مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر والباحث أشرف البولاقي شاهد عيان على مؤتمر إقليم جنوب الصعيد الثقافي بالأقصر 2024م

2024-10-10 01:32 PM - 
الشاعر والباحث أشرف البولاقي شاهد عيان على مؤتمر إقليم جنوب الصعيد الثقافي بالأقصر 2024م
الشاعر أشرف البولاقي
منبر

الشاعر والباحث أشرف البولاقي شاهد عيان على مؤتمر إقليم جنوب الصعيد الثقافي بالأقصر 2024م
 (1)
لم أكن مدعوًا لمؤتمر إقليم جنوب الصعيد، المنعقد في الأقصر، والذي تم افتتاح فعالياته منذ اسبوعين تقريبا. لكن وصلتني دعوة قبل أيامٍ قليلة من موعده، ويبدو أن الدعوة الكريمة جاءت على خلفية اعتذار أحد المدعوين. قبِلتُ الدعوة، وسافرت وحضرت افتتاح المؤتمر وجلستَه البحثية الأولى، وأكتب الآن على هامش جلسته البحثية الثانية. والحق أن المؤتمر فتح جراحًا كثيرة تخيلتُ أنها اندملت، ولعلّي نسيتها، ولعلّي ظننت أنها لم تعد تهمني بعد أن توقفتْ المؤتمرات فتراتٍ طويلة، وبعد أن أصابنا اليأس والبؤس معًا من كثرة تحفظاتنا، وكثرة مناشداتنا.
لكن يبدو أنني كنت مخطئًا في كل ما ظننته وما تخيلته، وآذاني وآلمني أن أشياء كثيرة لم تتغير، بل يمكنني القول إنّ سلبياتٍ كثيرة تزداد وتستفحل، من وجهة نظري. أنا أكثر دهشةً من أنني في يومي الأول من المؤتمر، وأشرع في الكتابة... ما هذا يا ربّي؟! أريد أن أهدأ قليلا، ومن ثم فلن أبدأ بالكتابة عن المؤتمر، لا بأس أن أقترح على نفسي أن أبدأ بالكتابة عن زيارتي للأقصر التي لم أزرها منذ فترة، وعمّا اعتمل داخلي، وعن هذا الذي تذكرته فور وصولي. 
ربما يكون هذا أفضل كثيرًا.
(2)
في القطار الروسي الذي أقلّني إلى الأقصر- مساء الثلاثاء- تذكرت اثنين مِن مثقفي الأقصر لم ألتقهما منذ زمنٍ بعيد. أمّا الأول فكان الأستاذ عبد السلام إبراهيم، وهو روائي ومترجِم، وأظنه كان موظفًا في المطار أو الجمارك أو شيء من هذا القبيل. ليس فقط أنني لم أتشرف بلقائه منذ سنواتٍ بعيدة، بل إن أخباره عني منقطعة، لا أقرأ عنه خبرًا، ولا حدّثني عنه أحد من أصدقائنا المشترَكين.. يبدو مختفيًا أو معتزلاً.. لا أعرف.. لكنني أذكره جيدًا، فقد جلستُ إليه، وتَحدّثنا أكثر من مرة، وكان يتميز بهدوءٍ وخُلقٍ طيب، وقرأت له بعض ما كَتب.. أملتُ أن يكون بخير. أمّا الآخر فكان الأستاذ حشمت يوسف، وكان ساردًا أيضًا، ويعمل بالمحاماة، وله اهتمامٌ بالسياسة والأحزاب.. وما أكثرَ ما جمعتنا أنشطةٌ ثقافية في قنا وفي الأقصر، كان فاعلاً وله حضور.. لكنه غاب أو اختفى، ربما تقدمتْ به السن قليلاً، أملتُ أن يكون بخير.عندما وصلت الأقصر بعد العاشرة مساء التقيت الصديق الأستاذ حسن عامر الذي ما يزال هو حسن عامر الذي أعرفه، لا شيء فيه تَغير، ربما بدا لي لا يضحك كثيرًا مثلما كان، ربما كان ذلك لأن أحدًا من أصدقائه المقرّبين لم يكن معنا، أو ربما أكون قد التقيته في غير مزاجِه.  
كان كعادته يدخن كثيرًا، يدخن بشراهة، يدخن كأنه ينتقم من نفسه.. ولقد كنتُ مدخنًا، لكنني أبدًا لم أدخن كما يدخن حسن عامر.قبْل أن يلقي عليّ مسودة قصيدتِه الجديدة حدّثني أنه سيسافر إلى المملكة العربية السعودية خلال ساعات مشاركًا في أمسية شعرية، ويريد أن يستثمر زيارته هذه في أداء العُمرة، ابتسمتُ ودعوت له بالتوفيق.  سألته عن الأستاذ حسين القباحي، وعن الصديق تامر جابر، فقال إنهما بخير.
خرجت واتصلت بالصديق الأستاذ محمد جاد المولى، وطلبت أن يسعدني بالسلام عليه، فأسعدني بلقائه في نادي التجديف على الكورنيش، وهو مكانٌ جديد عليّ، لم أدخله من قبل... مكانٌ أكثر من رائع. أظنني سألت الصديق جاد المولى عن الصديقين عبد السلام، وحشمت يوسف فطمأنني أنهما بخير. تركت صديقي على وعد باللقاء في المؤتمر، ومضيت إلى حيث أقضي ليلتي.. ولمّا اقتربت الساعة من الواحدة صباحًا كتبتُ رسالةً إلى امرأةٍ أحِبها ونِمت استعدادًا لمؤتمر الإقليم.
