مساحة إعلانية
عادت ليلى من الفاتيكان مرهقة جدا، قوة الكتاب أثرت بشكل سلبي على قواها ،كانت تشعر بتفكك فى مفاصل جسدها مع بعض السخونه وقليل من ضعف الرؤية ،طمأنها الملك بدوره ،وأشاد بمدى قوة احتمالها ،وخبرها بأن الكتاب أحبها وأطاعها برغم كل ما تشعر به. وان أغلب الذين لمسوا الكتاب أودى بحياتهم قتلى على الفور ،والبعض الأخر أصابهم العمى ،وقليل جدا من البشر الذين أطاعهم ولبى رغباتهم عن طيب خاطر منه،أراد الملك أن يلطف من الأجواء قليلا فدار حول ليلى بلطف مبتسما:
_ لابد انك تتضورين جوعا ؟،ونادى بصوت عالى على "راشيل" مديرة قصره الملكى والمكلفة بخدمتها شخصيا ،وطلب منها ان تلبى طلبات الملكة من طعام وترفيه وهم خارجا من القاعة ،لتجذبه ليلى سريعا وكأنها ترفض ابتعاده عنها ،شعر الملك لأول مره منذ حضور ها لقصره ببعض الحب ،ليلى خائفة من الرحلة السابقة وتحتاج لمن يؤنس وحدتها ويشعرها بالأمان،غير أن ملامح وجهها وصوتها الواثق بنفسه كثيرا ،غير من رؤية الملك وشعوره الخاطىء ،حيث باغتته بثقة سائلة ،عن اتجاه الليلة القادمة اين سيذهب بها؟،لمعت عينا الملك بذهول هذه " ليلى" الوريثة ،الملكة الأنسية التى كسرت كل القواعد المتعارف عليها، أفاقت سريعا من تأثير "العزيف "على جسدها وعقلها لتسأل عن الرحلة القادمة،أمسك الملك بكتفيها شبه محتضن لها وببسمته التى لم تفارقه منذ حضورها قائلا:
_سنذهب الى مكان لا يذهب اليه بشر ،و لا حياة فيه لأدمى ولم يسكنه سوى فتاتان يراهما الناس رؤى العين كل ليلة ،وتسمع أصواتهن ايضا ،ولكن قلعتهن لم يدخلها اى بشر حتى ولو كان مستكشفا او عالما أو ساحرا لم تطئها قدم بشرية منذ زمن بعيد،أنت أول بشرية تدخل القلعة وتجلس معهما وتحكى ماتشاء ،وتسأل عما تجهله،وتتلقى منهما ماتشاء من علم الجان . ولكن الأن اهتمى بجسدك بعض الشىء ،تناولى بعض الطعام وأغتسلى وخذى قسطاً من النوم ،لقد علت الشمس فى السماء وموعدنا كالمعتاد ليلا.
لم يكن سهلا عليها ان تصبر حتى يخيم الليل من جديد ولكن "العزيف" اجهدها فعليا ،فتناولت القليل من الطعام واغتسلت وغطت فى نوم عميق. الدخان الرمادى المتصاعد دائما ،وصوت خشخشة لوريقات شجر يطيرها الهواء ترفض ان تغادر المكان ،وصوت مكنسة يدوية تهش الغبار عن أرض الشارع ،كلها أصوات تصل الى أذنها ويرسمها خيالها طبقا لأحساسها ،ولكنها غير واثقة أهذة الأصوات حقاً أم خيال ،فى كل الأحوال تأتى هذة الأصوات متزامنة بدخول أول حسيس لليل وكأنها ساعة من نوع خاص بالمكان .
