مساحة إعلانية
إنْ يُنكِرْ أحدٌ وجودَ مؤامرةٍ في السياسة الدولية، فهو إما شريكٌ فيها، أو من أولئك الذين تمت برمجتهم على أفكارٍ مُسْبَقَة التجهيز. فهذه هي طبيعةُ السياسة في جوهرها: التآمرُ أحيانًا لتحقيق مصالح القوى العظمى والدول الكبرى.
المؤامرةُ الحاليةُ لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط ليست وليدةَ اليوم؛ فقد بدأ التخطيطُ لها، ووُضِعَتْ أولى خطواتها التنفيذية، منذ عقودٍ طويلة. والحقيقةُ التي لا مراء فيها أن مصرَ، برغم كل المحاولات، ما تزال صامدةً أمام كل مخططات تفكيكها وإضعافها.
من البديهيات السياسية أن السيطرةَ على أي دولةٍ تمرُّ عبر تدمير جيشها النظامي وهيكلها الأمني، وتحويلها إلى كيانٍ ميليشياويٍّ كحال العديد من الدول المنكوبة حولنا. فالميليشياتُ – في الغالب – عبارةٌ عن مرتزقةٍ بلا ولاء، تُموِّلُها وتُوجِّهُها أجهزةُ مخابراتٍ لتحقيق أجندات خارجية. ومن هنا كان الهدفُ الاستراتيجيُّ الدائمُ هو كسرُ شوكة مصر، إما بإغرائها بحروبٍ متتالية، أو بإشعال الفتن الداخلية، أو بدعم الجماعات المسلحة لتحويلها إلى ميليشياتٍ تُضعِفُ أركان الدولة.
حاولوا إقناعنا بالقتال في سوريا بحجة "حماية الإخوة"، فرفضنا. وضغطوا علينا لخوض حربٍ ضد إثيوبيا "دفاعًا عن مياه النيل"، فلم ننخرط. ثم زعموا أن أمننا القومي يتطلب التدخل في ليبيا والسودان، فتمسكنا بحكمةِ عدم الانجرار. واليوم، يعيدون الكرةَ بسؤالٍ مكرور: "أين جيشُ مصرَ مما يحدث في غزة وسوريا؟"
فلماذا هذه الرغبةُ الملحّةُ – من دوائر داخلية وخارجية – لإقحامنا في حروبٍ على جميع الجبهات؟ الجوابُ بسيطٌ ولا يحتاج إلى تعقيد: الهدفُ هو استنزافُ قوة مصر، لأن وجودَ جيشٍ وطنيٍّ قويٍّ يعني وجودَ قوةٍ عظمى قادرةٍ على صدّ كل المخططات الخارجية.
ولكن الحقيقةُ الأهم هي أن مصرَ تمتلك جهازًا أمنيًا استخباراتيًا في غاية الوعي والقوة، وجيشًا هو الأقوى في المنطقة، وقادةً يُدركون بحنكةٍ كل المؤامرات المُحاكة. النتيجةُ الحتميةُ هي أن مصرَ لن تنهار كما يتمنى أعداؤها، وستبطلُ – بإذن الله – كل محاولات التفتيت والإرهاب.
ومصر – التي لم تكن يومًا دولةً طائفيةً أو معتديةً – ستبقى موحدةً آمنةً، وسيُورِثُ أبناؤها، كما ورثوا عن أجدادهم، حبَّ الوطن.