(3)
استيقظتُ في الثامنة والنصف صباح الأربعاء - موعد افتتاح مؤتمر الإقليم بالأقصر- أتأمل وأعيد بيني وبين نفسي ما قلته لصديقي قبل ساعات من نومي من أن مدينةً كالأقصر يمكن لها وحدها أن تكون مصدر الدخل القومي للدولة بكاملها- وليس مصدرًا من مصادر الدخل- ففيها النيل وفيها الأثر، وقد تجاورا في تشكيلٍ إبداعي نادرًا ما تمنحه الطبيعة لمكان. ولقد أتخيل أن المدينة لو كانت في دولةٍ أخرى لكان لها بوابات دخولٍ ضخمة يقف عليها آلاف السياح صفوفًا وطوابير - يوميًا- لدخولها والاستمتاع بها، ولكان هذا المشهد نفسه واحدًا من علامات الحضارة الكبرى على مستوى العالم. لكن الأقصر بدلاً من ذلك تحولت إلى مدينةٍ مصرية شأنها شأن كل المدن المصرية العادية، أرادوا تدليلها يومًا ما فأسموها مدينة ذات طابعٍ خاص، ثم أظهروا أنهم يدركون أهميتها فقاموا بترقيتها من مدينة إلى محافظة، واستمرت كما هي كنزًا للساسة والمحافظين ورجال الحكم يغرفون منها ما يشاؤون! كان يمكن للأقصر هذه أن تكون عاصمة جديدة للدولة المصرية، وهي فكرة كان يمكن لها أن تشكل نقلة عمرانية وإدارية وحضارية كبرى، ولنا أن نتخيل وجود عاصمة جديدة ثانية في الجنوب وتأثير ذلك على مفهوم التنمية بإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة في الظهير الصحراوي المتاخم للمدينة، مع إنشاء - ولا نقول نقْل- مكاتب وهيئات وفروع للوزارات ودواوين الحكم والإدارة، وانعكاسات ذلك ونتائجه سياحيًا واقتصاديًا. على المستوى الفني والثقافي لا توجد أي محاولة دائمة ومستمرة لاستثمار الأقصر استثمارًا يؤكد قيمتها، فكل الفعاليات موسمية، بعضها يخص عيدها القومي، وبعضها يخص ما يقصرونه على فترةٍ بعينها بصفتها موسمًا سياحيًا، وبعضها نزولاً على رغبة مَن يريدون تحقيق مكاسبَ معيّنة.. رغم أن المدينة صالحة لتكون بخصوصيتها الأثرية والحضارية أرضَ الفعاليات الفنية والثقافية التي لا تتوقف يومًا واحدًا.. لكن كيف يكون ذلك ونحن ما نزال نطمح ونأمل ونطمع ونرجو ونتوسل أن يكون فيها منفذ بيع لكتب الهيئة المصرية العامة للكتاب!
تخيلوا... الأقصر مفهاش منفذ بيع كتب لهيئة الكتاب؟!
وعندما نتحدث عن ألمٍ كهذا سيكون من العبث أن نتحدث عن الأوبرا، أو عن المسارح، أو المكتبات، أو .... إلخ. لا بأس إذًا أن نتحدث عن مؤتمر الإقليم بالأقصر، والذي انتهت فعالياته اليوم الجمعة.
(4)
افتُتِح مؤتمر إقليم جنوب الصعيد الأدبي العاشر، والذي جاء عنوانه "تشكلات النص وتحولات المجتمع"، (دورة الشاعر الراحل رمضان عبد العليم) بالأقصر، ظهْر يوم الأربعاء 2024م. في توقيتٍ بالِغ الحرج والحساسية بسبب بدء العام الدراسي، ومعظم المشاركين فيه مِن العاملين بالتربية والتعليم.
وكان لحضور السيد الأستاذ محمد عبد الحافظ ناصف، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، أثرٌ طيب في نفوس عدد كبير من الحضور الذين تأملوا قبل ساعات من افتتاح المؤتمر ظروفَه وأحوالَه فترحمّوا على أيام الأستاذ سعد فاروق، رئيس الإقليم السابق، وإذا بهم يفاجَأون بحضوره الافتتاح، بل بثناء السيد رئيس الهيئة عليه والإشادة به في كلمته الافتتاحية.
غاب محافظ الأقصر، لكن نائبه كان حاضرًا وألقى كلمة.
في كلمة أمين عام المؤتمر، الأستاذ بكري عبد الحميد، وكلمةِ رئيس المؤتمر الأستاذ فتحي عبد السميع، تم توجيه الشكر للدكتوره أسماء خليل، أمين عام المؤتمر التي استقالت، والتي لا يعرف أحدٌ مِنا نحن المتابعين أسبابَ استقالتها ولا دوافعها، رغم أن الدكتوره نشرت استقالتها على الفيس بوك، لكنها خلت من سبب الاستقالة، وقد قيل إنّ وراء الاستقالة خلافًا مع إدارة الإقليم، ولو صَح هذا لكان جديرًا بنا معرفة الخلاف وتفاصيله، لأنه هنا شأنٌ عام فيه رأي ورأيٌ آخر، كما أنه خلافٌ دفع إلى استقالة الأمين العام ولم يدفع إلى استقالة باقي أعضاء الأمانة، مما يشي أنهم لم يوافقوا الأمين العام على أسباب استقالتها!
