مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الكاتبة همت مصطفى وحوار مع مبدع إنسان والمبدعة د.سوسن الشريف

2025-03-28 00:24:57 - 
الكاتبة همت مصطفى وحوار مع مبدع إنسان والمبدعة د.سوسن الشريف
حوار همت مصطفى مع د. سوسن عبد اللطيف الشريف
منبر

المقدمة

في عالمٍ يموج بالتغيرات، هناك شخصيات لا تكتفي بمراقبة الأحداث، بل تصنع الفارق. شخصيات تحمل على عاتقها مسؤولية الفكر والتغيير، وتكرّس حياتها لخدمة المجتمع، علمًا وأدبًا. ضيفتنا اليوم نموذج للمرأة التي جمعت بين العمق الأكاديمي والرؤية الإنسانية، بين البحث العلمي والإبداع الأدبي، وبين الفكر الإصلاحي والتأثير المجتمعي.

إنها د. سوسن عبد اللطيف الشريف، خبيرة تربوية واجتماعية ونفسية، كاتبة وباحثة، صاحبة إسهامات بارزة في حقوق الطفل وتمكين المرأة وتجديد الفكر التربوي، وأول من وضع تصميمًا لأول "مدينة تعلم" معتمدة من اليونسكو في مصر. لم تكتفِ بالبحث الأكاديمي، بل تركت بصمة مؤثرة في المشهد الثقافي، حاصدةً العديد من الجوائز الأدبية في الرواية والقصة القصيرة.

بين البحث والتطبيق، وبين الإبداع والتأثير، نستضيف اليوم "مبدع إنسان" لنتعمق في رحلتها، ونتعرف على رؤاها وأحلامها لمستقبل أكثر عدلًا وإنسانية.

المسار العلمي والمجتمعي

*في البداية، كيف تُعرّفين نفسك للقراء؟ نود أن نسمع منكِ عن رحلتك وأبرز محطاتك ومؤلفاتك وأعمالك التي تعتزين بها.

**على المستوى المهني، أنا د. سوسن الشريف، استشارية نفسية واجتماعية، وباحثة في الدراسات الإسلامية، وكاتبة متخصصة في الكتب الأكاديمية والمهنية في

 في مجالات تخصصي. أما على المستوى الأدبي، فأنا كاتبة قصة ورواية وشعر، وعضو في نادي أدب مصر الجديدة.

أبرز محطاتي الأدبية:

"يوتوبيا البحث العلمي – الحرية الأكاديمية": فاز بجائزتين من جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين، الأولى عن تأليفه، والثانية عن نشره.

"الحركة النسوية الإسلامية في مصر": من أوائل الدراسات التي تناولت هذا الموضوع في السياق المصري.

"تجديد الأخلاق من منظور قرآني – المعروف منهج حياة": يربط بين العلوم الشرعية والاجتماعية، ويقدم رؤية لمعالجة المشكلات المجتمعية.

"حكايات من الواحات – العودة إلى الجذور": يوثق المهن المندثرة في ست واحات مصرية، بأسلوب يجمع بين أدب الرحلات والتوثيق الاجتماعي، وكانت تجربة ثرية على المستويين الشخصي والمهني.

في المجال الأدبي:

"من فانكا إلى تشيخوف" (2020): محاكاة للأدب الروسي، مستوحاة من قصة "فانكا" لتشيخوف، بعد بحث عميق في الثقافة والعادات الروسية، حتى بدت الرواية وكأنها مترجمة.

"حتى مطلع الفجر" (2020): أول رواية لي، حازت جائزة إحسان عبد القدوس.

"واحة الهروب" (2021): فازت بجائزة النشر الإقليمي لمحافظة القاهرة.

"رغبة غير قابلة للالتهام" (2021): نُشرت ضمن الكتاب الذهبي لمؤسسة روزا ليوسف.

"مقامات" (2022): فازت بالجائزة الأولى للمجموعات القصصية من مؤسسة القدس الدولية واتحاد كتاب سوريا.

