مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الكاتبة همت مصطفى وحوار مع "مبدع إنسان" مع الكاتب، المترجم، والشاعر الحسين خضيري

2025-07-18 00:15:58 - 
الكاتبة همت مصطفى وحوار مع "مبدع إنسان" مع الكاتب، المترجم، والشاعر الحسين خضيري
حوار مع مبدع إنسان

المقدمة

حين تلتقي الكلمة بالشغف، وتُترجم الأحلام إلى حروف من ضوء، يولد مبدع لا يُشبه أحدًا سوى نفسه. في هذا اللقاء، لا نكتفي بالحديث عن الأدب، بل نغوص في مسارات إنسانية تتجاوز الكتابة لتلامس جوهر الروح.

ضيفنا هو الحسين خضيري، الكاتب الذي ترحل كلماته بين الشعر والترجمة والقصة، وتُضيء عبرها محطات من المعرفة والإلهام. كتب فأوجع وأبهج، وترجم فأنصف النصوص وأعاد خلقها بلغته، ونسج من تجربته الشخصية ملحمة تُقرأ وتُحترم.

هنا، لا نحاور اسمًا أدبيًا فحسب، بل نُصغي لصوتٍ عرف الألم مبكرًا، واعتنق الحرف طريقًا للخلاص والتعبير، وسار بتؤدة الحالمين في دروب المعرفة، متسلحًا بالإرادة والإيمان بالمعنى.

في هذا الحوار، نفتح النوافذ على عوالمه المتعددة، بين جنوبه المحبب، ودفاتر الشعر، وهمس القصائد، وأسرار الترجمة، وأشواق الذات إلى المعنى والضوء.

البداية الأدبية والتنوع في الكتابة:

▪️ في البداية، كيف تُعرّف نفسك للقراء؟ نود أن نسمع منك عن رحلتك وأبرز محطاتك ومؤلفاتك وأعمالك التي تعتز بها؟.

▪️▪️ الحسين خضيري.. أُحب الشعر وأُحاول أن أكتبه، ولي محاولات في الفصحى منها.. أُغنية لغدٍ بعيد وصدر عن النشر الإقليمي، تراتيل المريد وصدر عن سلسلة إبداعات بهيئة قصور الثقافة، مدن الغيم وصدر عن سلسلة إشراقات جديدة بهيئة الكتاب، ليس في انتظاره أحد وصدر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، رجل وحيد وأشياء حميمة وصدر عن منشورات اتحاد كتّاب مصر، وديوان عامية وحيد وصدر عن ديوان العامية بالهيئة العامة للكتاب، أمَّا محاولاتي في الترجمة فعديدة، لعل أبرزها كتاب فرسان الفن الصادر عن المركز القومي للترجمة، وأساطير إيطالية وصدر الجزء الأول عن المركز أيضًا، وأيام أورشليم الأخيرة، رسائل من الحرب العالمية الأُولى، مدن دفينة، وصدروا في سلسلة كتاب الهلال، ومريم العذراء في الفن وصدر عن سلسلة كتاب اليوم بأخبار اليوم.

▪️ كيف اكتشفت حبك للأدب في البداية، وما الذي دفعك للتوسع بين الأجناس الأدبية المختلفة؟

▪️▪️ حب الأدب تأصَّل فيَّ منذ الصغر، حبي للكلمة بدأ مذ تشكَّل الوعي لدي، أحببت الكلمة المسموعة والمقروءة على حدٍ سواء، ويرجع الفضل في ذلك لأُمي التي كانت تعشق القراءة والاستماع إلى البرامج الإذاعية خاصة الثقافية منها، ودائما ما كانت تردد الشعر أثناء أعمالها المنزلية، ولأنني قضيت فترةً من صباي البعيد ملازمًا للبيت، لعدم ذهابي إلى المدرسة كإخوتي وأقراني، فعلَّمتني الحروف الهجائية والقراءة في البيت ثم ذهبت إلى أستاذي الأُستاذ عاشور، وواظبت على حضور دروسه طوال المرحلة الإبتدائية دونما ذهاب إلى أية مدرسة، ومع حبي للقراءة رحت أخط أولى إرهاصاتي الشعرية.