كعادة التكريمات، تم تكريم اثنين من الأدباء والمثقفين، الأستاذ محمد عبد الحميد توفيق، ولم يحضر بسبب سفره خارج مصر، والأستاذ طه حسين الجوهري الذي كان حاضرًا، لكن أحدًا لم يعرّف الحاضرين بالمكرمَيْن، ولا أحد تحدث عن استحقاقات التكريم، ولا رأينا لوحة، ولا شاشة، ولا صورة تتحدث عن السيرة الذاتية للمكرمَين تكشف عن استحقاقهما، وهو أمرٌ أظنه جديرًا بالنظر في الدورات القادمة. في الجلسة البحثية الأولى "تحولات الثقافة والشخصية الجنوبية"، والتي أعقبت الافتتاح والتكريم مباشرة، والتي كان مِن المقرر أن يشارك فيها ثلاثة باحثين، غاب عنها باحثان، الدكتور سيد ضيف الله، والدكتور عبد الرحيم الحجراوي، وحضر باحثٌ وحيد هو الأستاذ مصطفى جوهر، ومدير الندوة، وأظنهم استعانوا بالصديق أحمد الجارد ليعرض بحثًا لأحد الغائبيْن.
كان حضور جلسة الأبحاث ضعيفًا،  حيث آثر عدد كبير من الحضور الانتقال مع رئيس الهيئة ورفاقِه إلى الاستراحة الجانبية لالتقاط الأنفاس وشرب الشاي والقهوة، بعد إرهاق الافتتاح.
(5)
بالتأكيد هناك أسباب تخص الهيئةَ والإقليم دفعتهما لاختيار بدء العام الدراسي موعدًا لانعقاد مؤتمر الإقليم بالأقصر، عِلمًا بأنه موعد يسبب إشكالياتٍ كبيرة للعاملين بالتربية والتعليم مِن الأدباء والمثقفين، وهو ما حدث بالفعل؛ إذ إننا أرسلنا - فرع ثقافة قنا كمثال- تفرغات بأسماء المشاركين إلى مديرية التربية والتعليم بموعد المؤتمر الذي كان مقررًا من 23 إلى 26 سبتمبر، وبعد إرسالنا حدث فجأة أن غيّر الإقليم - أو الهيئة- الموعد ليكون من 25 إلى 27 سبتمبر، وهو ما يعني إعادة إرسال تفرغات جديدة إلحاقًا بما سبق.. لكننا فوجئنا بعد أيام بأن مديرية التربية والتعليم اعتمدت التفرغ الأول وأرسلته إلى إداراتها التعليمية بالفعل! وحتى الآن لا نعرف كيف تَصرّف أصدقاؤنا العاملون في التربية والتعليم، ربما يكون قد تم تدارك الأمر... أتمنى ذلك.
لكنني لا أكتب ما أكتب مِن أجل إظهار مشكلة التفرغات، لكنني أكتبه من أجل قراءة اختيار التوقيت، والغرض منه الذي كان يمكن أن يكون مفهومًا لو قرأنا شيئًا في برنامج المؤتمر عن ندوات أو أمسيات في مدارسَ أو جامعاتٍ أو معاهدَ تعليمية.. لكننا لم نقرأ، ولم نجد، ولم يحدث!
بل إن برنامج المؤتمر مساء اليوم الأول تضمن ثلاث أمسياتٍ بالتوازي، وعهْدُنا بمفهوم التوازي هذا أن تكون الأمسيات في توقيتٍ واحد في أماكنَ مختلفة، لكنها في مؤتمرنا هذا تم افتكاس معنىً جديدٍ للتوازي، وهو إقامة ثلاث أمسيات في توقيتٍ واحدٍ وفي مكانٍ واحد (قصر ثقافة الأقصر) ليكون معنى التوازي هنا ثلاث قاعات في مكانٍ واحد: أمسية لشعراء الفصحى، وثانية لشعراء العامية، وأخيرة لكتّاب القصة.  لكن شيئًا ما حدث جعل شعراء العامية يتركون قاعتهم لينضموا لشعراء الفصحى، بينما آثر كتّاب القصة أن يعقدوا أمسيتهم حيث اختاروا لهم.. وهي بالطبع الندوات والأمسيات والجلسات التي لا أظن أنه تم توجيه الدعوة لأي طالبات أو طلاب مدارس أو جامعات لحضورها، ولا أظن أن أمانة المؤتمر أو إدارة الإقليم سعت لتنظيم أي ندوة في أي معهد تعليمي.  فلماذا جاء الإصرار على إقامة المؤتمر في الأيام الأولى لبدء العام الدراسي؟! وأين الحديث والكلام عن الشارع والناس وضرورة التواصل المجتمعي، وأهمية الشباب والتعليم والمدارس؟! 
هل انتهى الآن؟ كيف لم يحدث أن نستمع إلى شاعرٍ أو قاصٍ شابّ من الأقصر أو مِن مدنِها وقراها ويكون وجهًا جديدًا لم نرَه من قبل؟ لماذا لم تُعقَد ندوة أو أمسية في أرمنت أو إسنا؟ في الطود أو العديسات؟ كيف تكون دورة المؤتمر هي دورة الشاعر رمضان عبد العليم، من دون إقامة أي فعالية في مسقط رأس رمضان عبد العليم نفسِه؟! هل كل المطلوب هو إقامة المؤتمر بأي شكل وبأي طريقة لإنفاق ميزانيتِه المقررة، دون إدراك للقيمة وللأثر وللسياسات الثقافية؟
هل هذه الأسئلة مغرِضة تكشف عن حقدنا وكراهيتنا، أم أن بعضها مشروع وموضوعي؟!