"حكايات من الواحات": فازت بمنحة الكتابات الإبداعية والنقدية من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) عام 2022.

"حياة أو أقل قليلًا" (2024): فازت بجائزة الرواية غير المنشورة من نادي القصة بمصر.

كل محطة في هذه الرحلة كانت إضافة مميزة، وما زلت أسعى إلى المزيد من التجديد والتجربة في الكتابة.

* متى بدأ شغفكِ بالكتابة؟ وما الذي دفعكِ للاستمرار؟

** شغفي بالكتابة بدأ منذ المرحلة الثانوية، وربما قبلها، إذ كنت أكثر أفراد عائلتي اهتمامًا بكتابة الخطابات، كما كنت أوثق يومياتي وأراسل المجلات.

وكان هناك موقفان أساسيان أثّرا في استمراري بالكتابة:

الأول، حين أرسلتُ مشكلة إلى باب "ماما نعم الباز" في إحدى المجلات، وأرفقتُ معها رقمي، ففوجئتُ باتصال منها. لكنها لم تتحدث عن المشكلة، بل أثنت على أسلوبي الأدبي وشجعتني على الاستمرار، مما منحني ثقة كبيرة في موهبتي.

الثاني، عندما شاركت في مسابقة لكاتب كبير (أصبح اليوم من الأسماء اللامعة في عالم الكتابة). شجعتني كلمات ماما نعم على إرسال قصة بعنوان "الاختيار"، لكنني فوجئت لاحقًا بنشرها باسمه، مع بعض التعديلات، دون أن تُعلن نتائج المسابقة أصلًا! حينها أدركت أنني لم أكن الضحية الوحيدة.

لاحقًا، وثّقت هذه التجربة، إلى جانب غيرها من التحديات التي واجهتها في عالم النشر، في كتابي "المسكوت عنه في عالم النشر" (2023)، حيث تناولت فيه قضايا السرقات الأدبية والصعوبات التي يواجهها الكُتّاب الشباب في إثبات حقوقهم وإيصال أصواتهم إلى القرّاء.

* د. سوسن، حضرتكِ تحملين خبرة واسعة في مجالات التربية وعلم النفس والاجتماع، كيف شكّلت هذه الخلفية رؤيتكِ للمجتمع وقضاياه؟

**هذه الخلفية ليست مجرد خبرة مهنية، بل هي مسيرة حياة بدأت منذ التحاقي بالجامعة ولا تزال مستمرة حتى اليوم. من خلالها، أُتيحت لي فرصة الانخراط العميق في المجتمع والتفاعل المباشر مع قضاياه، خاصة الفئات الأكثر تهميشًا من الطفولة إلى الشيخوخة، ومن أصغر أفراد الأسرة إلى كبارها. هذه المعايشة منحتني رؤية أكثر شمولًا للمشكلات الاجتماعية، وساعدتني على تناولها بعمق ليس فقط في دراساتي وأبحاثي، بل أيضًا في أعمالي الأدبية، حيث أحاول أن أجسد هذه القضايا برؤية إنسانية قريبة من الواقع.

*كونكِ أول من وضع تصميمًا لمدينة تعلّم معتمدة من اليونسكو في مصر، ما التحديات التي واجهتكِ في تحقيق هذا الإنجاز؟

** يُعد هذا من أهم الإنجازات في مسيرتي، حيث قدّمتُ أول تصميم لمدينة تعلّم في مصر، ما أدى إلى فوز إمبابة بجائزة "منطقة تعلّم" من اليونسكو عام 2017، وتبعتها مدن أخرى مثل الفيوم وأسوان ودمياط، التي اعتمدت جميعها على النموذج الذي صممته.

جاءت الفكرة بعد حصولي على منحة من معهد اليونسكو للتعليم المستمر في ألمانيا عام 2016، وفي نهايتها قدّمت مشروعًا لتصميم مدينة تعلّم بإمبابة، الذي لاقى قبولًا وتم تنفيذه فور عودتي إلى مصر، بالتعاون مع جمعية حواء المستقبل ومحافظة الجيزة، لضمان تنفيذ المشروع بشكل مؤسسي يجمع بين الجهود الأهلية والحكومية.