▪️ كيف تجد التنقل بين الشعر، القصة، والترجمة؟ وما الذي يميز كل جنس أدبي بالنسبة لك؟

▪️▪️ الشعر أول ما أزعم أني كتبته، حتى بعض الرسائل كنت أحيانًا أكتب الرسالة، وأفيق فأجدها تصلح أن تكون قصيدة، ولم أعمد إلى كتابة القصة القصيرة، لكنها كانت تأتي كحالة وتُكتب كالقصيدة.

▪️ في كتابتك الشعرية، تتناول دائمًا موضوعات إنسانية عميقة. هل ترى أن الشعر هو أكثر الأجناس الأدبية قدرة على التعبير عن الأحاسيس والمشاعر؟

▪️▪️ جميع الأجناس الأدبية قادرة على التعبير عمّا يجيش بدواخلنا، ربما أجد الشعر أقدرها، لكن غيري يرى القصة أقدر، وسوانا ربما يرى الرسم أقدر، المعضلة ليست في الجنس الأدبي، بل في نفسية وموهبة المبدع الذي يطوِّع هذه الموهبة لتعبر بصدق عنه وعمَّا يريد أن يقوله للآخر.

الترجمة وتأثيرها على الفهم الأدبي:

▪️ متى وكيف اكتشفت حبك للترجمة، وكيف استطعت الجمع بين خلفيتك الأكاديمية في التاريخ وإتقان فن الترجمة؟

▪️▪️ أمَّا الترجمة فلم أعمد الدخول إلى عالم الترجمة عالم الإغواء، ساقتني الأقدار إليه، عشقي للغة الإنجليزية وحب المطالعة في المجلات الإنجليزية والأميريكية التي كان يأتيني بها إخوتي الذين كانوا يعملون بالسياحة، كنت أنتظرها وأقرأها مُتلهفًا، بينما كانوا يخبرونني بأنهم في الفنادق والفنادق العائمة يُلقون أعدادًا هائلة من هذه المجلات في سلة المهملات!

كان طبيعيًا أن أقصَّ على أصدقائي بعض ما أقرأ، كنت أرى في عيونهم كم المتعة التي يجدونها في سماع القصص الإنجليزية القصيرة، فرسخ في نفسي أن أكتب ما أقرأه وأُترجمه ليتسنى لعددٍ أكبر من الناس أن يتمتعوا ويعرفوا عن هذه العوالم الغريبة عنّا، من هنا بدأت كتابة ما أقرأه من الأدب الإنجليزي، واتسعت رؤيتي واطلاعاتي مع توافر الانترنت، فترجمت مجموعة اخترتها من الأدب العالمي، لكنها نُشرت بعد أول كتاب شُغفت به حين قرأته، الكتاب تناول قصص حياة الفنانين الإيطاليين أمثال ليوناردو دافينشي ومايكل أنجلو ورافائيل وغيرهم، هو كتاب "فرسان الفن" تأليف إيمي ستيدمان ونُشر ولله الحمد في المركز القومي للترجمة.      

بالقطع كل جنس أدبي له مميزاته والنفس الإنسانية تحتاج إلى التنوع في مدخلاتها فللشعر روحه التي لا غنى للإنسان عنها، وللقصة القصيرة وقعها في قلبي، أمّا الترجمة فلغوايتها ألف حكايةٍ وحكاية.

دراستي في قسم التاريخ لم تقف حجر عثرة بيني وبين الترجمة، بل إنها أثرت اللغة الإنجليزية لدي، فكنّا ندرس نصوصًا تاريخية باللغة الإنجليزية، إضافةً إلى دراستنا للغة الإنجليزية نفسها.