(6)
ليس لطيفًا أن نقف – فيما يخص فعاليات مؤتمر إقليم جنوب الصعيد- أمام كل جلسةٍ بحثية أو أمسيةٍ أو ندوة لنشير إلى مأخذٍ هنا أو تحفّظٍ هناك؛ إذ لا يخلو أي مؤتمر من هفوةٍ أو عثرة. لكننا مَعنيون بالملامح العامة التي يمكن رصدها والاتفاق عليها ومن ثم تلافيها، أو بذْل الجهد من أجل التقليل منها.
مِن ذلك مثلاً تجاهل أمانة المؤتمر الحالية - ومعها إدارة الإقليم- لأمانة المؤتمر السابقة والتي سَبق لها أن أعدّت المؤتمر وجهزت أبحاثَه، وبذلت من الجهد ما كانت تستحق عليه، ليس فقط الشكر والتنويه، بل دعوتها أو على الأقل دعوة بعض أعضائها.. وهي الأمانة التي لم تنفّذ المؤتمر بسبب قرار مجلس الوزراء بوقف المؤتمرات.. الأمر الذي أضاع جهدها هباءً رغم انتهائها من وضع محاور المؤتمر، وإعداد أبحاثه وترْكِها لأمانة المؤتمر الجديدة التي أول ما صنعته أنها تجاهلت جهود الأمانة السابقة، بل أعرضتْ تمامًا عن الأبحاث الجاهزة التي تم تكليف أصحابها بكتابتها، وقال بعضهم قولتَهم التي بلَغتنا "ده مؤتمرنا احنا ملناش دعوة بغيرنا!"  رغم أن عنوان المؤتمر السابق ومَحاوره وأبحاثه لم تكن مرتبطة أو متعلقة بتاريخ انعقاده، لكنها مَحاور وأبحاث ثقافية ونقدية مرتبط بقضايا الفكر والإبداع، مما يعني صلاحيتَها الدائمة للتفاعل والعرض والنقاش.
على رأس الأمانة السابقة للمؤتمر يأتي الأستاذ محمد صالح البحر، مقرر لجنة الأبحاث، ويأتي الأستاذ عادل دنقل، الذي كان أمينًا عامًا للمؤتمر، وآخرون.
ولا أعرف ما الجريمة الكبرى التي كان يمكن أن ترتكبها الأمانة الحالية، أو حتى إدارة الإقليم، لو أنها وجّهت الدعوة إلى الأمانة السابقة أو حتى لأمينها العام ومقرر لجنة الأبحاث، ليكونا ضيفَي شرف المؤتمر، ليتم تكريمهما تكريمًا شرفيًا بعيدًا عن الدروع والشهادات.. (وأذكرهما بالتحديد لأنهما بذلا جهدًا على الأرض)
وإذا كان الرد هنا متعلقًا بميزانية المؤتمر ومحدودية عدد المشاركين، فلا يوجد مؤتمر في العالم كله إلا وفيه اعتذارات، "سُنّة كونية وطبيعة من طبائع الأشياء"، وهو ما حدث في مؤتمرنا هذا؛ إذا اعتذر عن عدم حضوره كلّ مِن: د. سيد ضيف الله، ود. عبد الرحيم الحجراوي، ود. هدى عطية، ود. أسماء خليل، والأستاذ أحمد العوامري، والأستاذ محمد عبد الحميد توفيق، والأستاذ أسامة بدر، والأستاذ وليد ثابت، والأستاذ عادل صابر أبو العيس، والأستاذ عبد الباسط عبد الحميد.
(يا ترى فيه حد بيعدّ؟!) 
ورغم كل هذه الاعتذارات التي يمكن توقّع بعضِها، لم تجد أمانة المؤتمر مكانًا لأعضاء الأمانة السابقة، أو حتى للعضوَين اللذيْن أخلصا وأنجزا، وكان يمكن للأمانة الحالية والإقليم أن يوجّها الدعوة لحضور حفل الافتتاح فقط؛ لتكريمٍ شرفيّ كما قلت.. والحق الذي أظنه أن الفكرة ربما لم تخطر على بال أحد، لا الأمانة ولا الإقليم؛ ربما لو خطرت على بال أحد لَتمّ طرحها وتنفيذها
(7)
قاتلَ الله الأنطاع والمغرضين وكارهي النجاح أمثالنا، هؤلاء الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيامَ في رمضانَ ولا في رجب.. وقاتلَ الله أيضًا ميزانيات المؤتمرات - ما عدا مؤتمرات الدولة الكبرى، تلك المفتوحة بلا سقف- وبخاصةٍ ميزانية مؤتمر إقليم جنوب الصعيد الثقافي، فهي حجّةٌ يمكن إشهارها في وجوهنا جميعًا ردّا على أي تحفظٍ أو انتقاد يخص المؤتمر. لكننا رغم ذلك واثقون أن هناك نبلاء ومخلصين يمكن أن يفرّقوا بين ما يمكن أن تكون ميزانية المؤتمر سببًا فيه، وما يمكن أن يكون السبب فيه التخبط أو العشوائية أو "اللهوجة" و"التستيف" عشان نخلص بسرعة! عهْدُنا بمؤتمرات الإقليم هذه أن تصدر كتابيْن على الأقل، كتابًا لأبحاث المؤتمر، وكتابًا عن إبداع محافظات الإقليم، أو عن إبداع المحافظة التي تستضيف المؤتمر، وجرى العرف والتقليد أن يهدي المؤتمر الكتابيْن في حقيبةٍ صغيرة لضيوف المؤتمر.  لكنّ المفاجأة كانت أنه كتابٌ واحد!
