مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الكاتبة همت مصطفى في حوار مع مبدع إنسان – مع الشاعر محمد خميس

2025-04-25 00:30:26 - 
الكاتبة همت مصطفى  في حوار مع مبدع إنسان – مع الشاعر محمد خميس
حوار مع مبدع إنسان

مقدمة الحوار

في زحام الكلمات الكثيرة، هناك من تضيء نصوصهم كالشموع في عتمة الحياة، وتُشبه أرواحهم الحبر النبيل الذي لا يكتب إلا بالصدق، ولا يقول إلا ما يُشبه القلب. هو شاعر لا يكتب القصيدة فقط، بل يعيشها، ويتألم بها، ويجعلنا نعيش بين سطورها. من "بردة النور" إلى "ثورة الروح"، يحمل قلمه شعلة من صدق ووجدان، ويثبت أن الشاعر الحقيقي هو من يظل مشتبكًا بالحياة رغم كل الهزائم.

نلتقي اليوم مع الشاعر محمد خميس خالد، ابن الفيوم، خريج آداب القاهرة، وصاحب التجارب التي تتجاوز حدود الورق لتسكن أرواحنا.

في هذا الحوار، لن نكتفي بسؤاله عن الشعر، بل سنحاول أن نقترب من الإنسان داخله... من النبض الذي يُخفيه خلف القصيدة... من الأب، والمُحب، والمنكسر، والمنتصر.

المحور الأول: البدايات والقصيدة:

* بدايةً، كيف تُعرّف نفسك للقراء؟ وما أبرز محطاتك ومؤلفاتك التي تعتز بها؟

**وُلِدت في 10 أكتوبر 1977 في قرية تلات بمحافظة الفيوم، جمهورية مصر العربية. بدأت كتابة الشعر في طفولتي، ودرست آداب اللغة العربية في جامعة القاهرة. نشرت قصائدي في الصحف المصرية والعربية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات المجلس الأعلى للثقافة. ولدي دواوين تحت الطبع.

حصلت على بعض الجوائز المحلية، منها:

المركز الأول في مسابقة نادي أدب شبرا الخيمة عن قصيدتي "حوار على باب القصيدة" عام 2019.

المركز الأول في مسابقة الشاعر عبد الستار سليم، الدورة الثانية، فرع القصيدة المتخصصة عن قصيدتي "بردة النور" عام 2021.

* متى كانت أول لحظة شعرت فيها بأنك شاعر؟ وهل تذكر أول قصيدة كتبتها؟

** في نهاية المرحلة الابتدائية، تشاركت مع اثنين من أصدقائي في كتابة نشيد لمصر، وكان لي الدور الفاعل في كتابته. ثم تابعت وحدي في طريق الإبداع، أعرض قصائدي على أستاذي في المرحلة الإعدادية، وكان شاعراً وما زال. وعندما انتقلت إلى المملكة العربية السعودية، كنت أراسله وكان سعيداً بأسلوبي الخاص، ويقول لزملائه: "انظروا، هذا أسلوب تلميذي، إنه الأستاذ مجدي أحمد عبد الحميد".

* كيف أثرت نشأتك في قرية "تلات" بمحافظة الفيوم على رؤيتك الشعرية؟

** الطريق من منزلنا إلى المدرسة كان جسرًا تحفه الأشجار والترع ومساحات من الأرض الخضراء والنخيل والطيور، مما يدعو للتأمل والبهجة. كما لا يمكنني نسيان التلاحم الإنساني بين أهل القرية، كأنها عائلة واحدة، قبل أن تتسع الرقعة الآن وتتباع العلاقات. كل ذلك، مع فرصة التوحد مع الطبيعة، ساعد في استجابة ذاتية لما يدور حولي وما يختلج صدري، مما أسهم في إنتاج أعمال أكثر وجدانية.