أما عن التحديات، فقد واجهتُ صعوبات متعددة، من بينها تجربة قاسية من العنصرية والتهديدات خلال إقامتي في هامبورغ بألمانيا، وهي تفاصيل وثّقتها في روايتي "يوميات الخوف في بلاد الشمال"، التي لم تُنشر بعد. كما كان من المؤسف أنه عند الاحتفال بفوز المشروع، لم يتم ذكر اسمي أو الإشارة إلى جهودي في تصميمه وتنفيذه، رغم أنني كنتُ أول من حصل على هذه المنحة من مصر ووضع هذا المخطط. لا أعرف حتى الآن سبب هذا التجاهل، لكنه لم يمنعني من الاستمرار في تقديم المزيد من المشروعات التي تخدم المجتمع.

* كيف ترين العلاقة بين التعليم والتنمية الاجتماعية؟ وهل يمكن أن يكون التعليم أداة للقضاء على مشكلات مثل الفقر والتهميش؟

** التعليم هو الركيزة الأساسية لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والخطوة الأولى لتحقيق التنمية في مختلف المجالات. من المفترض أن يكون التعليم أداة قوية للقضاء على الفقر والتهميش، لكنه في الواقع يعاني من فجوة كبيرة بين المناهج ومتطلبات المجتمع. كثير من المنظومات التعليمية بحاجة إلى إصلاح شامل حتى تحقق أهدافها، خاصة فيما يتعلق بربط التعليم بسوق العمل، وتعزيز الوعي المجتمعي، وتوفير فرص متكافئة للجميع. فلا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون تعليم متكامل يواكب احتياجات العصر.

* قدمتِ العديد من الأبحاث حول قضايا المرأة والطفل، ما القضية التي ترين أنها تحتاج إلى تدخل عاجل في مجتمعنا؟

** التربية هي القضية الأهم والأكثر إلحاحًا، لأنها الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات. الأبحاث وحدها لا تكفي، بل يجب أن تُنفَّذ توصياتها على أرض الواقع. من خلال عملي البحثي والتطبيقي في مجالات الاجتماع وعلم النفس والتربية، توصلتُ إلى نتائج بالغة الأهمية، لكن للأسف، تبقى الكثير من هذه الدراسات حبيسة الأدراج ولا يتم العمل بها. هناك حاجة ماسة إلى ربط البحث العلمي بصنع القرار، لضمان أن تسهم هذه الأبحاث في تحسين واقع الأسرة والمجتمع، خاصة فيما يتعلق بتنشئة الأطفال وتأهيلهم لمواجهة تحديات الحياة.

*أسستِ عدة مبادرات مجتمعية، منها: "ساهم في معاملة آدمية وطفولية يستحقها طفل الشارع"، ما الذي دفعكِ لإطلاق هذه المبادرات؟ وهل وجدتِ صدى حقيقيًا لها؟

** هذه المبادرات جاءت من احتكاكي المباشر بالمجتمع ومعايشتي لمشكلاته اليومية.

"ساهم في معاملة آدمية وطفولية يستحقها طفل الشارع" انطلقت من واقع عملي، حيث كانت رسالة الدكتوراه الخاصة بي عن أطفال الشوارع. الهدف الأساسي منها كان نشر ثقافة التعامل الإنساني معهم بعيدًا عن العنف، لأن العنف لا يولّد إلا المزيد من العنف. ولحسن الحظ، لاقت الحملة صدى إيجابيًا، وساهمت في تغيير أسلوب تعامل بعض أفراد المجتمع مع هذه الفئة المهمشة.

*عملتِ مع أطفال الشوارع وحقوق الطفل، كيف ترين مستقبل هذه القضية في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الحالية؟

** ملامح ظاهرة أطفال الشوارع تغيرت جذريًا في السنوات الأخيرة، فلم تعد تقتصر على الأطفال المشردين فقط، بل تطورت إلى ظاهرة جديدة أكثر تعقيدًا، وهي "أسر الشوارع". هذه الأسر هي نتاج علاقات غير رسمية بين الفتيان والفتيات المشردين، ما أدى إلى تكوين عائلات كاملة تعيش في الشارع، دون أي دعم أو حماية.