وكان مفهومًا تمامًا إلغاء حقيبة المؤتمر، ووضْع الكتاب في "دوسيه بلاستيك" بسبب ميزانية المؤتمر، ورغم أنه مشهد ليس لائقًا ولا لطيفًا، لكن يمكن قبوله ترشيدًا للاستهلاك بسبب الظرف المالي القاسي الذي نعيش فيه (ميزانية المؤتمر لم تزد منذ 2007 وهي ثمانون ألف جنيه فقط لا غير!)
حسنًا.. أصدر الإقليم كتابًا واحدًا، وقام بإلغاء كتاب إبداعات الإقليم أو إبداعات المحافظة، وتَضَمن الكتاب الواحد هذا بحثًا أو بحثَين نقدييْن حول إبداعات أدباء الأقصر، لكنه تَضَمن شيئًا آخر أجمل.. مادةً عن الشاعر الذي حملتْ دورة المؤتمر اسمَه، رمضان عبد العليم. والحق أنها مادة كانت جديرةً أن تصدر في كتابٍ أو كُتيبٍ مستقِل بدلاً من كتاب إبداعات الإقليم الذي لم يصدر.. لا سيما ونحن نتحدث عن مادة جاءت في ثمانين صفحة تقريبًا كان يمكن أن تشكل شيئًا ذا قيمةٍ حقيقية للمحتفَى به. لكن الثمانين صفحة صدرت – للأسف- ضمْن كتاب الأبحاث، ففقدتْ المادة قيمتها وأثرها؛ لأن الكتاب تَضمن من الأذى الأدبي والثقافي ما يَدفعنا للتساؤل عن مَن المسؤول عن اختيار المَحاور والباحثين، وكيف لم يلتفت أحد من أعضاء الأمانة (وفيهم ذوو خبرة) إلى ما فيه من نقصٍ وعوار!؟
وهو ما يمكن أن نقف عنده وقفةً مستقلة، لنرى إلى أي مدى بلغ الاستسهال أو الاستخفاف لإصدار كتابٍ ليس مطلوبًا منه إلا أن يحمل اسم الإقليم وعنوان المؤتمر.
*حاشية:
ملاحظاتي على المؤتمر السابقة والتالية، مكتوبة قبل نشر الدكتوره أسماء خليل، أسباب استقالتها اليوم الخميس ٣ أكتوبر ٢٠٢٤م
(8)
هل المؤتمر الذي أقيم بأخرةٍ من الوقت بالأقصر، هو مؤتمر إقليم جنوب الصعيد بالأقصر؟ أم هو مؤتمر الأقصر وحدَها؟!
سؤالٌ ساذج.. أليس كذلك؟
بالتأكيد هو مؤتمر الإقليم الذي يعني أنه يضم أربع محافظات (أسوان، الأقصر، قنا، البحر الأحمر)، ورغم ذلك فإنّ كتاب المؤتمر يكاد يكون كتابًا عن الأقصر وإبداعها ومبدعيها.. ولا يمكن أن يكون معبّرًا عن الإقليم وإبداعه ومبدعيه!
لم يُشِر أي بحثٍ ولا أية قراءةٍ نقدية لأي كاتبٍ من قنا، باستثناء إشارة الأستاذ مصطفى جوهر إلى الراحل "محمد مهنا"، وروايتِه "درب حلوية"، في بحث "التحولات الثقافية في الشخصية الجنوبية". فقط لا غير.. ولا توجد أدنى إشارة أخرى إلى أي شاعرٍ أو ساردٍ أو ناقدٍ (من قنا) في أي بحثٍ آخر!
أتحدث عمّن تناولتهم الأبحاث نقدًا وتحليلاً، وليس عن المشارَكات.
مِن أسوان تم تناول المجموعة القصصية "لا أسمع صوتي"، للأستاذة تيسير النجار، في البحث المقدم من الدكتور الضوي محمد الضوي عن الخطاب النسوي. كما تم تناول مسرحية "وصايا الدم"، للأستاذ طه الأسواني، في البحث المقدم من الأستاذ أسامة بدر (فقط لا غير!)
من البحر الأحمر تمّ تناول مسرحية للكاتب رفاعي سعد الله، ومسرحية للكاتب الأستاذ أحمد إسماعيل، في بحث الأستاذ أسامة بدر، وإشارة عابرة للأستاذ بهاء الدين حسن في بحث الأستاذ فرج الضوي.
في البحث المنشور للدكتور عبد الرحمن أبو المجد بعنوان "قراءات في بعض الأعمال السردية لدى مبدعي الجنوب" - لاحِظوا معي مبدعي الجنوب هذه- كلهم مِن محافظة الأقصر‍!
هكذا يتحوّل مبدعو الجنوب في كتاب المؤتمر إلى مبدعي محافظة الأقصر وحدها!
ملاحَظة أخرى أظنها مهمة أيضًا، هناك اثنان مِن أعضاء أمانة المؤتمر تم تناول أعمالِهما في كتاب المؤتمر (ا. طه الأسواني، ا. بكري عبد الحميد) فضلا عن الأستاذة فاطمة عطا، مسؤولة الشؤون الثقافية بالإقليم، وأظن أنه كان حريًا بهم جميعًا أن يترفعوا عن هذا، وأن يستشعِروا الحرج، وأن يمنحوا الفرصة لغيرهم ممن لا يختارون باحثين ولا مَحاور.
