مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

نهاية - قصة -الأمير محفوظ

2024-02-05 00:48:31 - 
نهاية - قصة -الأمير محفوظ
الأمير محفوظ
منبر

لم تكد الساعة أن تتجاوز السادسة صباحاً ، يقف رجل نحيف قصير القامه ، مستنداً على أريكة قديمة بجوار نافذة صغيرة بصالة منزلة التي تطل على إحدى المباني القديمة .. إنه العم جورج.. ذاك الرجل صاحب الوجه البشوش في العقد الخامس من عمره ، يعمل في إحدى مطابع الكتب بالحي الشعبي الذي يقطن فيه ، يعيش العم جورج وحيداً بعد وفاة زوجته منذ عامين ونصف تقريباً ولم يرزق منها بذرية وكان قد عاهد نفسه بعدم التفكير مره أخرى بالارتباط بعدما رحلت ، كنوع من الوفاء لها ورداً للجميل من وجهة نظره فقد كانت نعم الزوجة المحبة الوفيه ، كما أنها لم تشعره يوماً بحاجتها الملحة لطفل يشبع غريزة الأمومة بداخلها .. بعدما أكد له الأطباء إنه يعاني من العقم بنسبة كبيرة وربما استحالة إنجابه للأطفال ، لكنها غمرته بحبها وعطفها واتخذته لها ولداً وأباً ورفيق حياة ، فقد تزوجها وهي بسن صغيرة بعدما خطفت قلبه عندما كانت تمر من أمام المطبعة يومياً بصحبة زوجة عمها ، فتقدم لخطبتها ووافق عمها على الفور ليخفف من على كاهله عبئ رعايتها بعدما توفيا أبويها وتركاها في سن صغيرة .. يسحب جورج نفساً عميقاً لينهي آخر نفس تبقى من سيجارته ويسترق النظر للأسفل ويلقي بها من النافذة أمام المقهى اسفل المبني المقابل ، كان العم جورج ينتظر صديقه عم سعد يفتح المقهى لينضم إليه ويجلس معه في الهواء يتناول من يديه قهوته السادة من البن المخصوص فسعد صاحب المقهي هو صديقه الوحيد ، ودائماً ما يجلسان سوياً بشكل يومي قبيل ذهابه لعمله ، ثم يقضيان سهرتهما سوياً أيضاً آخر النهار يتسامران الى أن يخلو المقهى من الزبائن فيغلقانه لينالا قسطاً من النوم قبل أن يلتقيا في الصباح الباكر .. وكان هذا حالهما كل يوم .. كان المقهى قديم لا يجلس عليه سوى عدد قليل جداً من كبار السن الذين لا تستهويهم كرة القدم ، ولا تعني لهم المظاهر المبهرجة شيئاً ، فالمقهى لا يزال يحتفظ ببعض الكراسي الخشبية القديمة ، وبه راديو قديم جداً يبث صباحاً إذاعة القرآن الكريم ، ومساءاً إذاعة الأغاني الطربية على موجة صوت العرب ومجموعة من البرامج الموزعة على مدار اليوم . مرت حوالي ساعة ونصف والشمس سطعت في الإرجاء ولم يأت العم سعد ، لم تكن عادته التأخر هكذا فهو معتاد دائماً فتح المقهي بعد صلاة الصبح جماعة بالمسجد .. بدى على العم جورج القلق نحو تأخر صديقه فقرر الذهاب ليتحسس أمره ، وعندما وصل منزل سعد بأحد الأزقة بالشارع المقابل ، إذا به يجد زحاما شديدا ، وصوت الصراخ والنحيب يعلو من داخل المنزل .. وقف جورج مذهولا يرتجف ولسان حاله ماذا هناك ؟ وقلبه يدعو أن لا يكون قد أصاب صديقه مكروه ، وفجأة يضع أحد المارة يده على كتف جورج قائلاً : البقاء لله ياعم جورج ، يلتفت العم جورج فإذا به الشيخ رجب إمام المسجد ، فيسأله في لهفه وخوف .. في مين يا شيخ رجب هو سعد مات ؟ ليومئ الشيخ رجب له رأسه قائلاً : نعم ياعم جورج .. العم سعد توفاه الله اليوم وهو يصلي معنا الفجر بالمسجد ونحن الآن نرتب لجنازته ، شد حيلك .. أحس عم جورج بأن قدميه لم تعد تقوى على حمله وأدرك أنه الآن فقد صديقه الوحيد وسنده كما فقد زوجته ورفيقة دربة منذ عامين ونصف .. جلس العم جورج على الرصيف أمام المنزل وسط الزحام لينتظر تشيع جثمان صديقه الى مثواه الأخير ولسان حاله يردد " لم يتبق لي أحد يا سعد لماذا تركتني وذهبت أنت أيضاً يا صديقي ؟

مساحة إعلانية