* ما الذي حملته من الفيوم في وجدانك؟ وهل هناك مكان يتكرر ظهوره في قصائدك دون أن تدري؟

** الفيوم هي مسقط رأسي، ومن أجمل محافظات مصر. فيها أهلي وأصدقاء الطفولة والشباب، ومنهم من هو حي يرزق، ومنهم من رحل. كلمة "الغياب" تكررت كثيرًا في قصائدي، لما في الفقد من ألم يستفز المشاعر. أما عن الأماكن، فأهمها المسجد، منزلنا، والمدرسة.

* هل تكتب حين تأتي القصيدة؟ أم أنك تدعوها بطقوسك الخاصة؟ حدثنا عن علاقتك بالورقة البيضاء.

** لا يوجد موعد ثابت للقصيدة؛ فهي تأتي راغبة إليَّ وكري. حيث خلوتي، ولا أحب أن يطلع أحد عليها وأنا أراودها عن نفسها. وربما لم تستجب، فأتركها على شاحن من روحي وأعصابي حتى تكتمل وتخرج عليَّ دفقة واحدة.

* من هم الشعراء أو الكتب التي شكلت وجدانك في البدايات؟

** كنت وما زلت معجبًا بالمتنبي، ولكنني لا أحب إلا أن أكون نفسي. كما أنني قرأت في كل عصور الشعر ومعظم الشعراء المعاصرين. ورغم انحيازي للقصيدة العمودية، إلا أنني لا أنكر إعجابي بالعديد من شعراء التفعيلة كدنقل وحجازي وغيرهما من الشعراء المعاصرين.

المحور الثاني: بين اللغة والحياة

* درستَ آداب اللغة العربية، فكيف ساعدك التكوين الأكاديمي في تطوير لغتك الشعرية؟

** كنت أكتب الشعر موزونًا قبل دخولي الجامعة، ولم أكن على علم بعلم العروض. فتنبهت إلى أن الشاعر الجيد يكتب الشعر حتى وإن لم يتعلم العروض، لأن أصدقائي الذين تعلموا العروض أولاً كان شعرهم يفتقر إلى الروح. الوزن وحده لم يكن كافيًا لإنتاج شعر حقيقي لديهم. كما أن الدراسة الجامعية فتحت لي آفاقًا جديدة للقراءة في مدارس الشعر والتعرف على أمهات الكتب، والفرق بين مجرد الوزن وموسيقى الشعر، وأثرها في نقل الحالة الشعورية من المبدع إلى المتلقي.

* هناك صور عالية الوجدان في قصائدك، كأنك تكتب من طين الروح... من أين تأتي بهذا النبع الداخلي؟

** الخيال هو أحد جناحي الطائر المحلق وهو الناقل الأمين للمشاعر. وأنا أرى أن ارتباط الخيال بالشعر يجب أن يكون محكمًا ومبتكرًا؛ لا بعيدًا حد الغرابة، ولا قريبًا حد العادي. أما عن السر في التشكيل الوجداني لشعري، فهو في كثير من المعاناة التي تعتري حياتي الداخلية أو الخارجية من ناحية، وفي نشأتي الريفية من ناحية أخرى. تلك التي لم أجد فيها متنفسًا لعواطفي الجياشة إلا عن طريق الشعر أو الرسم، وهما وجهان لعملة واحدة، سوى أن الشعر يتربع على قمة هرم الفنون جميعًا.

* هل القصيدة مأوى الشاعر أم جرحه المفتوح؟ وهل تكتب لتُشفى، أم ليظل النزف حيًّا؟

**عندما تركن أناملي للقلم، لا أكون إلا كمن يختنق. ولا ينفك الحبل عن عنقي إلا إذا خرجت القصيدة. كل قصيدة هي جزء من روحي نظم في أبيات، فهي مأوى ألوذ به.

المحور الثالث: جوائز وتجارب

* فزت بجوائز هامة مثل جائزة عبد الستار سليم، كيف تنظر إلى الجوائز؟ هل تمنحك طمأنينة أم تزيدك مسؤولية؟

** القصيدة تفوز، ويظل الشاعر في صراعاته الطويلة يبحث دائمًا عن تجارب جديدة وفوز جديد. الحافز مهم جدًا للمبدع حتى بكلمة طيبة. ومن هذا المنطلق، أوجه عتابي لكل هؤلاء المتجاهلين أو المتعامين عن مبدع حقيقي، والذين يركضون في أحضان من يعرفون، غاضين البصر عن كل جمال.