هل تريدون أن تقرأوا حول مَن دارت أبحاث المؤتمر ودراساته النقدية؟
اقرءوا الأسماء: الأساتذة بكري عبد الحميد، فاطمة عطا، محمود الكرشابي، سيد العديسي، محمد المتيم، حسن عامر، زين العابدين الرزيقي، محمود مرعي، أحمد العراقي، يحيي سمير، شيماء إبراهيم، شمس المولى، كرم نبيه، بستاني النداف، إسراء محمد، آية الله سيد جاد الرب، فاطمة الزهري، عبد الفتاح أحمد صابر، محمود أبو الحجاج أمين، يحيي حماد ، هذا فضلاً عن شهادات وإسهامات كلّ مِن الأساتذة خالد حلمي الطاهر، النوبي عبد الراضي، سيد الضبع، محمد عبد العال المريسي. أكثر من خمسةٍ وعشرين كاتبًا، كلهم مِن محافظة الأقصر، رغم أن المؤتمر مؤتمر الإقليم! 
مَن المسؤول عن هذا؟!


(9)
ترددتُ كثيرًا في كتابة هذه الفقرة، لكنني في النهاية توكلت على الله، واستعنت بِنيّتي التي أظنها خالصةً لوجه الحق.. والسببُ في ذلك أن الكلام يخص صديقًا أحِبه وأقدّره، وأخشى أن يظن أن كلامي ينقص من قدرِه أو قيمتِه أو محبتِه في قلبي. لكنّ الحق أنه ليس مقصودًا بهذا، لكن المقصود السؤال عن المسؤولية على من تقع، على أمانة المؤتمر أم على الإقليم، أم عليهما معًا، أم عليّ أنا بصفتي غير مستوعب وغير فاهم.. فالخطأ وارد عندي.. ربما وجهة نظري غير صحيحة. الكلام عن البحث الذي تَضمنه كتاب الأبحاث في مؤتمر الإقليم، وهو البحث المعنون بـ "تحولات المبدع وتشكلات النص- قراءة في قصيدة (الحمد للعيس) لعمارة اليمني"، للدكتور محمود النوبي، عميد كلية الألسن بالأقصر. 
وقد شرفتُ بإدارة الجلسة البحثية التي ضمت الدكتور النوبي، والدكتور الضوي محمد، والأستاذ فرج الضوي. وأظنني ذكرت الدكتور النوبي أثناء إدارتي للجلسة بما يستحق من تقديرٍ وثناء لسابق معرفتي وعلاقتي به.
لكنّ هذا شيء، وما أتحدث عنه الآن شيء آخر.. شيءٌ لا يخصه، لكنه يخص أعضاء الأمانة والإقليم، وهو سؤال: ما علاقة بحث الدكتور بعنوان المؤتمر وبمَحاورِه؟! القصيدة التي اختارها الدكتور لشاعرٍ فاطمي ليس مشهورًا، والبحثُ محاولة للنظر في تحولات المبدع السياسية بين (السُّنّة والشيعة) وقد أثبت الدكتور قصيدةً للشاعر وقام بتفكيكها وتحليلها.. وكان يمكن أن يكون البحث متصلاً بالمؤتمر لو تضمن مقدمة تشرح للقارئ أو المتلقي فكرة العلاقة المستترة أو المضمرة بين موقف الشاعر الفاطمي وموقف الشاعر المعاصر، أو لو أن البحث انتقل في جزئه الأخير مِن الشاعر الفاطمي للشاعر المعاصر، ولو حتى في إطار الملامح العامة لفكرة التحولات.. لكن البحث لم يتضمن شيئًا من ذلك.. 
جاء البحث جيد جدًا، ولعله يصلح للحصول على درجةٍ علمية ضمن لجان ترقيات الجامعات المصرية، لكنه بعيدٌ تمامًا عن المؤتمر! الدكتور كُلّف بالبحث، أو لعلّه قرأ مسابقة الأبحاث فتقدّم ببحثِه. فهل قرأت الأمانة العامة للمؤتمر أبحاث المتقدمين؟  وهل كانت هناك لجنة للأبحاث؟  هل هناك مقرر للجنة الأبحاث؟ 
هل وجدت الأمانة في نفسها شيئًا من الحرج في رفض البحث والاعتذار عن عدم قبوله؟ هل البحث متّصِل ومتعلّق وجزءٌ أصيل من عنوان المؤتمر ومَحاوره، وأنا الذي لا أفهم جيدًا؟ ربما.. مَن يدري!
(10)
انتهى الكلام – أقصد كلامي- عن مؤتمر إقليم جنوب الصعيد والذي أقيمت فعالياته خلال الفترة من 25 إلى 27 سبتمبر بمدينة الأقصر، والذي حضره وشارك فيه 35 أديبًا ومثقفًا تقريبًا (نعم.. خمسة وثلاثون) أنفقوا أكثر من ثمانين ألف جنيه، دون أن تقام ندوةٌ واحدة على مقهى، أو في مركز شباب، أو في أي مدرسةٍ أو معهدٍ تعليمي، ودون أن نسمع أن مواطنًا واحدًا مِن الشارع كَتب منشورًا يقول فيه إنه حضر المؤتمر وشاهدَ واستمع.
انتهى المؤتمر وانتهت ملاحظاتي التي هي وجهة نظري الشخصية، والتي يمكن أن أخطئ فيها وأصيب، وربما يرى البعض أنني كنتُ قاسيًا هنا أو عنيفًا هناك، لكنني لم أشتم ولم أسب ولم أعرّض بأحد، كان كل كلامي عمّا أظنه خطأ أو نقصًا أو عوارًا، تساءلت عن المهام والمسؤوليات.. وسواءٌ أكنتُ مخطئًا أم مصيبًا فالحمد لله أن أحدًا في مصر لا يحاسِب أحدًا! 
