مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

ثقافة x ثقافة

لما القمر بيموت .. بيموت معاه عبدالحميد

2024-08-16 14:22:22 - 
لما القمر بيموت .. بيموت معاه عبدالحميد
دسوقي الخطاري
منبر

يوم الثاني والعشرين من شهر سبتمبر عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين شهدت جزيرة الطوابية التابعة لقرية أولاد عمرو، مركز قنا ميلاد واحد من أهم شعراء قنا إن لم يكن أهم شعراء جنوب الصعيد علي الإطلاق، شاعر العامية والمسرحي المتميز عبد الحميد أحمد على، الابن البكر للشيخ أحمد علي أسماه عبد الحميد حمداً لله علي عطائه، شب عبد الحميد بين أقرانه من أبناء الطوابية بعد أن عاش طفولته القروية التي شكلت جانبا هاما من جوانب حياته علي المستويين الشخصي والإبداعي، فما بين عام 1963 م وعام 1969 حصل عبد الحميد علي الشهادة الابتدائية، ثم الشهادة الإعدادية التي التحق بعدها بمدرسة البريد بمدينة قنا، حينها خطفته أضواء المدينة فعشقها بشكل فريد ومتميز، لكن ذلك العشق لم ينسه جزيرة الطوابية ولا أهلها فهناك خطا أول خطواته علي درب الحياة ومارس علي أرضها كل ألعاب الأطفال والصبية بدءا من ألعاب القرويين البدائية المعروفة وانتهاء بكرة القدم التي أجادها بصحبة كل من عبد العاطي حفني السمان الأهلاوي الهوي ومحمد أحمد عبد النعيم مشجع الدراويش الذي استمد عشقه لنادي الإسماعيلي من صديقه عبد الحميد الذي ظل الأخير وفيا للإسماعيلي حتي آخر لحظة في حياته، لم تكن كرة القدم هي الهواية الوحيدة التي أو الموهبة الوحيدة التي أبدع فيها، لكنه بعد أن أنهي دراسته بمدرسة البريد وانخرط  مباشرة في العمل البريدي المضنى، لم ينسه غرقه اليومي في تصنيف وفرز الرسائل الشخصية ذات المظاريف الملونة الجميلة التي ربما حملت أسمي عبارات الشكر لرجال البريد والمكاتبات الحكومية بمظاريفها ذات اللون الأصفر الكالح التي غالبا ما تشوهها كثرة الأختام همومه الإبداعية، وبرغم ما كان يعانيه في الأيام الأولي من كل شهر ميلادي يغرقه في بحر من العملات المالية بشتي فئاتها من القرش إلي الجنيه إلي العشرة والمائة، فلا يصرفه ضجيج العواجز من أصحاب المعاشات، الرجال والنساء عن تركيزه فيما بين يديه وتركهم غير مبال بما هم فيه، وينتهي يومه ثم يأتيه يوم جديد بذات الوقائع والأحداث التي لم تثنه عن عشقه للمسرح في بداية حياته الفنية التي بدأها كممثل هاو بفرقة فرع ثقافة قنا للفنون المسرحية، جسد من خلالها شخصية القاضي في مسرحية ( مصيلحي لا يشكر الظروف ) من إخراج شاذلي فرح، ودور قراقوش في مسرحية ( حوش قراقوش )  من إخراج الراحل حمام فؤاد التي عرضت بمسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية عام 2002م، ثم مؤلفا، ثم شاعرا يكتب الأغاني والاستعراضات المصاحبة لمشاهد المسرحيات التي تعرض في قنا أو يتم الاشتراك بها في محافل ومهرجانات أخرى، حتي ركن كليا ونهائيا إلي كتابة الشعر وأبدع فيها أيما إبداع، ما تخلف يوما عن اللقاء الأسبوعي لنادي أدب قصر ثقافة قنا والأمسيات الشعرية التي كانت تقام خارج مدينة قنا، ولم يقتصر مشوار الشاعر عبد الحميد أحمد علي بالكلية علي نظم الشعر والظهور في المحافل الثقافية بل تعدي طموحه الفكري ذلك إلي السعي وراء انماء الحركة الثقافية في محافظة قنا منذ أن كنا شعراء صغار بالنسبة لعمالقة الجيل الذهبي للمؤسسة الثقافية بشقيها الإداري متمثلا في إدارة حكيمة واعية تزعمها الأستاذ محمد رمزي، ومن بعده الأستاذ طلعت مهران – رحمهما الله – ثم الباحث الأستاذ سعد فاروق، والأستاذة جيهان أحمد مصطفي والأستاذ محمود عبد الوهاب المدير الحالي لإقليم جنوب الصعيد الثقافي، ثم الشق الإبداعي متمثلا في جيل الرواد الذين حملوا علي عاتقهم كل تبعات التطور الثقافي في قنا ومنهم الشاعر والباحث كرم الأبنودي، والمسرحي المتميز محمد نصر ياسين والشاعر الثوري حمدي منصورو الشاعر الفنان صفوت البططي – عليهم جميعا سحائب الرحمة – والشاعر القدير عبد الستار سليم، والشاعر القدير عزت الطيري، أطال الله عمرهما، توالي من بعدهم الزخم الثقافي وفرض شباب المبدعين أنفسهم بإنشاء الجماعات الأدبية كجماعة (أقلام جنوبية) وجماعة (رباب) وجماعة إشراقة الأدبية بنقادة التي أنشأها أدباء نقادة من بينهم القاص والروائي الطيب أديب عبد الراضي وكاتب هذه السطور، وغيرها من الجماعات التي أنشأها شباب المبدعين أمثال المغفور له الشاعر محمود مغربي وفتحي عبد السميع  وعبد الحميد أحمد على، واسحاق روحي، وامبارك ابراهيم، الدكتور سعيد الصادق وأحمد حسن الدقر، والجميلي أحمد شحاتة وغيرهم من أدباء نجع حمادي ودشنا، ونقادة، فضلا عن تنظيم اللقاءات الأسبوعية التي كانت تجمعنا فيها مقاعد كورنيش النيل بقنا مساء الخميس من كل أسبوع، يحضره لفيف من كبار الشعراء، يلتف فيها حولنا عشاق الشعر من المتلقين ومن المواهب الصاعدة حتي أصبح التقليد واقعا، يسأل حتي كان الخميس الأخير من شهر أغسطس هو آخر لقاء نجتمع فيه وذهبت هذه الفعالية بلا عودة وانتهت نهاية غير متوقعة بوفاة الشاعر محمود مغربي يوم الخميس الأول من شهر سبتمبر وتحديدا يوم الخميس الثالث منه سنة 2015م ، وكما كانت هذه الحادثة المشؤمة وكان هذا اليوم هو النهاية الأبدية للقاء الكورنيش الأسبوعي تكون - من المتوقع - وفاة عبد الحميد أحمد علي  النهاية الأبدية للقاءات المنتدي الثقافي بمركز شباب النحال، الذي جمع شباب الشعراء وكتاب القصة آنذاك كأعضاء دائمين المغفور له منهم  محمود مغربي، عبد الحميد أحمد علي والقاص محسن النوبي والشاعر امبارك ابراهيم، ودسوقي الخطارى، وحسن خلف والشافعي الرحماني – رحمه الله - بالإضافة إلي شباب المبدعين الذين ظهروا بقوة ومنهم الشاعر محمد عبد الله صالح والشاعرات هدي السبع، أمل طهطاوي، وولاء حربي شفاها الله وعافاها، وأمل عابد، والحاضرة الغائبة الشاعرة غنية عبد الرحمن، ومما لا شك فيه أن المنتدي الثقافي كان له دوره الفعال في إثراء الحركة الثقافية في الآونة الأخيرة فمنذ إنشائه وحتي مرور عام مضي طاف أعضاؤه قري ونجوع وكفور المحافظة من أبي تشت شمالا إلي أرمنت وإسنا جنوبا إلي أن انتهي إلي كونه محض لقاءات غير منتظمة  في إحدي المقاهي بمدينة قنا، وأطن أنه انتهي تماما ونهائيا بوفاة راعيه المخلص عبدالحميد أحمد علي – رحمه الله - وإن كنا عبر السطور التالية سنتحدث باستفاضة عن الراحل عبد الحميد أحمد على، فإن الأمر يقتضي منا أن نقسم أطراف الحديث إلي شطرين أساسيين وضروريين هما: عبدالحميد أحمد علي الإنسان وعبد الحميد أحمد علي الشاعر والفنان فبين هذا وذاك بون شاسع من الاتفاقات والاختلافات، فعبد الحميد أحمد علي الإنسان كان – كما أسلفنا - الابن البكر لأبويه وأخ أكبر لأربعة أخوة، وقد جعل منه ذلك شخصا أكسبته نشأته الريفية بين خضرة المزارع والغيطان أخلاق القرية فكان يتحلي بكل ما يتحلي به القرويون من رجولة وشجاعة وكرم، بل وكبرياء وشموخ وترفع عن الصغائر قولا وعملا، صديق صدوق، حافظ للسر مؤتمن عليه، يتمتع بالحمية والغيرة علي الأرض والعرض، كما أكسبته حياة المدينة التي أمضي فيها الجانب الأكبر من سنين حياته بين تطور المدينة وحسن مظهرها وزينتها الرقة وخفة الروح وحسن الحديث 