بعد ثورة 2011، لم يعد المفهوم التقليدي لأطفال الشوارع قائمًا كما كان، بل حلت محله مجموعات منظمة تستغل الأطفال بطرق مختلفة، مما زاد من تعقيد المشكلة وجعل التعامل معها أكثر صعوبة.

أما عمالة الأطفال، فقد أصبحت أكثر تنظيمًا وخطورة، ولم تعد تقتصر على الأعمال التقليدية، بل امتدت إلى استغلالهم على منصات التواصل الاجتماعي، كما نرى في محتوى تيك توك وغيره. يتم استخدام الأطفال في فيديوهات غير أخلاقية أحيانًا، أو في محتوى يبدو عاديًا لكنه يستغل براءتهم، مثل مقاطع الطبخ أو المشاهد التي تُظهر الإساءة للأهل بهدف تحقيق المشاهدات.

للأسف، بات كل شيء مباحًا في سبيل الانتشار، وهو انتهاك صارخ لحقوق الطفل يجب التصدي له بوعي قانوني واجتماعي حقيقي.

الإبداع الأدبي والتأثير الفكري

* لديكِ مسيرة أدبية مميزة، حصدتِ خلالها عدة جوائز في الرواية والقصة القصيرة، كيف يؤثر عملكِ البحثي والمجتمعي على كتاباتك الأدبية؟

**أعمالي الأدبية مستمدة من عملي البحثي ومعايشتي للمجتمع، فأنا أؤمن بأن الكاتب لا يجب أن ينعزل في مكتبه، بل عليه أن يعيش مع الناس ليعبر عن مشاعرهم وحياتهم الحقيقية. لهذا يجد القارئ نفسه في كتاباتي، سواء عبر وصف مشاعره الداخلية، أو من خلال رصد تجاربه الاجتماعية.

* روايتكِ "حياة أو أقل قليلًا" فازت بجائزة الرواية غير المنشورة من نادي القصة عام 2024، ما الذي يميز هذه الرواية عن غيرها؟

**وفقًا لما ذكره رئيس لجنة التحكيم، تميزت الرواية بعاملين رئيسيين:

- أسلوب السرد المبتكر: جمعت بين القصة القصيرة والرواية، حيث يمكن قراءة كل فصل كقصة قصيرة مستقلة، ولكنها تشكل رواية متكاملة عند قراءتها كاملة. كما أن الفصول لم تُرقّم، بل جاءت بعناوين جذابة، مما لفت انتباه المحكمين.

- تناولها لقضية فلسفية بطرح بسيط: ناقشت الرواية علاقة الإنسان بالله، وسؤال "هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟"، بالإضافة إلى أزمة الوحدة، في إطار درامي إنساني، بأسلوب فلسفي بعيد عن التعقيد.

*من بين كتبكِ "حكايات من الواحات – العودة إلى الجذور"، كيف انعكست البيئة والتراث في كتاباتك؟

** تأثرتُ كثيرًا بالواحات وأهلها، حيث انعكس هدوء المكان وطبيعته البكر على سلوك سكانه، الذين يتسمون بالبساطة، وحب العمل، والتواضع، والحكمة. أكثر ما تعلمته منهم هو العمل بدافع الحب، وليس انتظارًا للمقابل، بالإضافة إلى التفكير بهدوء والتعلم من خبرات الكبار، الذين يمثل كل واحد منهم مدرسة فريدة من نوعها.

هذه التجربة جعلتني أرى أن مثل هذه الشخصيات والتجارب يجب تدريسها في المدارس، لأنها تمثل قيمًا إنسانية ومجتمعية مهمة.