* قصيدتك "بردة النور" حصدت جائزة مرموقة... هل كتبتها بنية الفوز، أم كانت حالة خاصة من الإلهام؟

** هي حالة بين هذا وذاك. القصيدة التي لا تشبهني، أمزقها أولى لي من أنسب إليها روحي مسخًا.

المحور الرابع: عن الإنسان

*مرت قصائدك على محطات من الحزن والتأمل... هل كانت انعكاسًا لتجارب قاسية مررت بها؟ وما اللحظة التي شعرت فيها أنك على شفير الانطفاء؟ وما الذي أعادك؟

** الحزن هو الانعكاس الطبيعي لمجريات حياة كثير من فقراء هذه الأرض، ولولا الحزن لافتقدنا ثلاثة أرباع الشعر. كثيرة هي التجارب القاسية، ولكنني استطعت أن أحولها إلى أعمال مميزة. شعرت بالانطفاء عندما لم أستطع توصيل صوتي بشكل مضطرد، ولكن كان لوسائل التواصل الاجتماعي رأي آخر. فعدت معها، فدعيت إلى منصات الشعر مثل بيت الشعر بالأقصر ومنصة المجلس الأعلى للثقافة ومؤسسة عبد القادر الحسيني ونادي أدب شبرا الخيمة وغيرهم...

* من هو محمد خميس الإنسان حين لا يكون شاعرًا؟

** الشعر هو حياتي، ولكنني لم أخطط للتكسب منه. لم أعمل بالتدريس، وغلبني حبي للفن، فعملت في توريد الرخام وتركيبه. أنا إنسان بسيط لا أحب التكلف، أضحك أمام الناس ولا أريهم نزفي إلا شعرا.

المحور الخامس: عن الأبوة والفرح

* تفوقت ابنتك في النصف الأول من الشهادة الإعدادية الأزهرية ودخلت قائمة العشرة الأوائل. كيف كان شعورك في تلك اللحظة؟ وما دورك كأب في دعمها؟

** كان تفوقها توفيقًا من الله تعالى، وجزاءً لاجتهادها الدائم. وهي تجعلني دائمًا فخورًا بها، وهي الآن في العام الثاني من كلية الطب، الدكتورة مروة محمد خميس. لقد كان دعمي لها معنويًا وماديًا، وهذا واجبي كأي أب يتمنى لأولاده النجاح والتفوق ويعمل على ذلك.

* إذا كانت لديك نصيحة واحدة تود أن تهمس بها في أذن ابنك، ما هي؟

** (احفظ الله يحفظك) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المحور السادس: المشهد الثقافي ودور المثقف

والآن نأخذ ضيفنا إلى منطقة الرؤية والموقف... من يكتب الشعر بصدق لا بد وأن يكون صاحب رأي فيما يحيط به من حراك ثقافي، وتحولات في موقع المثقف داخل المجتمع، وتأثير التكنولوجيا على صناعة الأدب.

* كمبدعٍ عايش الحركة الأدبية عن قرب، كيف ترى المشهد الثقافي حاليًا؟ هل نحن أمام نهضة حقيقية أم زحام بلا أثر؟

** الفقر لا ينتج نهضة حقيقية، لأن دور النشر لم تعد تهتم بما يجب نشره وما يجب رفضه. كما أن ارتفاع سعر الورق أثر على القيمة المادية للكتاب، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي سرقتنا من الكتب. أو كما يقال: "ضجيج بلا طحين".

* في السنوات الأخيرة، انتشرت الصالونات الأدبية الخاصة بشكل لافت، بعضها واقعي وبعضها على المنصات الرقمية... برأيك: هل تسهم هذه الصالونات فعلًا في إثراء المشهد الأدبي؟ أم أن نوادي الأدب الرسمية تبقى الأقدر على صقل الموهبة وتوجيهها؟ ولماذا؟

** كانت وما زالت نوادي الأدب الرسمية الأقدر على صقل الموهبة وتوجيهها، بالفعل، لما فيها من مساحة للإعداد وإقامة الورش التدريبية والنشر للمبدعين.

