مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر والباحث / عبد الستار سليم يكتب: الأدباتية

2024-05-06 00:17:52 - 
الشاعر والباحث / عبد الستار سليم يكتب: الأدباتية
الشاعر عبد الستار سليم
منبر

ا لـلـــه  ا لـلــه يـا بـد و ى جـــا ب الــيُــــسَــــــــرا    . . !!

" فن الأدباتى" بدأ فى الظهور  و الرواج فى الخمسينيات من القرن التاسع عشر ، و يُعدّ هذا اللون من أحد الفنون  الشعبية المصرية  التعبيرية ، والتى تميزت  بالطُرْفة والسخرية من العادات الاجتماعية ..!
الأدباتية  أو " الأدبية "  - كما أطلق عليهم  الشيخ عبد الله النديم  ( ١٨٤٢ - ١٨٩٦م)   ، ضاع تراثهم  الكوميدى  الرائع، وعلى فكرة   فنّهم من الفنون المصرية الأصيلة ، والذى يعبّر  بصدق عن الروح المصرية  المرِحة  المميّزة ، وكانت مؤلفاتهم  عبارة عن مقطوعات شعرية ساخرة  تتناول مناحى الحياة الإنسانية ، وكانوا  طائفة من الفنانين الفقراء ، يعرضون فنونهم   من الشعر الفكاهى الساخر ، فى الطرقات  والمحافل العامة ، ويرتدون ملابس خاصة  تثير الضحك ( مثل البلياتشو الآن ) ، أما الشطرة  الشعرية  التى تقول :
(ا لـلـــه  ا لـلـــه  يـا بـــد و ى   جـــا ب   
ا لــيُــــســــرَ ا )
فيُقصد بها الصوفى الكبير " السيد أحمد البدوى " - ساكن طنطا -  الذى كان يقوم بدور بارز  مع المجاهدين  ، ضد الصليبيين الغزاة ، وكان كثيرا ما يتسبب فى تحرير  وإرجاع الفدائيين الذين يتم أسْـرهم ، فكان العامة يقولون هذه العبارة 
(ا لـلــه ا لـلــه  يـا بـد و ى جــا ب ا لــيُــــســــرَ ا ) ، 
و " جاب اليسرا " أى استردّ  الأسْـرَى
ولقد سجّل  " النديم "  فى أحد أعداد مجلة " الأستاذ " قول أحد الأدباتية  فى وصف زوجته :

أ نَــــا   ا لأ د يـــــــب      ا لأ د بــــــــا تِــــى
غُــلُـــــب  حُـــــمــا رِ ى  مَـــع  مْــــــرا تِـــى
قَـــــرْ عَــــة  وِ   عَـــا مْــــلا لِــى  ذَ وَ ا تِـــــى  
وِ   نَـــفْــــسَــــهـــا   تِــلْــــبَـــس  حَــــبَـــرَ ة
ا لـلـــه  ا لـلـــه  يـا بـــد و ى   جـــا ب   
ا لــيُــــســــرَ ا

أ نـــا     ا لأ د يــــــب    ا لأ د بـــــــا تِـــــى 
آ كُـــل    و   ا رَ بِّـــى    شَــــــنَــــبَـــــا تِـــى 
يِـخْـــرِ ب  لِــى  بِـــيــتِـــك  يـا حَــمـا تِــــى
عَــقْــــلِـك  صِـــبـِـح  مِــحْـــتــاج عَــمْـــرَ ة
ا لـلـــه  ا لـلـــه  يـا بـــد و ى   جـــا ب   
ا لــيُــــســــرَ ا

*
أ د يــــب   يـا   حَــمْـــدِ ى  وْ   مِــيـن    
قَـــدِّ ى
يــا  أ ر ض    ر وحِـــى    كِـــد ه      
ا تْـــهــــدِّ ى
و ِ ا لـــشُّــــعَــرَ ا   جـا يِّــــيـن  هِــنَـا  
عِـــنْــدِ ى
و ِ  بُـــكْـــرَة  هـا   تْــقُـــــو م   
ا لـــحَـــــــضْــرَ ة
ا لـلـــه  ا لـلـــه  يـا بـــد و ى   جـــا ب   
ا لــيُــــســــرَ ا

