مساحة إعلانية
هذه الليلة شعرتُ به يُصاحبني، يجلس بالقرب من وسادتي، يقرأ عليَّ ما تيسّر من آيات الخوف الذي يسكنني ويُرهِب قلبي المريض.
يعرف كم أنا أهابه، ويقشعرُّ بدني من مجرّد ذكر اسمه.
توسّلت إليه أن يتركني قليلًا فقط... لا لشيء، سوى لأتطهّر من خطايا قلبٍ كان يرغب في الحياة.
كان رؤوفًا بي، واختبأ بعيدًا عن ناظري الذي كان يُحلّق في سماء غرفتي بحثًا عنه.
كنتُ أعرف أنه قريب، لا أراه، لكنني أحسستُ به... كما يُحسّ المرء بظلٍّ لا يُبصِره، لكنه يعلم أن هناك من يراقبه.
شعرتُ كأنه يحمل في يديه ريحًا من البرودة الشديدة، يُحيطني بنظرات لا تراها العين، لكنني شعرتُ بكلّ ثقلها على كياني.
أذكر جيدًا كيف تساءلتُ في تلك اللحظة:
"هل أنا جاهزة للرحيل؟"
ولم أستطع أن أُجيب على نفسي.
كيف أواجهه وأنا أحتاج إلى المزيد من الوقت؟
والمزيد من الأعمال التي تُرضي الله؟
"فقط أريد بعض الوقت يا رب..."
كانت هذه همسات قلبي الذي لا يزال يطمع في الحياة.
أُريد أن أُكمل ما بدأت، أن أُصلح ما فسد.
أنا لا أخشاه لأني عابثة، ولا لأن عمري كان لهوًا، بل لأني أحبّ الله بعمق.
حين أنظر إلى مرآة روحي، لا أرى إلا ما قصّرتُ فيه، لا ما أحسنت.
فالخوف لا يسكن القلوب الغافلة، بل يقطن صدور الذين ما عرفوا الله إلا عاشقين، وما خافوه إلا حياءً ومحبة.
أردتُ أن أُنهي صلاتي الأخيرة بخشوعٍ لا يشوبه قلق،
أن أُغلق المصحف على قلبٍ متطهّر،
أن أترك خلفي كلمة طيبة، ودمعةً على أثرٍ جميل.
أن أتدثّر بحضن ابنتي الذي أختبئ فيه دائمًا من قسوة العالم،
وأن أقبّل يد أمي الحانية، وهي تدعو لي دعواتها الصالحة، وتُلقِّنني الشهادتين بصبرها المعهود.
أنا لستُ طاهرة تمامًا، لكنني لم أكن يومًا لاهية.
أنا تلك التي عبرت أشواك الحياة حافية، تعثّرت، نزفت، لكنها لم تشتكِ إلا لله.
أُخطئ؟ نعم...
لكنني أحبّ الله أكثر من خوفي من النار،
وأطمع في رحمته كطفلة تُخبئ وجهها في حضن أبيها إذا أخطأت،
وتعلم أن الله وحده الغفور...
الذي لا يُغلق بابه أبدًا.