الكتابة كحياة وممارسة

*كيف كان شعوركِ عند نشر أول عمل لكِ؟

**كنتُ سعيدة جدًا، لدرجة أنني كنت أوزعه على زملائي في العمل، وأقاربي، وكل من أقابله! رغم أن الكتاب كان في أغلبه خواطر، إلا أنه كان خطوتي الأولى في النشر الأدبي، وهذا الشعور لا يُنسى.

* كيف يؤثر استغراق الكاتب في عوالم قصصه على حياته الشخصية وعلاقاته الاجتماعية؟ وهل يمكن أن تصبح الكتابة عبئًا نفسيًا بدلًا من كونها متنفسًا؟

** أحيانًا تكون الكتابة عبئًا نفسيًا، خاصة عندما تكون الشخصيات معقدة والأحداث مثيرة للتوتر والقلق، لأن الكاتب يعيش الشخصيات بكل انفعالاتها ليصل إلى مرحلة الصدق الفني. هذا الاستغراق العاطفي يجعله أحيانًا يتأثر نفسيًا بما يكتب، لكنه في النهاية يحقق الغاية الأهم: أن تصل المشاعر إلى القارئ بصدق، فيتفاعل معها بعمق.

* هل تضعين مخططًا تفصيليًا لأعمالكِ قبل الكتابة، أم تفضلين التدفق العفوي للأحداث؟

** أضع مخططًا مبدئيًا، لكني أترك للأحداث حرية التشكّل أثناء الكتابة. في كثير من الأحيان، تتغير القصة بالكامل، وكأن الشخصيات تكتبها بمعزل عني! أحيانًا أعيد قراءة ما كتبته وأتعجب، وكأنني لم أكن أنا من كتبه. كما أنني لا أرغم نفسي على الكتابة، بل أكتب عندما أشعر برغبة حقيقية، وهذا ما يجعل كتاباتي تصل بسهولة إلى الآخرين، لأنها نابعة من القلب والمشاعر الصادقة.

التحديات والنقد في المسيرة الأدبية

* ما أصعب التحديات التي واجهتكِ خلال مسيرتكِ الأدبية؟

** من أصعب التحديات التي واجهتها الشللية في الوسط الثقافي والأدبي، حيث يُصبح الطريق صعبًا إذا لم تكن جزءًا من مجموعة معينة. للأسف، بعض الأشخاص يسيطرون على منابر النشر، بما في ذلك الجهات الحكومية، مما يؤدي إلى التهميش والإقصاء لمن لا ينتمي إلى هذه الدوائر. وصلت الأمور إلى حد أن أحد المسؤولين في جهة نشر حكومية قال لي صراحة: "مادمتِ جيدة وتحصلين على جوائز، فلماذا تنشرين لدينا؟ اذهبي للنشر الخاص"، وكأنه يمتلك المكان وليس موظفًا يعمل لخدمة الأدباء!

*هل هناك عمل لكِ كان نقطة تحول في حياتكِ الأدبية؟

** نعم، كما ذكرتُ سابقًا، كتابي "من فانكا إلى تشيخوف" كان نقطة تحول في مسيرتي. وقبله لم أنشر شيئًا لمدة عامين، حيث تفرغت تمامًا للقراءة العميقة والاستماع للأدب العربي والروسي والإنجليزي والفرنسي والإيطالي. هذا جعلني أنضج فكريًا وأدبيًا، مما انعكس بشكل واضح على أسلوبي في الكتابة بعد تلك الفترة.

*كيف تتعاملين مع النقد؟ وهل يؤثر على أسلوبكِ في الكتابة؟

** أرحب جدًا بالنقد، وأعتبره خطوة مهمة للتعلم والتطور، ولكن بشرط أن يكون نقدًا بناءً يركز على العمل الأدبي وفنياته. للأسف، بعض "النقاد" يتجاوزون النقد الفني إلى الهجوم الشخصي، وأحيانًا تصل الأمور إلى نقاشات غير ذات صلة، مثلما حدث في إحدى الندوات التي ناقشت كتابي "وبينهما حجاب"، حيث ترك المناقشون القصص بالكامل وبدأوا في مناقشة الحجاب وهل هو فرض أم لا!