المحور السابع: دور المثقف في تشكيل وعي المجتمع

* في رأيك، هل ما زال للمثقف دور حقيقي وفاعل في تشكيل وعي المجتمع؟ أم أن صوته بات هامشيًا وسط ضجيج وسائل التواصل والإعلام؟ وكيف يمكن للمثقف أن يستعيد مكانته في وعي الناس؟

** نحاول كل على قدر استطاعته، ويجدر بوزارة التربية والتعليم أن تهتم باللغة والأدب وترغيب النشء في القراءة والاستماع قبل الكتابة، باعتبارها الجسر الواصل بين المبدع والمتلقي.

بدون مونتاج

* كتاب تتمنى لو كتبته؟

** "دلائل الإعجاز" لعبد القاهر الجرجاني.

*كلمة تتهرب منها دائمًا؟

** "الاغتراب".

**ما الذي يُخيفك أكثر: النسيان أم التذكر؟

* التذكر.

* شاعر تتمنى محاورته؟

** علاء جانب.

*ماذا تقول لمحمد خميس الطفل؟

** (أنا يا طفل أنت... ألست تذكر؟!)

من قصيدتي "المرايا".

تأملات حرة :

* في الختام، لو تركنا لك المساحة لتكتب سطرًا بلا سؤال... ما الذي كنت لتقوله؟ وما الفكرة التي تمنّيت أن نُثيرها ولم نفعل؟

** قصرت في حق ذاتي المبدعة كثيرًا، وكم تمنيت أن أقدم كل أسبوع قصيدة لواحد من أصدقائي الشعراء كل خميس على صفحتي، ولم أفعل.

تلغراف

* في لحظة تأمل صامتة... لو سنحت لك الفرصة لإرسال "تلغراف" لمن ترك فيك أثرًا طيبًا لا يُنسى – شعريًا أو إنسانيًا – فلمن ستوجهه؟ وماذا ستكتب؟

** إلى الشاعر القدير الأستاذ محمد فايد عثمان،

لا أنسى اهتمامك بي و ودك ودعمك وتقديمك لي على منصات الشعر حين لم يكن يؤذن إلا لشاعر حقيقي ليصعد على منصة نقابة الصحفيين أيام الراحل الأستاذ الورداني ناصف رحمه الله. بارك الله في عمرك وإبداعك.

سعدت جدًا بهذا الحوار، ولو طال أكثر لما أصابني منه ملل، لأنك يا همت استطعتِ أن تفتحي الأبواب إلى ذاتي بسهولة. فما زلت أتعجب من قدرتك الصحفية وكيف يغفل عنها مديرو الصحف والمجلات العربية؟!

دمتِ رائعة وأتمنى لك المزيد من الإبداع، وأتمنى ألا أكون ضيفًا ثقيلًا على القارئ الكريم.

ـ محمد خميس خالد

خاتمة الحوار

ربما لا يحتاج الشعراء إلى تعريفات بقدر ما يحتاجون إلى أن يُقرأوا بقلوب مفتوحة. وفي حضرة محمد خميس خالد، نكتشف أن الشعر لا يُولد من البلاغة، بل من عمق التجربة، ومن شرف المحاولة... من رجل يقاوم بقصيدة، ويبتسم رغم كل ما فقد.

شكرًا لهذا النقاء، ولهذا الحوار الذي كان أقرب إلى صلاة همس في محراب الروح.

ويبقى الشعرُ حين يُكتَب بصدق، لا يعلِّمنا فقط كيف نكتب، بل كيف ننجو.

أُجري هذا الحوار ضمن سلسلة "حوار مع مبدع إنسان" التي تُعدّها وتُقدّمها الكاتبة والشاعرة همت مصطفى، والتي تسعى من خلالها إلى تسليط الضوء على الوجوه الإنسانية للمبدعين الذين يحملون الجمال في أقلامهم وقلوبهم، بعيدًا عن ضجيج الأضواء وقوالب الإعلام التقليدية.

مساحة إعلانية