بدأت الجوارى فى الحركة كالمعتاد ،وبدأت" ليلى" تجيد حفظ جدولها الزمني ،تستيقظ ،تغتسل،تمشط شعرها وتتجمل،ثم تذهب فى موكب ملكي يليق بها وبالملك المنتظر دوما على الطرف المقابل من الطاولة تسبق نظراته ابتسامة مهيبة خجوله،تحرك الملك من مكانه مسرعا مرحبا بها ،سلم عليها مقبلا يدها ،وسارع بسحب الكرسي المواجه له بعض سنتيمترات للخلف مومأً برقبته لتجلس ضيفته المحببة الى القلب ،تبسمت على استحياء بدورها ،وسارعت بالجلوس ،تناولت طعامها وحيدة كالمعتاد ،وبعد انتهائها من العشاء دعاها الى تناول فنجان من قهوتها المفضلة فى شرفة القصر ،فبادرته بشوق وشغف ،ماذا عن رحلتنا الليلة ،فتبسم قائلا ستحتاجين لقهوتك ذيادة فى صفو ذهنك وقوة لتركيزك بعدها ننطلق مباشرة،تناولت قهوتها بدون تلذذ فقد كان ذهنها شاردا فيما هو أت. احتواها الملك بضمة خفيفة بين ذراعيه إذانا برحيلهما الى حيث تقضى مغامرتها الثالثة ،أغمضت عينيها لبضع ثوان لتفتحهما على صفير ريح مخيف ،يقتلع القلوب ،صحراء متناهية على مد البصر ،والريح تزأر فى اذنيها ،لم تسطع اخفاء خوفها ،فتجمدت بداخل حضن الملك الذى ربت عليها مهدئاً بدوره ،ولأول مرة منذ رأته فى قاعة المحكمة كرئيس المستشارين فى قضية الإستحقاق يضمها بلطف ويقبل رأسها مغمضاً عينيه بحب ولهفة غير خافيـّن،سرعان ما يفيق ملتقطاً بعض أنفاسه ،يبعدها عن صدره ببطىء ويخلع نفس الخاتم الذى ألبسها اياه من قبل ،ليدسه فى اصبعها ،لتسرى قشعريرة كهربائية فى جسدها ،تشد من أزرها وتخفى أى أثار لخوف،يمد يده مخبئاً يدها بداخلها ويسيران مسافة لا تتعدى خطوات معدودة ،الخاتم فتح بصيرتها على اشياء لم تراها قبل ارتدائه ،بانت امامها قلعة مهجورة بقدر فخامتها بقدر رعبها ،أمامها عدة أشجار مسلوبة الأوراق ،يحجب هذة القلعة سور غريب عظيم يلف المكان من كل اتجاه يبلغ طواله حوالى ١٢ متر ، به سبع أبواب فى مختلف اتجاهاته،كما يوجد أيضا فى أعلى السور عدد ليس بالقليل من أبراج المراقبه المخصصة للجنود والحراس،لم تنكر مدى رهبة المكان ،لأول مرة فى حياتها تشعر بهذا الضعف ،وكلما خشخش صوت لحشرة اهتزت فضغطت على يد الملك بسرعة ورهبة،ليبادل ضغطة الخوف بضغطة للطمأنينة ،وكأنه يقول لها لا تخافى أنا هنا،مشيا معا داخل السور خطوات معدودة بالرغم من بعد المسافة بين القلعة والسور ،ولكن الملك استطاع ان يطوى لها الأرض طي،سرعان ما وقفا أمام باب القلعة والذى فتح تلقائيا ليصدر صوت صرير للحديد الصدأ كفيل بصم أذان من يسمعه ،مما دفعها مرغمة على سحب يدها بقوة من يد الملك مصحوبة بصرخة شديدة لتسد بها اذنيها ،سارع الملك بالأمساك بيدها مرة أخرى معاتبا بنظراته وكأنه خشي فقدانها للأبد ،شعرت بنفس الرهبة وكأنها سقطت من فوق السحاب لحظة انفصالهما،وقبل ان ينتبها لما يحدث معهما ظهرتا ملكتان لا مثال لجمالهما على الاطلاق "ميساء "وغيثاء"أختان لا دليل قاطع على نوع جنسيهما بشر أم جن ، من زمن بعيدظهرتا بهيئتهما الحالية فى احدى الليالى الممطرة داخل نفس القلعة والتى لم يعرف أيضا من بناها او متى تم البناء،أجادتا علوم الجن والسحر وسخرتاه فى مساعدة أهالى المدينة فى أمور حياتهم مما أكسبهما حب الناس،وفى زمانهما الأول كانت هناك مملكة قريبة من مدينتهما،توجهت أنظار حاكمها الى مدينتهم الرغداء،وحاول كشف سر الفتاتين،ممادفع والى المدينة الى دفع الجزية تفاديا للحرب وسفك دماء شعبه،وبدأت المدينه تعانى من ضيق المعيشة جراء دفع الجزية ،وكانت ميساء وغيثاء تشهدان على ما ألت اليه المدينه من فقر وعسر ،فقررتا التصرف بطريقتهما ،أمرتا جيش كامل من الجن ببناء سور لا يستطيع أدمي اختراقة لف المدينه من كل اتجاه فى ليلة واحدة ،استيقظ أهل المدينه ليروا ما ألت اليه مدينتهم ،كان الجميع يعرف ان السور من صنع الفتاتين،فعشقهما الجميع دون استثناء،وظلت المدينه فى رغد ويسر فترة كبيرة من الزمن،ولكن الزمان دوائر ،قرر الملك "جنكيز خان" اختراق المدينه فى عهد التتار ،دخلها بعض اتباعه كزوار وباعة متجولين ،واستضافهم اهل المدينة بكل حب ،وفى ليلة على حسب خطة محكمة قام التجار بفتح ابواب السور السبعه والمدينه كلها تغط فى نوم عميق ،وسرعان ماغار عليهم التتار فزبحوهم فردا فردا لم يبقوا منهم احدا حتى وصلوا الى قلعة الفتاتين،ولكنهم عجزوا بشدة فى فتح باب القلعة ،وعندما تجرأوا برمي القلعة بسهام مشتعلة ، ظهر امامهم جيش من الأشباح منهم من رأه ومنهم من سمع صوت صياحهم فقط،لينهى هذا الجيش الخفى على كل من وطىء أرضهم بسفك الدماء والخيانه ،وأشرقت الشمس لأوله مرة فى التاريخ على المدينه وكل من فيها قتلى سواء من اهلها أو من الجنود الذين احتلوها ليلا ،لم يبقى مخلوق على أرض المدينه سوى غيثاء وميساء. تبسمتا الملكتين مرحبتين بليلى والملك ،شعرت تجاههما براحة غريبة وكأنها تعرفهما جيدا ،ودعتا ليلى الى كوب من اللبن الساخن فى محاولة لتهدئة أعصابها ،ووعدتاها بتلبية كل طلباتها وتعليمها طلاسم السحر العلوى والسفلى،تركهم الملك لليلة نسوية شعر أنه عذول بينهم ،أوصاهما بليلى خير ووعدها بالعودة اليها قبيل الفجر ليعيدها الى قصره،لم تشعر بخوف لابتعاده عنها ،شعورها بامان مع الملكتين كان أكثر واقعية ،سألت سؤال مباغتا ،أى مكان على الأرض رعى فيه السحر وأخذ مكانه واحتلها بجدارة ،لتجيب الملكتان فى نفس واحد مصر،أرض الفراعين .
