مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

حين تتحول الخسارة إلى قوة: قراءة مختلفة في الفشل بقلم: د. علي الدكروري

2025-11-23 11:54 AM - 
حين تتحول الخسارة إلى قوة: قراءة مختلفة في الفشل بقلم: د. علي الدكروري
الدكتور علي الدكروري
منبر

على مدى سنوات طويلة من العمل في الإستثمار والصناعة والتوسع الدولي، مررت بتجارب صعبة لم تكن على خريطة أي رجل أعمال ؛ مشاريع توقفت، شراكات لم تكتمل، وخسائر كانت مؤلمة في وقتها ؛  لكن اليوم، وأنا أنظر للخلف، أرى أن كل خطوة صعبة كانت حجر أساس في الطريق الذي وصلت إليه… طريق مليء بالتجارب الحقيقية، وليس الإنجازات فقط.
كلمة فشل كثيرًا ما يُنظر إليها كحكم نهائي أو كعلامة ضعف ، لكنها بالنسبة لي كانت بوابة فهم ، ومعلمًا صادقًا، ومخزونًا من الخبرة لا يُقاس بثمن ؛ لم أصل إلى ما وصلت إليه لأن الطريق كان ممهدًا أو لأن المحاولات نجحت من أول مرة، بل لأن كل تعثّر كان يدفعني للوقوف من جديد ؛  أكثر وعيًا، وأكثر قوة، وأكثر أستعدادًا للخطوة التالية.
* الفشل.. رسالة وليست نهاية* 
تعلمت أن بعض الأحداث تأتي لحكمة، حتى لو كانت قاسية في وقتها ؛  
أؤمن أن الله يقدّر لنا ما ينفعنا،  حتى لو جاء على هيئة باب يُغلق ...
 مررت بمحطات ظننت أنها نهاية مرحلة، لكن كل مرة كان الفرج يأتي بشكل أجمل مما توقعت ؛  وهذا جعلني أرى الفشل كإشارة لإعادة الترتيب والبداية من جديد… وليس كعقوبة...
كل تعب له جزاؤه، وكل صبر له ثمرة. وفي كل مرة تُغلق فيها أبواب، يُفتح باب واحد يكفي لتعويضك عن كل ما مضى.
* الفشل… مدرسة الأبتكار*
لم أولد في بيئة تمنح النجاح جاهزًا. النجاح الذي عرفته كان ناتج تجارب متراكمة، كثير منها لم يحقق الهدف في بدايته ؛ في الصناعة، في العقار، في الإستثمار الدولي…
 دائمًا هناك خطوة لم تعطِ النتائج المتوقعة، تكشف لك ما لا يعمل، وتفتح لك بابًا لحل أقوى.
هذه المدرسة لم أدخلها بأختياري، لكنني أستفدت منها بأفضل شكل ممكن ؛وهي كانت من أكثر الإستثمارات التي أثّرت في طريقة عملي وقراراتي.
* المرونة… أهم ما علّمتني إياه الخسارة *
المرونة ليست كلمة جميلة في كتب الإدارة ؛ هي مهارة تصنعها التجارب الحقيقية ، أن تعيد الوقوف بعد تحديات كبيرة، أن تبني خطة جديدة، أن تغيّر تفكيرك وتطوّر أدواتك… هذا أصعب من النجاح نفسه..
ومع الوقت، تصبح أكثر هدوءًا، وأكثر نضجًا، وأكثر قدرة على أتخاذ قرار صحيح في الوقت المناسب ..
 ولهذا دائمًا أقول: رجل الأعمال الذي لم يمر بتجربة صعبة، قد ينجح… لكنه لا ينضج.
* من التجربة إلى القيمة *
حين بدأت أتعامل مع الفشل كأصل إستثماري، تغيّر كل شيء حولي ؛ أصبحت التجربة الصعبة جزءًا من عملية التطوير، وليست حدثًا نريد أن ننساه. في شركاتي، صارت كل تجربة درسًا يُوثّق ويُبنى عليه؛  أصبح الفريق أكثر وعيًا، والسياسات أكثر قوة، والقرارات أكثر دقة.
بهذه الطريقة يتحول الفشل من حدث عابر… إلى قيمة مستدامة.
أربع أدوات عملية أعتمدت عليها
1. التوثيق
أسجّل التجارب التي لم تكتمل كدراسات داخلية واضحة: أين كان الخلل؟ ماذا تعلمنا؟ وكيف نتفادى تكرارها؟
2. المشاركة
أفتح هذه الدروس أمام فريقي ؛ ثقافة التعلم تبدأ بالتشارك، والمستقبل يُبنى عندما يعرف الجميع ماذا حدث ولماذا.
3. التطوير
أحوّل الدرس إلى إجراء؛  قد أعدّل سياسة أو طريقة عمل، أو حتى أعيد بناء خطة كاملة.
4. إعادة الاستثمار
أعتبر الخسارة تكلفة تعليمية… تفتح بابًا كان مغلقًا. لا أنظر إليها كعبء، بل كبداية جديدة.
وفي النهاية بعد تجربة طويلة في أسواق مختلفة، أستطيع القول:
الفشل ليس عيبًا، ولا علامة ضعف، ولا نهاية الطريق.
هو إختبار… وصقل… وتأهيل للمرحلة التالية.
ورجل الأعمال الذي يعرف كيف يحوّل الخسارة إلى قوة، هو الذي يبني قصة نجاح مستقرة، لا لحظة عابرة.
والأهم… أن كل خطوة صعبة تحمل في داخلها وعدًا إلهيًا بالعوض.
لا صبر يضيع، ولا تعب يذهب بلا ثمر.
وأحيانًا يمنحك الفشل ما لا يمنحه النجاح…
لأنه يصنعك من الداخل قبل أن يصنع ما حولك.

مساحة إعلانية