مساحة إعلانية
ذكرت في الوقفة السابقة من مديح المحبة الحكاية التي افتعلها الكاتب الساخر أحمد رجب، عندما ألف قصة قصيرة وأدعي إنها من تأليف الكاتب السويسري فريدريك دورينمات،ووضعها علي طاولة النقاد ليكشف عوار النقد والنقاد وبالفعل كشف وأظهر وأبان، وظل ما فعله رمزا يشار له بالبنان علي ما يدور أحيانا في عالم الأدب من بلاوي وحكاوي .. الخ
وبما إنني ازعم إنني قارئ جيد للحالة النقدية واقرأ كل ما يقع تحت يدي من دراسات، ولي بعض المحاولات النقدية التي نشرت في كتب أو عبر المجلات والصحف أري إن بعض النقد العلمي تحول إلي « نقد كيميائي « لما تقدمه التجارب النقدية المسيطرة من معادلات وجداول وإحصاءات تكاد تزهق روح العملية الإبداعية، وتحولها إلي معادلات كيمائية جافة
النقد تحول إلي مدارس لا يفهمهما النقاد أنفسهم، ويذكر الناقد والشاعر الأسباني (( داماسو ألونسو )) إن الشعر عصفور وديع، إن شَدَدْتَ عليه قبضتك الدراسية، أزهقت روحه، وحوَّلتهُ إلي جثة لا يغنيك تشريحها في معرفة سر رشاقتها وهي ترف من حولك، علينا إذن أن نمسك هذا العصفور بحنو شديد، وأن نسمح له بالتلفت من أصابعنا، وإن كان لنا من حبسه في منهج فليكن قفصا واسعا يتركه
يتنفس ويتحرك، حتي لا نزهق روحه، أو نحوله إلي دمية، قطعة من البلاستيك .
للنقد دور كبير في إبراز ما هو جيد وما هو ردئ، النقد هو الموجه والمحرك، بيده أن يضيف وأن يساعد علي ظهور مدارس جديدة ومناهج جيدة وجديدة ، قادر علي الوقوف علي أعتاب كل تجربة جديدة، وتقييم كل تجريب، والولوج في عمقه لتفتيت ظواهره ودواخله، وتوجيهه لخوض التجربة أو إهمالها وإغلاق ابوابها، النقد قادر علي صنع حركة أدبية جديدة، النقد البناء فقط الذي يرمي عبء المحاباة والمجاملة التي تفشت حتي وضعت الإبداع في مأزق شديد، وخلقت لنا أجيالا انسلخت من واقعها، حاضرها، وماضيها، وبالتالي أصبحت هشة لا مستقبل لها، والأدب إن لم ينظر للمستقبل فهو هش، لا قيمة له، و تحول إلي أدب لحظي / إستهلاكي، كسندوتش الوجبات الجاهزة، وعلينا أن نثور الحركة الأدبية وننزعها من هذا الركود الهش،والمعارك الشخصية التي تفسد الحياة الأدبية، فلا يستطيع ناقد أن يقول لشاعر ناشئ أن ما تكتبه من نثر مجرد
النقد يعاني من مأزق .. ومن يطالع ثلاثية الراحل الدكتور عبد العزيز حمودة ( المرايا المقعرة- المرايا المحدبة – الخروج من التيه ) سيدرك ما وصل إليه النقد من جفاف إبداعي .. وقتل متعمد للظاهرة الإبداعية بما يطرحه من مادة جافة تقتل روح الإبداع .
وأصبح النقد الانطباعي بما فيه من ولوج في عمق النص بروح المتذوق والمبدع هو الذي يحيي النص الأدبي الآن .. ويساعد رغم إمكانياته المحدودة بعيدا عن المصطلحات الجافة في صنع حركة نقدية .