▪️ هل ترى أن الترجمة هي مجرد نقل للمعاني أم أنها تحمل بعدًا إبداعيًا خاصًا؟

▪️▪️ بالقطع لا، المترجم هو الأب الشرعي للنص الذي يترجمه، لأنه يضع لمسته الإبداعية على النص ويخلقه مرةً ثانيةً بعد أن يعجنه بدقيق ثقافته ولغته الخاصة التي ينسج بها النص المترجَم.

▪️ كيف أثرت الترجمة على فهمك للأدب بشكل عام؟ وهل تجد أن الترجمة تفتح لك أبوابًا لفهم ثقافات أخرى بشكل أعمق؟

▪️▪️ أفدت من الترجمة كثيرًا، أزعم أنها فتحت لي نوافذ على ثقافات متعددة، قرأت لأدباء وشعراء كتبوا بالإنجليزية، فاتسع مفهوم الأدب واتسعت ثروتي اللغوية العربية منها والإنجليزية، هناك أدباء وشعراء عديدون لم أسمع عنهم ولم أقرأ لهم إلا بلغتهم، بالطبع اتسعت الرؤية لدي أمام هذي النوافذ المشرعة على آداب شعوب أُخرى، وثقافاتها ليس في الآداب وحدها، فقد شملت قراءاتي المتواضعة جميع نواحي المعرفة التي أُحب ارتياد عوالمها مثل التاريخ والآثار والفن التشكيلي وعلم النفس والفلسفة وغيرها، مما أثرى ترجماتي فتعددت من شعر وقصة ورواية وعلم نفس وآثار وتاريخ وسيرة ذاتية، نقلتها جميعها بحمد الله- قدر استطاعتي- إلى المكتبة العربية.

أعماله الأدبية ورسائله الثقافية:

▪️ ما الرسالة الثقافية أو الفكرية التي سعيتم لإيصالها من خلال أعمالك مثل "الروح الهندية" و"مدن الغيم"؟

▪️▪️ الروح الهنيدة كتاب أعتز بترجمته، وهو من تأليف تشارلز ألكسندر إيستمان وهو أمريكي أصلي من الهنود الحمر، ورصد في كتابه الكثير من ثقافة الهندي الأحمر، وسرد مأساة الهنود الحمر، وكيف أن الهندي إنسان مُحب للطبيعة وللحيوان وليس من طباعه إلا الخير، وأنه مُحب للعزلة والتأمل بطبعه، أمَّا مدن الغيم فهو ديوان شعر كتبته ونُشر في سلسلة إشراقات جديدة بالهيئة العامة لكتاب عام 2009، وهو جزء لا يتجزأ من تجربتي الشعرية التي مررت بها، وكان يعبر عني في مرحلةٍ ما. والكتابان وإن اختلفا، فكل منهما يحمل رسالةً بل رسائل للقاريء العربي.

▪️ كيف ترى دور الصحافة الأدبية في الترويج للأدب؟ وهل تعتقد أنها تساهم في تقديم الأدباء الجدد؟

▪️▪️ لا يُنكر دور الصحافة الأدبية أبدًا، فمن منّا لم يقتنِ جريدة أخبار الأدب، ومن منّا لم يعشق صفحة أُدباء الأقاليم؟ وكان النشر على صفحاتهما في زمنٍ ما بمثابة شهادة عظيمة للمبدع، واعترافًا مؤكَّدًا بشاعريته.