شعرت بود وألفة معهن ،حتى هى بكل قواها الخفية والمعلنه لم تسطع تحديد جنس الملكات لم تشعر معهن برهبة الجن المعتادة برغم مايملكون من قدرات تفوق البشر بمراحل وبرغم أعمارهن الألفية ولكنهن ايضا يملكون جسدا بشرى مكون من دم ولحم بشكل واضح جدا ،فيهما سر خفى ولكنها لن تشغل فكرها بتصنيفهن. للقلعة المسكونه شعوران ايضا ،الخوف والفزع القاتل من الخارج ،والراحة والطمأنينة من الداخل ،سر القلعة يفوق سر ملكاتها ،سألت عن هذا السر فأجابتها غيثاء بانها بنيت بحب وعلى حب ولا تقبل الا الاحباب ،وحدثتها غيثاء عن محاولة الدولة مرارا لاقتحام القلعة بعدما كثرت عنها الأقاويل والأساطير ،محاولة ترميمها وتحويلها لمزار أثرى ،فبعثت بمهندسين وعمال ، لمدة اسبوع كامل ،يعملون طوال النهار،ويغادرونها خوفا ورهبا قبل حلول الليل ،ليعودوا اليها مع اشراقة شمس اليوم التالى ليجدوا الحال على ماهو عليه ولا أثر اطلاقا لأى ترميم قاموا به ،كرروا المحاولة وبعد اسبوع انتابتهم حالة من الفزع ،أين ما رمموا واين الحجارة واين الأسمنت ؟ لا وجود لأى دليل على انهم كانوا هنا بالأمس ،ففروا هاربين بأرواحهم ،علت اصوات الضحكات فى القلعة من ليلى وصديقاتها الجدد،وسردت ميساء قصة "عمران "الراعي هو أول من دخل سور المدينه بعد المذبحة بمائة وخمسون عاما ،كان غريب ،عابر سبيل لا يعرف شىء عن المدينه كلها سوى أنها أطلال لزمان بائد،فرت منه خرافه ودخلت السور ،ففر وراءها ليعاود تجميعها مرة أخرى ،ورأى" غيثاء "من خلف الستائر وتعلق بها ،عاود المجىء مرارا وتكرارا محاولة لرؤيتها مرة اخرى دون جدوى،وهنا ضحكت ميساء وليلى ولكن غيثاء انتابها حزن بات جليا على وجهها ،ولمعت عيناها بسحابة من الدموع،صمت الجميع احتراما لها ،وطأطأت ميساء رأسها خجلا وندما ،قرأت ليلى مكنون القلوب ،فسارعت بتلطيف الأجواء ،فقصت عليهما بعض قصص العشق التى جمعتها مع حبيبها ،وهنا تلاقت قلوب العاشقات ،خاصة وان حديث ليلى جذب الملكتين ،فأنصتا فى شغف غريب ،ومرت الليلة سريعا بين ضحكة ودمعة وقصة عشق ،وبدأت ولادة فجر جديد،ظهر الملك أمامهن دون استأذان ،محاولا استردادها ،ولكنها ترجته أن يتركها معهن ليلة أخرى ،لقد قضين الليل كله فى الحكايا ولم تتعلم منهن شىء من اسرار السحر والجن ،طلبت الملكة غيثاء من الملك أن يلبي طلبها وان يمنح الجميع ليلة ود أخرى ،وافق تمار مغصوبا لم يجرء على رد طلب لليلى ،تركهن ورحل على وعد باللقاء غدا ليذهبا سويا الى أرض الفراعنه.
البقية الثلاثاء القادم
نوفيلا : الليالي السبع ..الليلة الثانية .. العزيف..بقلم إيمان العطيفي
م