أما عبد الحميد أحمد علي الفنان المبدع، فقد كان شاعرا متميزا يكتب الشعر بالفصحي والعامية لكنه فضل أو مال كثيرا جهة شعر العامية وتميز أكثر في كتابة الأغنية ، كتب أيضا للمسرح، لكنه لم يستمر في الكتابة للمسرح كثيرا، نشرت بعض أعماله في الصحف والجرائد وبعض الدوريات المعنية بالشأن الثقافي، منها مجلة الثقافة الجديدة، مجلة الشعر، جريدة أخبار الأدب، وكان النصيب الأكبر مما نشر من أشعاره علي صفحات الغراء “ منبر التحرير “ شارك لكونه عضوا عاملا بنادي أدب قنا في العديد من المؤتمرات الأدبية، كان آخرها المؤتمر الذي عقد بمحافظة بورسعيد برفقة كل من الشاعر فتحي عبد السميع، الناقد د، وائل النجمي، وكاتب هذه السطور ممثلا لأمانة المؤتمر أدباء مصر في هذه  الدورة، والشيء بالشيء يذكر لا أنسي أنه في صبيحة اليوم الأخير أو يوم الختامي للمؤتمر همس رحمه الله في أذني قائلا : أريد أن أكون خلفا لك في أمانة المؤتمر الدورة القادمة، سألته وما المانع يا “ عمدة “ أجابني بشيء من الحزن : فلان يريد أن يرشح نفسه، وأنا كما تعرف لم يبق من العمر الكثير وأتمني أن أنال هذ الشرف شعرت بما يشعر في تلك اللحظات وكأني اطلعت علي ما في نفسه فقلت له لنكن جادين يا صديقي، أنا أدعي أنني أستطيع أن اثني فلان هذا عما قرر هذا أولا، أما ثانيا : فأنت لم تعد لهذا القرار مسبقا أو أن قرارك هذا جاء مفاجأ، لكن ما أستطيع أن أفعله تجاهك أن أمنحك صوتي إن آل الأمر إلي التصويت، وبالفعل لم يوفق عبد الحميد وفاز الزميل الآخر بمقعد محافظة قنا في أمانة المؤتمر، ولكن .... “ تأت الرياح بما تشتهي السفن “ ما إن عدنا إلي بيوتنا حتي تواترت أنباء عن انتشار وباء “كورونا “ وتجمدت كل الأنشطة الثقافية وغير الثقافية ومن ضمنها هذا المؤتمر إلي اللحظة التي مات فيها عبدالحميد – رحمه الله – وعلي صعيد الأغنية فقد كتب الراحل كلمات أغاني مسرحية “ ليلة من ألف ليلة وليلة “ التي عرضت علي مسرح قصر ثقافة نجع حمادى، وكلمات أغاني مسرحية خالتي صفية والدير “ التي عرضت علي مسرح قصر ثقافة المنشاة – سوهاج وكانت من ألحان الموسيقي محمد صلاح عبد السلام  أما الأغنية الفردية فقد كتب كلمات أغنية  “ سلسل الحسن “ وهي قصيدة بالفصحي للمطربة نغم المصري من ألحان الموسيقي هاني رجب وأغنية “ أمي هي الحياة “ للمطربة سمار الحسين، من ألحان بسام رسلان وأخيرا أغنية “ كلي إحساس “ للمطربة ليلي التونسية، كما صدر للشاعر عدة دواوين شعرية كان  أولها “ لما  القمر بيموت “ شعر عامية، الذي صدرعن النشر الإقليمي لهيئة  العامة  لقصور الثقافة وديوان  “ساعة صفار الشمس” شعر عامية، الذي صدر عن دار يسطرون، علي ما أذكر أنني أخترت لعمل دراسة نقدية لهذا المطبوع أسميتها “ المغربية وابتداعات سدي الحايك “ نشرت علي صفحات (منبر التحرير الغراء) وأيضا ديوان “ هات م الآخر” مربعات من فن الواو الذي صدر كذلك عن دار يسطرون وله مسرحية شعرية وحيدة هي “ متحلميش بالولد وديوان” ريحة الشوارع والبيوت” شعر عامية، الفائز بجائزة الشاعر عبد الستار سليم، وله مخطوطا جاهز للطبع بعنوان “الأفراح والليالي الملاح “ كتاب عن الموروث الشعبي في صعيد مصر ومخطوطا آخر بعنوان “ترنيمة للعشق” مقاطع من شعر الفصحى، هذا وكاد سيل العطاء الأدبي والثقافي لا ينقطع لولا أن وافته المنية صباح يوم الجمعة الثاني من أغسطس الجاري، رحم الله الفقيد العزيز وأسكنه فسيح جناته .

مساحة إعلانية