مساحة إعلانية
من منا لم يلتقى فى يومه أو ربما بشكل يومى بشخص يسأله “ البلد رايحة على فين.. وآخرة الغلاء ده إيه”، حتى لو لم تكن تعمل فى مجالات لها علاقة بالإقتصاد أو الإعلام ولكنها عادة مصرية إننا نحب أن نطمئن بعضنا، خاصًة وأن المواطن البسيط حتى بائعة الجرجير باتت تعلم أن ارتفاع سعر الدولار ينعكس على إرتفاع سعر البنزين وبالتالى تكلفة نقل جرجيرها من الحقل إلى السوق، كما يعلم الجميع أن الحروب والصراعات فى المنطقة والعالم إنعكست على أسعار أهم الواردات المصرية وأبرزها القمح والعلف والحبوب، وهو ما أدى إلى موجات غلاء دفعت الحكومة إلى إصدار قرارات بزيادة المرتبات والمعاشات، ترتب عليها مزيد من الارتفاعات فى أسعار السلع والخدمات، وبرزت مشكلة نقص بعضها خاصة السلع الغذائية فى المواسم والأعياد.
وعلى ذكر المواسم والأعياد وما يصاحبها من أزمات فى الأسواق المصرية، دائماً ما يبدأ العام الجديد بالتزامن مع الأعياد المسيحية، وانتهاء الصوم المسيحى الذى يصاحبه ارتفاعات فى أسعار الدواجن واللحوم والبيض ومنتجات الألبان، وبعدها بأسابيع يحل شهر رمضان المبارك ثم عيد الفطر، لتشهد الأسواق عادةً المزيد من أزمات نقص السلع التموينية وأزمات الخبز والدقيق وخلافه، لتبرز مشكلة ارتفاع أسعار غالبية السلع خاصًة المستوردة بالتوازى مع قفزات الدولار، أو بالأدق يقفز الدولار مع ارتفاع الطلب على الاستيراد، كما يتضح أيضًا وجود متلازمة اقتصادية ثلاثية تجمع بين سعر الدولار ومعدل الغلاء والتضخم وثالثهما سعر الفائدة البنكية.
وحول ما يحيط بهذه الملفات من مخاوف وتوقعات يتحدث خبراء الاقتصاد العالمى لتكشف التقارير الدولية تفاصيل تبدأ بالعودة لما حدث خلال الأعوام الماضية للاستفادة منها فيما هو آت، حيث واجهت مصر عثرات اقتصادية متتالية، كان أشدها في عام 2023 حتى بداية 2024، قبل أن تعود الأمور إلى جزء من نصابها بعقد صفقة رأس الحكمة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على بعض الإصلاحات وتعويم الجنيه.
وفى هذا السياق توقع تقرير إقتصادى صادر مؤخرًا عن شبكة سى إن إن الأمريكية أن أول تحدٍّ يواجه الاقتصاد المصري في 2025 هو سعر الدولار مقابل الجنيه، فمع تحركات كبيرة شهدها السعر خلال 2024 ويتوقع المحللون أن يستمر صعود سعر الدولار في مصر خلال العام الجديد، وإن كان بوتيرة أقل مما شهده قبل، واستعرض التقرير تاريخ قفزات الدولار مقابل الجنيه منذ بداية 2024 حيث شهد وقتها ارتفاعاً بنحو 64 في المئة، بعد أن خفضت مصر سعر الجنيه في مارس 2024.
وفى هذا السياق كشف تقرير لبنك الكويت الوطني إن الحكومة المصرية تتبنى حالياً موقفاً أكثر مرونة لسعر الصرف، سيحد من احتمالية إجراء تعديلات مفاجئة وكبيرة مثل تلك التي حدثت في عامي 2023 و2024، فيما يشير تحليل لبنك استثمار الأهلي فاروس إلى أنه بالرغم من وجود سيناريو مستقر للاقتصاد المصري خلال 2025، حيث يتوقع عدم وجود تحولات مفاجئة كبيرة في سعر الدولار، مع إمكانية أن يحلق السعر فوق 50 جنيهاً، ولكن يرى خبراء مصريون أن اكثر السيناريوهات تفاؤلاً تلك التى سيرتفع خلالها الدولار إلى سعر 55 جنيه، حيث يتداول في مصر حالياً بما يقرب من 51 جنيهاً، علمًا بأنه استقر لفترة من الثبات ثم عاد ليشهد السعر ارتفاعاً تدريجياً وإن كان بطيئًا منذ أواخر أكتوبر الماضي.
