مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الرجل الذي في الداخل .. قصة حسن غريب أحمد/ العريش

2024-09-27 12:46 AM - 
الرجل الذي في الداخل .. قصة حسن غريب أحمد/ العريش
حسن غريب أحمد
منبر

أعبث بأصابعى  أشبكها معاً  أحركها معاً  أحركها برتابة وأسير وحدى ، أردت لحظات أسرقها من هذا الضجيج كى أكون وحيداً . أعانق خيالات محزنة و ذكريات تتشبث بى فلا تبرح ذاكرتى أبداً  . كنت أنساب بخطوات تتماشى وإيقاع البحر الممدد جانبى . أضئ دمعاتى فيه ، أعمد روحى به ، لكن البحر بعيداً يعتنق كآبة و حزناً غريبين . رحت أتلمس فى وجوه الذين حولى -سبب حزن البحر-  أتوقف براحلتى فوق تقاسيم وجوههم ... هؤلاء يرقصون تحت شجرة نخيل مبللة أوراقها بدمع البحر  ،  وأطفال يكركرون فرحاً كلما زلزل الموج قصوراً قد بنوها فوق الرمل الناعم ،  وتلك ... ما تلك ؟ – فتاة – امرأة وماذا ترتدى ؟  أحقاً ترتدى شيئاً ؟ تسير بغنج وتؤدة تلاحقها الأعين – نظرات تأكلها ، إعجاب ، رغبة و...  وهى تخترق أزواج العيون . تمشى بمهل . تلاحقها الكلمات الرخيصة  ، فتبتسم بوقاحة ، لا ، بل ببلاهة ،  وهناك ثمة شئ فى جانب الشاطئ ، شئ كبير ،  كبير جداً . تفرست بملامحه الغامضة . ما هو؟   نورس أبيض كبير – أم ملك من ملوك البحر - مرت اللعوب من أمامه متعمدة  تحاول إجتذاب نظراته،  لكنه ظل جالساً ما تحرك و عيناه غارقتان بكتاب يقرأه  . تنامى إلى مسامعى صوت ناعم يهمس فى أذنى بدفء يطغى على وشوشات يناير البادرة  . شردت مع هذا الصوت الدافئ... آه ، إنها فيروز  ، صوت فيروز ينبعث من مكان قريب يختلط بصوت أغنية راقصة لكنه ظل واضحا قوياً دافئاً ، أذوب مع كلماتها ، أتوحد مع كلماتها ، أصبح لحناً  ، مقطعاً من أغنية . تحركت عيناى بحركة  لا إرادية إلى تلك الزاوية المهيبة إلى حيث يؤدى النورس الأبيض صلاته ، حيث يجلس ذلك الشاب الصامت  . بحثت بنظراتى عن تلك اللعوب ، لابد أنها تلهو بعيداً بعدما يئست من هذا الصامت ولو بنظرة 0 كانت وسط البحر تركض ، تسبح ، تضحك . كانت أصداء ضحكها الأجوف ترتد على أمواج البحر ، تستبيح لنفسها عذرية مياه البحر ، والمياه  تهدر ، تموج  ، تعلن ثوراتها ، رفضها ، لكنها مازالت هناك فى قلب خنجراً ينغرس بأعماقه ، و الأيادى المتعطشة للرغبة تتقاذف جسدها من تحت الماء  . تملكنى شعوراً بالاشمئزاز  ، عدت بنظراتى إليه  0كان  مازال يقرأ ،  لو أعرف ماذا يقرأ ؟ !!
أتعمد أن أسير أمامه ، اثير  جلبة كى ينظر إلىَ  ، لكنه لم يرفع رأسه ولم يتطلع إلى أبداً 0  جلست فى مكان قريب منه ،  لم يكن بينى و بينه إلا مسافة قصيرة   ، بل مسافة طويلة 000 طويلة جداً ،  مساحات شاسعة من مشاعر كثيرة  ، أشياء كثيرة وحزن كثير 0 كان يقرأ000 لو أعرف ما الذى يقرأه ؟   لو أطفئ فضولى قليلاً ، اقتربت بنظراتى من الكتاب ، لا شئ واضح ،  يساورنى شك بأنه لم يكن يقرأ بالكتاب  ، بل صفحات هى من كانت تقرأه ، تقرأ عينيه 0  أحاول أن أشغل نفسى ، أدندن مع أغنيه فيروز التى تخترقنى ، تسافر إلى دواخلى " قديش كان فى ناس على المفرق تنطر  ناس و تشتى الدنيا و يشبه شمسية وأنا بأيام الصحو ما حدا نطرنى " كنت منهمكاً جداً ،  مشغولاً جداً  لكننى أحسست بشئ  يخترقنى  ، يحرقنى ،  رفعت رأسى ، كانت هناك عيونها ، تحدق بىّ ، عيون تطفح بموسيقى دافقة تتناغم و صلوات فيروز ، كانت هى الصامتة ، هل تراقبنى منذ مدة ؟  وهل كان صوتى عالياً وأنا أغنى ؟ كانت ماتزال تنظر إلىّ ، تحدق بىّ ، عيناها قويتان تنشران موسيقى هادئة وملامحها السمراء تتشرب حزناً عميقاً ، نظرت إليها وابتسمت ، كانت ابتسامتى واسعة صادقة ، ومشجعة ، لكنها ظلت محدقة بىّ ، تصلبت نظراتها  ، تجمدت تعابير وجهها ، فلم أستطع فك لغز نظراتها  ، وانكمشت على نفسى  ، فخفضت بصرى ، أحدق فى الحفرة التى أحدثتها فى الرمل الناعم  ، لم أدر كم مر من الوقت ؟  كم مضى ؟  وأنا أحدق فى اللاشئ  ، كل ما أذكره حينها أننى حين رفعت  رأسى  لم تكن عيون هناك تحدق بىّ  ،  ولا عيون تغرق فى كتاب  ، ولا فيروز حتى لتغنى 

مساحة إعلانية