ومن النقد الغريب الذي واجهته، اتهامي بالكتابة النظيفة، لأنني لا أستخدم ألفاظًا خادشة أو مشاهد جريئة، رغم أنني أصف كل المشاعر والمواقف بعمق، لكن بأسلوب أدبي راقٍ يصل المعنى من خلاله دون إثارة انزعاج القارئ. أؤمن أن الأدب رسالته نقل الواقع مهما كان قاسيًا، ولكن بأسلوب راقٍ ومؤثر، لا بالابتذال.

الرؤية المستقبلية والتغيير

* مع كل هذه الإنجازات، ما هو الحلم الذي ما زلتِ تسعين لتحقيقه؟

**حلم كل كاتب أن يصل لأكبر عدد من القراء، وأن تحترم كتاباته وقت القارئ، فلا يشعر أن وقته ضاع في قراءة عمل ما. أتمنى أن تصل كتاباتي إلى جمهور أوسع، والأهم أن تصل الرسائل التي أضعها فيها، سواء كانت أدبية، اجتماعية، تربوية أو نفسية، وأن تعكس المشاعر الحقيقية والواقع المعاش.

*كيف يمكن للمثقفين والمبدعين أن يسهموا بفعالية في تغيير المجتمعات نحو الأفضل؟

** عليهم التحلي بالموضوعية في تناول القضايا، وطرح أفكار تدفع المجتمع نحو التفكير والتغيير الإيجابي، لكن للأسف، هذا يبدو حلمًا بعيد المنال في ظل الانحيازات الشخصية التي تسيطر على المشهد الثقافي.

* أخيرًا، ماذا تقولين لكل من يريد أن يكون "مبدعًا وإنسانًا" في آنٍ واحد؟

** أن يستمر في الكتابة، يقرأ كثيرًا، ينخرط مع الناس، ويتفاعل مع الحياة الحقيقية، ولا ينعزل عن الواقع في برجٍ عاجي.

تلغراف

* إذا طلبنا منك إرسال "تلغراف" إلى شخص ترك أثرًا طيبًا في حياتك، وكان له دور في تشكيل رحلتك الأدبية أو الإنسانية، فلمن ستوجهين الرسالة؟ وماذا ستقولين له؟

**أوجه رسالتي إلى شخصيتين كان لهما أثر بالغ في مسيرتي الأدبية والإنسانية:

- الدكتورة عزة بدر، الكاتبة والصحفية بمجلة صباح الخير، التي لم تكن مجرد أستاذة في الأدب، بل نموذجًا في الأخلاق والإنسانية. تعلمت منها الكثير، وكانت دائمًا سندًا لي، تمنحني الأمل وتشجعني في كل خطوة.

-الأستاذة منى ماهر، عضو مجلس إدارة نادي القصة واتحاد الكتاب، التي آمنت بموهبتي ودعمتني في محطات مهمة من رحلتي الأدبية. وقفت بجانبي وساعدتني في تنظيم ثلاث ندوات كانت نقاط تحول في مسيرتي، ولم تبخل أبدًا بالتشجيع والمساندة.

شكرًا لكِ أستاذة همت على هذا الحوار الثري والأسئلة العميقة التي غاصت في تفاصيل رحلة الكاتب. كان نقاشًا ملهمًا بحق.

الختام

د. سوسن عبد اللطيف الشريف ليست مجرد باحثة أو كاتبة، بل نموذج لإنسان سخّر العلم والأدب لصنع أثر حقيقي. بين البحث الاجتماعي والمبادرات المجتمعية والإبداع الأدبي، لم تكتفِ بترك بصمة، بل صنعت طريقًا لمن يسعون إلى التغيير.

حديثها اليوم لم يكن مجرد استعراض لإنجازاتها، بل كان دعوة مفتوحة لكل من يؤمن بأن الفكر قوة، وأن الإبداع رسالة، وأن التغيير ممكن إذا اجتمع الشغف مع الرؤية.

مساحة إعلانية