مساحة إعلانية
أعبث بأصابعى أشبكها معاً أحركها معاً أحركها برتابة وأسير وحدى ، أردت لحظات أسرقها من هذا الضجيج كى أكون وحيداً . أعانق خيالات محزنة و ذكريات تتشبث بى فلا تبرح ذاكرتى أبداً . كنت أنساب بخطوات تتماشى وإيقاع البحر الممدد جانبى . أضئ دمعاتى فيه ، أعمد روحى به ، لكن البحر بعيداً يعتنق كآبة و حزناً غريبين . رحت أتلمس فى وجوه الذين حولى -سبب حزن البحر- أتوقف براحلتى فوق تقاسيم وجوههم ... هؤلاء يرقصون تحت شجرة نخيل مبللة أوراقها بدمع البحر ، وأطفال يكركرون فرحاً كلما زلزل الموج قصوراً قد بنوها فوق الرمل الناعم ، وتلك ... ما تلك ؟ – فتاة – امرأة وماذا ترتدى ؟ أحقاً ترتدى شيئاً ؟ تسير بغنج وتؤدة تلاحقها الأعين – نظرات تأكلها ، إعجاب ، رغبة و... وهى تخترق أزواج العيون . تمشى بمهل . تلاحقها الكلمات الرخيصة ، فتبتسم بوقاحة ، لا ، بل ببلاهة ، وهناك ثمة شئ فى جانب الشاطئ ، شئ كبير ، كبير جداً . تفرست بملامحه الغامضة . ما هو؟ نورس أبيض كبير – أم ملك من ملوك البحر - مرت اللعوب من أمامه متعمدة تحاول إجتذاب نظراته، لكنه ظل جالساً ما تحرك و عيناه غارقتان بكتاب يقرأه . تنامى إلى مسامعى صوت ناعم يهمس فى أذنى بدفء يطغى على وشوشات يناير البادرة . شردت مع هذا الصوت الدافئ... آه ، إنها فيروز ، صوت فيروز ينبعث من مكان قريب يختلط بصوت أغنية راقصة لكنه ظل واضحا قوياً دافئاً ، أذوب مع كلماتها ، أتوحد مع كلماتها ، أصبح لحناً ، مقطعاً من أغنية . تحركت عيناى بحركة لا إرادية إلى تلك الزاوية المهيبة إلى حيث يؤدى النورس الأبيض صلاته ، حيث يجلس ذلك الشاب الصامت . بحثت بنظراتى عن تلك اللعوب ، لابد أنها تلهو بعيداً بعدما يئست من هذا الصامت ولو بنظرة 0 كانت وسط البحر تركض ، تسبح ، تضحك . كانت أصداء ضحكها الأجوف ترتد على أمواج البحر ، تستبيح لنفسها عذرية مياه البحر ، والمياه تهدر ، تموج ، تعلن ثوراتها ، رفضها ، لكنها مازالت هناك فى قلب خنجراً ينغرس بأعماقه ، و الأيادى المتعطشة للرغبة تتقاذف جسدها من تحت الماء . تملكنى شعوراً بالاشمئزاز ، عدت بنظراتى إليه 0كان مازال يقرأ ، لو أعرف ماذا يقرأ ؟ !!
أتعمد أن أسير أمامه ، اثير جلبة كى ينظر إلىَ ، لكنه لم يرفع رأسه ولم يتطلع إلى أبداً 0 جلست فى مكان قريب منه ، لم يكن بينى و بينه إلا مسافة قصيرة ، بل مسافة طويلة 000 طويلة جداً ، مساحات شاسعة من مشاعر كثيرة ، أشياء كثيرة وحزن كثير 0 كان يقرأ000 لو أعرف ما الذى يقرأه ؟ لو أطفئ فضولى قليلاً ، اقتربت بنظراتى من الكتاب ، لا شئ واضح ، يساورنى شك بأنه لم يكن يقرأ بالكتاب ، بل صفحات هى من كانت تقرأه ، تقرأ عينيه 0 أحاول أن أشغل نفسى ، أدندن مع أغنيه فيروز التى تخترقنى ، تسافر إلى دواخلى " قديش كان فى ناس على المفرق تنطر ناس و تشتى الدنيا و يشبه شمسية وأنا بأيام الصحو ما حدا نطرنى " كنت منهمكاً جداً ، مشغولاً جداً لكننى أحسست بشئ يخترقنى ، يحرقنى ، رفعت رأسى ، كانت هناك عيونها ، تحدق بىّ ، عيون تطفح بموسيقى دافقة تتناغم و صلوات فيروز ، كانت هى الصامتة ، هل تراقبنى منذ مدة ؟ وهل كان صوتى عالياً وأنا أغنى ؟ كانت ماتزال تنظر إلىّ ، تحدق بىّ ، عيناها قويتان تنشران موسيقى هادئة وملامحها السمراء تتشرب حزناً عميقاً ، نظرت إليها وابتسمت ، كانت ابتسامتى واسعة صادقة ، ومشجعة ، لكنها ظلت محدقة بىّ ، تصلبت نظراتها ، تجمدت تعابير وجهها ، فلم أستطع فك لغز نظراتها ، وانكمشت على نفسى ، فخفضت بصرى ، أحدق فى الحفرة التى أحدثتها فى الرمل الناعم ، لم أدر كم مر من الوقت ؟ كم مضى ؟ وأنا أحدق فى اللاشئ ، كل ما أذكره حينها أننى حين رفعت رأسى لم تكن عيون هناك تحدق بىّ ، ولا عيون تغرق فى كتاب ، ولا فيروز حتى لتغنى