وقد قامت كل منهما بتقديم أدباء وشعراء كُثُر للساحة الأدبية، كذلك لم ولن ننسى البرنامج الإذاعي الثري الذي كانت تقدمه أستاذتنا وأُستاذة الأجيال الأديبة والإذاعية الراحلة والتي غادرتنا منذ أيامٍ قلائل الأستاذة "هدى العجيمي" والتي أستميحك عُذرًا - وقرَّاء صفحتك الكرام- أن أترحم عليها هنا في هذي السطور القليلة وأذكرها وأذكر فضلها بكل العرفان والتقدير، هناك أيضًا صحف ومجلات ثقافية دورها لا ينكره إلا جاحد، كالثقافة الجديدة ومجلة إبداع وأدب ونقد وعالم الكتاب ومجلة (جريدة) القاهرة التي تابعناها مجلة وجريدة، وخشية النسيان؛ كثير من المجلات والصحف التي قامت وتقوم بدور فعَّال في حياتنا الثقافية.

▪️ حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات، مثل تكريمك من قبل اتحاد كتّاب مصر ومؤسسة جسور الرقمية. كيف ترى تأثير هذه التكريمات على مسيرتك الأدبية؟

▪️▪️ الحمد لله قامت جهات عديدة بتكريمي آخرها مؤتمر أُدباء مصر في المنيا، وبهذه المناسبة أشكرهم جميعًا وأذكرهم بالفضل، أعلم أن هناك الكثيرين من هم أحقُ بالتكريم مني، في كل مرةٍ يتم تكريمي أرى بالفعل أن الحظ أخطأ أصحابه وأصابني، وإنها لمسؤولية تُلقى على عاتق الإنسان، فعليه دومًا أن يكون عند حُسن ظن من قاموا بتكريمه، ورسالة تحثُّه دومًا على مواصلة جهده، كي يثبت لنفسه- قبل أن يثُبت للآخرين- أنه حريٌ بهذه الثقة، ويا لهما من معضلة!

▪️ هل لديك مشاريع أدبية أو ترجمية قيد التنفيذ حاليًا؟ وما الذي يمكن للقراء توقعه منك في المستقبل القريب؟

▪️▪️ الحمد لله لدي دوما ما يشغلني، على صعيد الشعر، أقوم بإعداد ديوانين للنشر أحدهما من شعر الفصحى بعنوان "شجن الظهيرة" والآخر من شعر العامية، لكني لم أستقر بعد على عنوانه.

وأقوم بإعداد كتاب "قديسات في زمن الاستعباد" ويدور حول قديسات رزحن تحت قيد الرق، وكافحن وناضلن إلى أن تحررن وقمن بأدوارهن في مجتمعاتهن، وأصبحن قديسات معترفٌ بهن، كما أنني في انتظار كتب قمت بترجمتها مثل "الأُم في الشعر والفن العالميين" و"الكريسماس في الشعر والفن العالميين" وكتاب "حياة طفل في الفن" تأليف إيستل ماي هرل- مؤلفة كتاب "السيدة العذراء في الفن" والذي صدر عن سلسلة كتاب اليوم بأخبار اليوم عام 2012- والكتاب يصدر بإذن الله عن الهيئة العامة للكتاب، أيضًا أنا بانتظار كتاب سيكون بإذن الله له شأن في المكتبة العربية وأستميحك عذرًا في عدم الإفصاح عنه حتى يصدر قريبًا بعون الله.

نظرة مستقبلية ورسالة للأجيال الجديدة:

▪️ ما هي أكبر التحديات التي واجهتها في مسيرتك الأدبية وكيف تغلبت عليها؟

▪️▪️ دائما هناك تحديات، ولعلنا بدون التحديات ما قمنا بشيء، ربما يكمن السر في التحديات، إنها تشحذ الروح، تستنفرها، تُخرج أفضل ما فينا لنواجه الأسوأ بمعنوياتٍ أفضل وإرادة وعزم، لعل أصعب التحديات عدم قدرتي على اللحاق بقطار التعليم مبكرًا وعدم ذهابي إلى المدرسة كمعظمكم، لكني والحمد لله، استدركت هذا بالذهاب إلى معلمي الذي ذكرت آنفًا، وأصررت على الالتحاق بركب التعليم الذي كاد أن يفوتني، لم تنته الصعاب ها هنا، فلازمتني في المرحلة الجامعية أيضًا، فقمت بالدراسة في البيت وكنت أذهب للجامعة بكلية الآداب بسوهاج للإمتحان فحسب، وهناك أيضًا صعوبات كثيرة، كان على أحد إخوتي أن يحملني إلى الإمتحان- الذي في أحايين كثيرة كان في الدور الرابع بالكلية، ناهيك عن أن معظم الكتب كان بعض الزملاء يحجزها لي حتى موعد الإمتحان، فلم يخلُ عامٌ دراسي من ثلاث مواد أو أربع أراها ليلة الإمتحان أو قبلها بليلتين في كل عام. وهناك صعاب يجمل عدم ذكرها ها هنا.

