مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الدكتور مصطفى رجب يكتب:جواز جمع الصلوات بلا حرج

2025-06-27 09:47:54 - 
الشاعر الدكتور مصطفى رجب يكتب:جواز جمع الصلوات بلا حرج
الشاعر الدكتور مصطفي رجب
منبر

هناك كثير من نصوص الشريعة الإسلامية متمثلة في الأحاديث النبوية المتفق على صحتها وبعض آيات القرآن الكريم ، قد تعطل العمل بها فهل من حق الفقهاء أياً كان موقعهم من الإسلام أن يعطلوا العمل بنص من نصوص الشريعة لرؤية ارتأوها أو لاجتهاد قاموا به ، هذا ما سنتعرض له مع القضية التالية :
إن الصلاة هي الركن الأعظم من الدين ولذلك أدخل الإسلام تيسيرات كثيرة في الصلاة من أجل تسهيل القيام بها والمواظبة عليها تستوعب طبيعة أدائها وعدد ركعاتها وأوقاتها.فأما ما يتعلق بطريقة الأداء فإن الإسلام قد أجاز لمن لا يستطيع أداءها قائما أن يؤديها قاعدا ومن لا يستطيع أن يؤديها قاعدا فلا حرج عليه أن يؤديها مضطجعا.كذلك يمكن للجندي أثناء السير إلى الجهاد أن يؤديها وهو بداخل دبابته أو مصفحته على الوجه الذي يلائمه... وهكذا.أما في ما يتعلق بعدد ركعاتها فإن الإسلام قد أجاز قصر الصلوات الرباعية بحيث يؤديها المسافر ثنائية من باب التيسير والتخفيف أثناء السفر.أما في ما يخص أوقاتها فإن الإسلام قد أجاز الجمع بين الصلوات سواء أكان جمع تقديم أم جمع تأخير تيسيرا لأدائها ورفعا للضيق والحرج .
ولا خلاف بين المذاهب الإسلامية كلها على جواز الجمع أثناء الوقوف بعرفة بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم: أي أداء العصر في وقت الظهر بعد أداء الأخيرة مباشرة كما لا خلاف بينهم في جواز الجمع في المزدلفة بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير: أي أداء صلاة المغرب في وقت العشاء بدءا بصلاة المغرب ثم العشاء على الترتيب وهذا من المستحبات القطعية والسنن النبوية المؤكدة ...
لكن الخلاف قد وقع في جواز الجمع في ما عدا هذين الموطنين. برغم وجود بعض الصحاح المعتمدة في الشريعة الإسلامية التي تعضد هذا الجمع بين الصلوات :
1- أخرج البخاري (في باب: تأخير الظهر إلى العصر من كتاب مواقيت الصلاة) بسنده عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء. فقال أيوب: لعله في ليلة مطيرة. قال: عسى " (صحيح البخاري: ج 1 ص 144).
2- وأخرج أيضا (في باب: وقت المغرب) عن جابر بن يزيد عن ابن عباس قال: " صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعا جميعا وثمانيا جميعا " (المصدر نفسه وأخرجه - أيضا - مالك في الموطأ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ص 125.).
3- وأخرج الترمذي (في باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر) بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته " (صحيح الترمذي: ج 1 ص 355.).
4- وأخرج مسلم في صحيحه (باب: الجمع بين الصلاتين):- بسنده عن أبي زبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر قال أبو الزبير: فسألت سعيدا لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته ".
5- و بسنده عن حبيب بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:" جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر.
6- في حديث وكيع قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟قال: كي لا يحرج أمته. وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ".
7- و بسنده عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: " صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظن ذلك ".
8- و بسنده عن عبد الله بن شقيق قال: " خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة.. الصلاة قال: فجاء رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني: الصلاة... الصلاة فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك؟!!!! ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. 
9- و بسنده - أيضا - عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: " قال رجل لابن عباس: الصلاة فسكت ثم قال: الصلاة فسكت ثم قال: الصلاة فسكت ثم قال: لا أم لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! "
10- .قال النووي في شرحه على (صحيح مسلم): " هذه الروايات الثابتة في مسلم كما تراها ، وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب... " ثم قال: " منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف بالرواية الأخرى: " من غير خوف ولا مطر ". ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر دخل فصلاها وهذا أيضا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر لا احتمال فيه في المغرب والعشاء. ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاهما فيه فلما فرغ دخلت الثانية فصلاهما فصارت صلاته صورة جمع وهذا أيضا ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل. ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي والروياني وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ولأن المشقة فيه أشد من المطر " (مسلم بشرح النووي: ج 5 ص 218.).
خلاصة ما سبق : أن الأحاديث الواردة في الجمع بين الظهر والعصر ، أو بين المغرب والعشاء ، مطلقة وليست مقيدة بمرض أو غيره.وهذه الأحاديث جاءت بألفاظ متقاربة منها: " في غير خوف ولا مطر " 
وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) في شرح الحديث الوارد في (صحيح البخاري) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا يقصد :الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء. قال: " وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة.
مما تقدم يتبين لنا أن الجمع بين الصلاتين جائز على إطلاقه وأن الهدف من وراء ذلك هو رفع الحرج عن أفراد الأمة وإدخال اليسر والتوسعة عليهم بحيث يصبح في مقدور كل إنسان أن يؤدي الصلوات بانتظام من دون أدنى عسر أو مشقة.قال تعالى: (هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم..) [ الحج / 78 ].ولا ريب أن هذا التيسير يساعد على المواظبة على أداء الصلوات والمحافظة عليها كما أن التشدد في وجوب التفريق على خمسة أوقات منفصلة قد أدى إلى تضييق نطاقها والتكاسل عن أدائها جملة لا سيما عند أهل المشاغل والمصالح وما أكثرهم.
ومما يدل - أيضا - على جواز الجمع مطلقا كتاب الله المجيد إذ يبين أن أوقات الصلوات المفروضة هي ثلاثة أوقات فحسب وهي وقت لفريضتي الظهر والعصر مشترك بينهما ، ووقت لفريضتي المغرب والعشاء مشترك بينهما ، ووقت ثالث لفريضة الصبح خاصة. حيث قال تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) [ الإسراء / 78 ].قال الرازي حول تفسيرها: " فإن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن أول المغرب. وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات: وقت للزوال ووقت أول المغرب ووقت الفجر. وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين وأن يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركا - أيضا - بين هاتين الصلاتين فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقا إلا أنه دل الدليل على أن الجمع في الحضر لا يجوز من غير عذر فوجب أن يكون الجمع جائزا بعذر السفر وعذر المطر وغيره " (التفسير الكبير للرازي: ج 21 ص 27.).

مساحة إعلانية