ربما لا تكون هناك أي فائدة من أي كلام.. وربما تكون هناك فائدة يومًا ما في أن أمانةً قادمة لأي مؤتمر من مؤتمرات الإقليم ستحاول جاهدةً ألا تكرر أخطاء هذه الدورة (هذا إذا كان هناك أخطاء) ربما سيحرص الإقليم في دوراته القادمة على مزيد مِن ضبط الأمور.. ربما. 
ولا يسعني إلا أن أتقدم بخالص تقديري لزملائي العاملين بإقليم جنوب الصعيد الثقافي، متمنيًا لهم التوفيق والسداد، آملاً أن ينظروا فيما كتبت بصفتِه ممارسة نقدية غرضها إبداء الرأي، وليس قدحًا فيهم ولا تعريضًا بهم.
كما أتقدم بخالص تقديري لأصدقائي أعضاء أمانة هذه الدورة، وأعضاءِ أمانة الدورة السابقة الذين لم يكن لهم حظ تنفيذ المؤتمر، رغم أنهم أعدّوه وجهزوا له، راجيًا منهم جميعًا التماس العذر فيما قد يرونه تجاوزًا مني في حقهم.
وبانتهاء كلامي عن المؤتمر أريد أن أتحدث عن شيء آخر يخص فكرة المؤتمرات عامةً، ومؤتمرات الأقاليم على وجه الخصوص، أريد أن أتأمل دور عدد من المبدعين والمثقفين العاملين بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وكيف يمكن استثمار وعيِهم وطاقاتِهم.. يمكن أن يأخذ حديثي شكل اقتراح للسيد الأستاذ رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، وللسيد الأستاذ رئيس الإدارة المركزية للشؤون الثقافية، أو حتى للأمانة العامة للمؤتمر العام، ويمكن أن يأخذ الحديث شكل ثرثرةٍ لا طائل من ورائها. 
(11)
منذ ثلاثين عامًا تقريبًا، كانت الهيئة العامة لقصور الثقافة في أوجِ ازدهارها ونشاطها، قياسًا بما هي عليه الآن.. ورغم ذلك - سبحان الله- خرجت دعاوى كثيرة وكتابات لا حصر لها تتحدث عن الموظفين التقليديين الذين لا يصلحون لإدارة العمل الثقافي، وضرورةِ تعيين أدباءَ ومبدعين ومثقفين ليكونوا مشاعل تنوير، ولينتقلوا بالثقافة الجماهيرية نقلةً نوعية. المهم استجابت الهيئة لكثير من تلك المطالَبات، وتم بالفعل تعيين عشرات ممن كانوا يمارسون الآداب والفنون في قصور الثقافة الجماهيرية وبيوتها ومكتباتها.  وبمرور الوقت تبيّن أن الآمال والطموحات أكبر كثيرًا من الواقع وشروطِه وضوابطِه وبيروقراطيته وروتينِه، لا سيما في دولةٍ كمِصر! ولم يستطع المبدعون والمثقفون الذين تم تعيينهم كموظفين أن يصنعوا شيئًا، اللهمّ إلا محاولاتٍ فردية هنا أو هناك، وهي محاولات لم تنقل الثقافة الجماهيرية أي نقلة، وشيئًا فشيئًا أصيب هؤلاء المبدعون والمثقفون بخيبات أملٍ متتالية بسبب الروتين والبيروقراطية، وبسبب أزمات الواقع السياسية والاقتصادية وتردّي أحوال التعليم والإعلام حتى وصلنا للحال التي نعيشها الآن وتعرفونها جيدًا. وعندما كنت مشاركًا في مؤتمر الإقليم بالأقصر، التفَتُّ بيني وبين نفسي - وأنا أتأمل المؤتمر- إلى عددٍ من هؤلاء الذين يمكن اعتبارهم أدباءَ ومثقفين موظفين في فروع الثقافة بإقليم جنوب الصعيد الثقافي، ومنهم مِمن يمارس الكتابةَ، على سبيل المثال لا الحصر- الأساتذة: محمد صالح البحر، أيمن حسين، محيي الدين الحمداني، رجاء عبد الحكيم الفولي، علية طلحة، شاذلي عبد العزيز، محمد طاهر برعي، محمد عبد العليم.. وآخرون بالتأكيد في الإقليم نفسِه، وهناك عشرات أمثالهم في مختلف أقاليم مصرَ ومحافظاتها. وتساءلت كيف يمكن استثمار هؤلاء والاستفادة مِن طاقاتهم الإبداعية والثقافية في مؤتمرات الأقاليم، وكيف يمكن الشيء نفسه فيما يخص المؤتمرَ العام والمحافظةَ التي تستضيفه؟ نعم انتهت الأحلام القديمة، ومعظم المشار إليهم تجاوزوا الخمسين مِن أعمارهم، ذهبَ حماسهم القديم، لكنّ خبراتِهم تزداد يومًا بعد يوم، وإذا لم يكن بعضهم شعلةً من حركةٍ أو نشاط فهُم بالتأكيد مصابيح هدْيٍ وإنارة، ويمتلكون أفكارًا ورؤى.. فهل مِن طريقةٍ للاستفادة منهم؟ 
هذا ما فكرتُ فيه، وأظن أن هناك طرقًا ووسائل وآليات يمكن عبْرها ومن خلالها تحسين بعض الأوضاع مِن خلال هؤلاء المبدعين الموظفين في كل محافظةٍ وكل إقليم، وهو ما أريد أن أشير إليه.