▪️ ما هي رسالتك للأجيال الجديدة من الأدباء والشعراء؟ وكيف يمكنهم الحفاظ على إبداعهم وسط التحديات التي يواجهها الأدب في هذا العصر؟

▪️▪️ رسالتي لي ولهم، فلست بأفضلهم لأنصحهم، لكن علينا بالقراءة ثم القراءة ثم القراءة، ليس قراءة الكتب فحسب، اقرأ في الكون من حولك، في نفسك، فيمن هم حولك، أكثِر من التأمل، صاحب نفسك كثيرًا واخلص لهدفك، أقولها لي وأقولها لهم.

▪️ كيف ترى دور الأدب في تشكيل وعي الشعوب؟

▪️▪️ سؤال أعمق من أن أُجيب عليه في سطور، فالأدب مُحفز مُحرِّض انظري إلى ثلاثية نجيب محفوظ وإلى دون كيشوت وإلى أشعار محمود درويش، سميح القاسم، أمل دنقل استمعي إلى "عدّى النهار"، كيف تغير الوعي بعد طرح كل هذه الأعمال، الأدب تاريخ وتأريخ وذاكرة لا تمَّحي، الأدب مقاومة للانكسار ودعوة دائمة للوقوف في وجه التحديات أيًّا كان مصدرها ومنبعها، الأدب أيضًا ألهم للوصول إلى مخترعات ومكتشفات لم يكن ليُهتدى إليها إلا عن طريقه، انظري إلى أعمال جول فيرن، وألدوس هيكسلي، الأديب رئة الشعوب وجندي من جنود الوطن ينبغي الحرص عليه وعلى منتجه.

الشعر وتجربة الكتابة:

▪️ كيف تتداخل الموسيقى والشجن في الكتابة لديك؟ وهل يعتبر الشعر عندك وسيلة للتعبير عن الحزن والفرح في آن واحد؟

▪️▪️لا أكذبك الشعر تعبير بلا شك، صرخة، يدٌ تلوِّح بالاستغاثة تشير هنا غريق! أو يوشك أن يغرق!

يُذكرني هذا بالشاعرة الأميريكة ديبورا، فبعد انتحارها صرَّح أحدُ قرائِها قائلًا: "كنتُ أتمنى لو أن هناك تدخلًا قضائيًا، في موتها حيث إن كتابها "ترابيز" يُعدُّ صرخةً تقول: "أريد أن أموت" وطالب بمساءلة النقاد!

▪️ كيف ترى علاقة الشعر بالوجود؟ هل يعتبر الشعر لديك محاولة للبحث عن الخلاص أو التعبير عن الفقد؟

▪️▪️ يقول ريلكه: الشعر خبراتٌ نعيشها في صمتٍ رهيب أمام الكون.

وكما أسلفت الشعر والفن عامةً هو صرختنا لطلب الخلاص.

▪️ هل ترى أن الشعر والموسيقى يشتركان في هدف واحد؟ وكيف يمكن أن تساعد النايات مثلما تساعد الكلمات في الشفاء النفسي؟

▪️▪️ كلاهما موسيقى وهما لصيقان متداخلات لا غنى لأحدهما عن الآخر، كلاهما للروح غذاء وشفاء، الشعر عزف بالكلمات والمفردات وتغريد باللغة، حتى ريشة الرسام تتغنى .. تُحلق في فضاء اللوحة بل في فضاء الوجود باحثةً عن معنىً عن للوجود.

