وما إن انتهت الصلاة حتى تسلل مسرعًا إلى الطريق العام.
كان الطريق - فى ذلك الوقت - خاليًا من الزحام المعتاد، وقد تراصت على جانبيه بعض الاشجار المزدهرة، ونسائم الفجر تهب فى خفةٍ و دلال، فتميل معها أفرع الاشجار. لم يجد عباس أفندى فى طريقه إلا عبد الصمد بائع الفول، ألقى عليه السلام، وهكذا فعل مع محمد بائع الجرائد، وعبد الله صاحب السوبر ماركت.
ظل عباس يمشي إلى أن وصل إلى الفرن الذى يعمل فيه ساعتين كل صباح، قبل أن يذهب إلى عمله بوزارة الأشغال. أنهى عباس أفندى عمله بالفرن سار عائدًا إلى بيته وفى يده كيس العيش، دخل البيت فوجد زوجته وقد استيقظت من نومها، ودخلتْ المطبخ لتعد طعام الإفطار والسندوتشات للأولاد.
دخل عباس حجرة البنات ليوقظهم، نادى ابنته الكبرى:
- اصحي يا أمنية، وإنتِ ياهدى هتتاخروا على المدرسة.
كانت أمنية على أعتاب الأنوثه عمرها ستة عشر سنة، طويلة وذات بشرة بيضاء مختلطة خدودها بلون وردى، وعيناها سمراوين كعيون المها، وشعر أسمر كاليل، وشفتين مثل الكريز، وجسد يتفجر بالأنوثة؛ ذات نهدين عاليين يبرزان من القميص الذى ترتديه، وخصر نحيل. استيقظتْ على ابتسامة وكأنها كانت تحلم حلمًا جميلًا من أحلام البنات، قالت له:
- حاضر يا بابا...
ثم أيقظت أختها. كانت الام قد انتهت من اعداد طعام الإفطار، جلسوا جميعًا لتناوله، وخرجت أمينة وأختها إلى المدرسة.
لم يبقَ فى البيت سوى زوجته وطفلها الرضيع وما لبث أن ذهب إلى المصلحة بكرشه الكبير، ووجهه الأسمى الممتلئ بالتجاعيد، ورقبته المختفية من الشحم تحت وجهه، والبدلة التى يرتديها منذ أكثر من ثمان سنوات، كان الرجل طيب جدًا لدرجة أن زملاءة فى العمل كانوا يحملونه بعضًا من أعمالهم، ومع ذلك لم يكفوا عن ضرب الزنب والأسافين فيه عند رئيسهم، ولم يكف رئيسه عن توبيخه أمام الجميع. لم يحاول عباس يومًا أن يثأر لنفسه، أو يدافع عن كرامته، خوفًا على مستقبله ومستقبل أسرته. واليوم صاح فيه المدير، بتحريض من زملائه، ولم يكف المدير عن الصياح في وجهه بشكلٍ هستيري، وسط همسات الزملاء وسخريتهم، وضحكاتهم المكتومة، فأمسك عباس بكرسي بجواره، رفعه عاليًا ليسقطه على رأس المدير، ليسقط على الأرض فاقدًا الوعي.