وعلى جانب آخر يرى مصرفيون إن مرونة سعر الصرف في مصر ستبقى أمراً ضرورياً لاستمرار اتفاقها مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 8 مليارات دولار، حيث أعلن مسئولى الصندوق إن البنك المركزي المصري أكد التزامه بالحفاظ على نظام سعر صرف مرن لحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية، والحفاظ على ظروف نقدية متشددة لخفض الضغوط التضخمية بشكل أكبر.
وبشكل عام يحذر الاقتصاديون من أن مسار الجنيه المصري يزداد تعقيداً بسبب تأثره ببعض الأوضاع الخارجية والظروف الجيوسياسية، إذ إن صناعة السياحة، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية، تأثرت سلباً بالصراعات الإقليمية والشكوك الاقتصادية العالمية، وبالمثل إيرادات قناة السويس وهي مصدر مهم آخر للعملة الأجنبية، إذ تعرضت لتقلبات في حركة التجارة العالمية وأزمة البحر الأحمر بسبب الهجمات الحوثية، حيث فقدت مصر نحو 70 في المئة من إيرادات قناة السويس بسبب الآثار غير المباشرة الناجمة عن الصراعات فى غزة واضطرابات التجارة في البحر الأحمر.
وفيما يتعلق بالحلول أو طرق التعامل المتاحة تبرز أهمية الاستراتيجية التي تتبناها الحكومة المصرية، والتى تركز على السماح للعملة بالتكيف ضمن نظام تعويم مدار بشكل يمكن معه تخفيف الصدمات الاقتصادية المفاجئة.
أما عن التضخم فقد شهدت مصر موجة تضخمية كبيرة منذ منتصف عام 2023، استمرت حتى بداية 2024، قبل أن يعود للتراجع، وإن كان لا يزال عند مستويات مرتفعة مقارنة بأعوام ماضية، وخلال نوفمبر الماضي انخفض معدل التضخم لأقل مستوى له منذ عامين مسجلاً 25.5 في المئة، وتوقع المحللون وقتها أن يستمر التضخم السنوي في التباطؤ خلال الأشهر المقبلة، حيث يقول تقرير بنك الكويت الوطني إن ارتفاع معدلات التضخم حتى 2024، جاء مدفوعاً بانخفاض سعر الجنيه وارتفاع أسعار الوقود بشكل حاد، أما عن العام الجديد فيتوقع التقرير أن تتحسن الأحوال بتراجع النسب، حيث سيتراوح متوسط التضخم بين 13 و15 في المئة في عام 2025.
ولأن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة يعود هذا التفاؤل فى تقديرات التقارير الدولية خاصًة الأمريكية إلى توقعاتهم بتوقف الحروب فى منطقة الشرق الأوسط بشكل مؤقت مع بدأ ولاية دونالد ترامب، بعد أن انهكت الحرب اسرائيل اقتصاديًا وحقققت حكومة بنيامين نتنياهو أهداف تكفى لأن تتوقف عندها ويتجه العالم الى الاقتصاد حيث إعادة الإعمار من ناحية وعودة حركة التجارة والملاحة العالمية من ناحية أخرى، وعلى ذكر الملاحة العالمية يتوقع أن تعود إيرادات قناة السويس إلى الانتعاش على خلفية التوسعات التى تجرى فى المجرى الملاحى وتطويل المساحة المزدوجة، وهو ما سينعكس على عودة حركة السياحة إلى البحر الأحمر، بالتوازى مع عودة تدفق الغاز الطبيعى من حقول شرق البحر المتوسط، خاصًة وأن الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى استهل العام الجديد بعقد قمة مع زعماء قبرص واليونان، وكان قد انهى العام المنصرم بلقاءات مع قيادات شركة إينى الإيطالية وقرارات باستئناف التنقيب فى حقل ظهر وحفر آبار جديدة فيه.