(12)
ما الذي يتبادر إلى الذهن الثقافي عندما يَسمع اسم سعيد عبد المقصود، أو أشرف عتريس، أو السعيد المصري؟ هل الاسم يعني الموظف في الثقافة أم يعني الشاعر أو المثقف؟ أظن أن الإجابة هي الشاعر أو المثقف - قولاً واحدًا- فحركة هؤلاء ومَن على شاكلتِهم مِن العاملين بالثقافة الجماهيرية حركةٌ ثقافية أكثر منها حركةٌ وظيفية، مع ملاحظة أنني عندما أقول "ومَن على شاكلتهم" فإنني هنا لا أتحدث عمّن هم موظفون ويمارسون الكتابة كموهوبين أو ناشئة، لكنني أتحدث عن كبارٍ متحققين لهم بصمةٌ وحضور ومنجز. وعلينا أن نعترف بصراحةٍ وصدق، وإنصافٍ وموضوعية، أننا الآن في ظروفنا وأزماتنا الراهنة لم يعد الكلام عن استثمار طاقات المبدعين أو المثقفين الموظفين بالثقافة الجماهيرية ذا نفعٍ أو فائدة.. هذا النفع الذي كان متخيلاً حدوثه في قصور الثقافة وبيوتها.
انتهى هذا الآن، وتساوت جهود الموظف العادي التقليدي وقدراته، مع جهود الموظف المبدع أو المثقف، ليس فقط بسبب البيروقراطية المصرية، ولكن أيضًا بسبب أزماتنا السياسة والاقتصادية، وعجزِ هيئة قصور الثقافة عن القيام بأدوارها القديمة في ظل تردّي أوضاع كل شيء حولنا. 
لكن يظل هناك شيء أو أشياء يمكن، مِن وجهة نظري، استثمارها والاستفادة منها بخصوص هؤلاء المبدعين أو المثقفين العاملين بفروع الهيئة في محافظات مصر المختلفة.. وذلك على النحو التالي:
-تعيين اثنين من المبدعين العاملين بفروع الثقافة ضمن أعضاء أمانة مؤتمرات الإقليم، فالحلقة المفقودة دائمًا في أمانات مؤتمرات الإقاليم هي تلك الخاصة بطموحات أعضاء الأمانة وتصوراتهم عمّا يجوز وما لا يجوز إداريًا، إذ يتوهمون أن كل ما في الأذهان مطابِق لَما في الأعيان، وهو وهْم يترتب عليه مهازل ومساخر لا حدود لها بسبب عدم معرفتهم بحدود المتاح والمسموح.
ولا يقال ردًا على هذا إنّ في الإقليم موظفًا إداريًا يشكل حلقة وصل بين الأمانة وبين الإقليم، ففرقٌ كبير بين أن تكون حلقة الوصل هذه حلقة إبداعية وثقافية، وبين أن تكون حلقة وظيفية فقط.
-في كل مؤتمر من مؤتمرات الأقاليم دون استثناء- وحتى في المؤتمر العام لأدباء مصر- تتم دعوة أدباء ومثقفين لإدارة ندوات أو جلسات بحثية أو أمسيات شعرية. والاقتراح هنا أن تتم دعوة المبدعين والمثقفين العاملين بفروع المحافظة مستضيفة المؤتمر، فما هو الفرق الكبير مثلاً بين الأستاذ ياسر سليمان، والأستاذ أيمن حسين في إدارة ندوة قصصية؟! كلاهما مبدع وله عدة مجموعات قصصية، لكن الفرق أن سليمان سيكلفني مكافأة، بينما حسين الموظف يمكن ألا يكلفني مكافأة إدارة ندوة.. وقِس على ذلك.
ما الذي ستوفره دعوة المبدعين العاملين بقصور الثقافة؟
أشياء كثيرة جدًا، لعل أهمها بالنسبة للإدارة وميزانيات المؤتمرات أن دعوة المبدعين مِن غير العاملين ستكلّف الإدارةَ مكافأة إدارة ندوات.. بينما يمكن دعوة الموظفين المبدعين لأداء جزء من عملهم ووظيفتهم، دون تقاضي أي مكافآت. 
كما أنه يمكن إسناد عدد من المهام التنظيمية لهم داخل المؤتمرات، لكن الأهم مِن ذلك أن دعوتهم ستمنحهم خبراتٍ أكثر، هؤلاء الذين تطمح الهيئة أن يكونوا يومًا ما قياديين ومديري قصور وفروع ثقافية.
-في حالة وجود عدد كبير من المبدعين المثقفين، (وأكرر أن المقصود بالمبدعين هنا المتحققين.. ويمكن للهيئة أو الأقاليم أن تضع شروطًا وضوابط لهم كأن يكون صدرَ له كذا..) يمكن أن تتم الدعوة بالتبادل والمراوحة بين مؤتمرٍ وآخر.
ولا يمكن بأية حالٍ من الأحوال أن يقال طعنًا في هذا أن المؤتمر سيكون مؤتمرًا لموظفي الثقافة؛ فكل الذين تنطبق عليهم ضوابط التحقق مقرّبون من الأدباء والمثقفين، وتاريخهم ومنجزهم الإبداعي والثقافي يؤكد أنهم مبدعون ومثقفون وليسوا موظفين تقليديين.
ــــــــــــــــ
*سبق للكاتب أشرف البولاقي أن أصدر كتابًا ضخمًا بعنوان "ثلاثون عامًا من الثقافة الجماهيرية- سيرة الحب والحزن والغضب".

مساحة إعلانية