ا نَــا    ا لأ د يــــب   ا لــمِـــتْـــصَـــــيّــــــط
تِـــــدْ مَـــــــع   بَــــــقَـــا   وَ لّا  تْــــعَـــيّـــط
إ لا هِــــى  عَـــقْــــــلـــــك  يِـــتْــــخَــــيّـــط
و   عَـــلَــىْ   كَــــمَــا ن  لَـــضْــم  ا لإ بْـــر ة
ا لـلـــه  ا لـلـــه  يـا بـــد و ى   جـــا ب   
ا لــيُــــسَــــرَ ا
"""
ويقول آخر :

أ نــا مِــــش أ د يـــــب  و لا  أ د بـــا تِـــى
بَــــسّ ا لأ د ب   ســا كِـــن    ذ ا تـِــــــى
ع  ا لـــحُــــب أ سّـــسْــت حَـــيـا تـــــى
و بــا دُ و ب في أ حا سِــيـس ا لشُّــعَــرَ ا
ا للــه ا للــه يـا بَــــدَ وِ ي    جـــا ب 
ا لــــيُـــســرَا
*
يمكن اعتبار « الأ دباتية » من رواد النكتة المصرية التي تعتمد علي قلب الأشياء ، وصرف اللفظ علي غير معناه، مما يحدث المفارقة اللفظية التي تثير الضحك ، وكان الأدباتي رائدا من رواد الأدب الساخر، والكوميديا التي تعتمد علي إبراز المثالب أو تضخيمها ، وقد نجد بقية من أغانيهم مازالت تتردد علي شفاه أبناء الريف - دون أن يعرفوا مصدرها - ولكن وبالرغم من ضياع تراثهم الكوميدي الرائع ، يمكننا أن نحيي فنهم لكن عن طريق مواهب تملأ أرض مصر، ولو كره القائمون علي شئون حفظ التراث الشعبي المصري ( كما يقول محمد عثمان جبريل ) الذين دعا   عليهم الأدباتي بقوله :
أنا الأديب المتصيّت
دَ مّـع بقي ولاّ تعــيّط
إلهي عقلك يتخــيـط
وعليْ كمان لَضْم الإبْرة 

فالشعوب التي تمتلك عمقا حضارياً ، تنتج فنًّا مبدعاً، حتي في فترات كمونها ، أو أطوار انحطاطها .. ويقول أحمد تيمور مؤلف معجم العامية المصرية العتيد : إن هذه الطائفة الهزلية هي أقرب إلي الشعراء الهزليين الذين نشأوا في قرية " فودفير " - من قري نورمانديا شمالي باريس - وهؤلاء لا أحد يعرف شيئاً عن بداية ظهورهم ، ولم تدوّن مقطوعاتهم ، وهذه حال الفنون الشعبية ، لذا فمن الخطل النظر إلي فن الأدباتية نظرة استخفاف أو ازدراء ، فهم أقرب إلي المصلحين منهم إلي المهرجين ، ربما هذا يفسر أن الكثير من زجالي مصر الكبار قد اكتشفوا مدي اتساع شعبية هؤلاء الفنانين فراحوا يغذّونهم بأزجالهم ، مما ساهم في تعميق وجدّية نقدهم للكثير من الظواهر والعيوب التي يعُجّ بها المجتمع آنذاك .. ويكفي أن الشيخ عبدالله النديم - الذى كان يعتبر نفسه واحدا من الأدباتية - وبيرم التونسي وحسين شفيق المصري ويعقوب صنوع قد مدّوهم بأزجالهم.
ومن الطريف أن مناظرة كبيرة تمت بين الشيخ عبدالله النديم - الصحفي والمفكر والمصلح - وبين شيخ الأدباتية ، وقد حضرها الآلاف من الناس ، وقد كانت الغلبة للشيخ النديم ، وهذه بعض المقاطع الشعرية من هذه المناظرة إذ يقول شيخ الأدباتية :
القصد منك يا نَديمْنا ..
تعمل زجل هيلة . .  بيلة
إلا انت دلوقتي غريمنا ..
قصدي اصرفك بالقلقيلة
وان كنت تجهل تغريمنا .. اسأل عنا
إوعا تعيب في تكليمنا .. واحذر منا
احسن أودّيك لعظيمنا ..
يشيّلك ألفين شيلة.

يرد عليه الشيخ النديم :

انت صغار لسّه نونو ..
وفي الزجل ما انتاش مجدع
اتْبع " نديم" تلقي فنونو ..
تأتيك عن المعني الأبدع
أما عظيمك وضْنونو .. تاكل نفسه
وان كان يعارض بمجونو.. يطلب عكسه
لأن فني وشجونو ..
لكل متعنطز   يردع ..

مساحة إعلانية