▪️ في قصيدتك "كأنه الأخير"، نجد أنك تناقش اللحظات العاطفية التي تبدو وكأنها اللحظة الأخيرة. هل هذا النص يمثل تأملًا في الفناء والتذكر؟ وكيف يعكس ذلك فلسفتك في الحياة والموت؟

▪️▪️ يتداخل الفناء والتذكر ويشكلان مفاهيم للحياة والموت فالتأمل فيهما يخلق آراءً ورؤى للحياة ولما بعد الحياة، والوعي بلحظتنا الراهنة يمزج الفكرة بالعَبرة والرؤية بالشعور المتدفق في التفاصيل الصغيرة والمبهمة في الحياة. 

حول الترجمة والأدب العالمي:

▪️ كيف ترى علاقة الترجمة بين الثقافات المختلفة كأفق نحاسي؟ وهل تتطلب الترجمة تلك التجربة المعقدة لفهم العالم الآخر؟

▪️▪️ أراها علاقة تكاملية، فالترجمة جسور تُبنى بين الثقافات، لا جُدر عازلة، فكما اتفقنا ليست الترجمة نقلًا عبر اللغات، لكنها تبادل أفكار وثقافات وقيم، ومشاعر، تتطلب الكثير للوصول إلى نقطة التقاء بالآخر، لا مفترق طرق، عبر روح النص وما يحمل من أفكار ودلالات وإيحاءات، على المترجم الإلمام بهذه المتطلبات لفهم النص والتعبير عنه بلغته.

▪️ بناءً على خبرتك في الترجمة، هل تجد أن الأدب العالمي يمكن أن يحمل لنا ذات الأبعاد الجمالية التي تمتلكها نصوصك الشعرية؟ وكيف تؤثر الترجمة على إبراز الخصوصيات الثقافية في النصوص الأدبية؟

▪️▪️ ليس دائما والسبب يكمن في طبيعة الشعر نفسه، وعلاقته الوثيقة باللغة والثقافة مع خصوصية اللغة الشعرية فاعتماد الشعر على إيقاعه الموسيقي، دلالاته المتعددة .. والصور المرتبطة بتركيب الجمل في اللغة الأم، هذه التيمات الجمالية غالبًا ما يصعب نقلها بالكامل إلى لغة أخرى، الترجمة قد تنقل المعنى، والصور والأفكار الرئيسية، والعاطفة أيضًا. لكن الترجمة تخلق جماليات أُخرى .. جماليات التقاء الثقافات، وجماليات القدرة على فهم تجربة إنسانية تتخطى حاجز اللغة، وتبقى الأفكار العميقة، والمشاعر الإنسانية (مثل الحب، الألم، اليأس والأمل) هي الملتقى والمنعطف. كل هذا يخلق جمالًا حري بأن نسعى جميعًا إلى إدراكه والغوص فيه وفي عوالمه.

حول الأدب والفن العام:

▪️ هل ترى أن الشعر يملك القدرة على تغيير نظرة المجتمع تجاه بعض القضايا الاجتماعية مثل صورة المرأة أو التحديات الاجتماعية؟

▪️▪️ دعيني أُحييك على هذا السؤال، بالطبع الأدب قادر وبالفعل أحدث تغييرات مؤثرة في المجتمعات العالمية ودعيني أضرب لك كتابات الكاتبات اللواتي ذُقنَ مرارة العبودية وتحررن ومن هؤلاء الكاتبات هارييت جاكوبس والتي كتبت باسم مستعار هو ليندا برينت خشية التتبع والعقاب ومنهن أيضًا كيت درامجولد بعنوان "قصة فتاة من العبيد.. سيرة ذاتية لكيت درامجولد". وضربت سيرتها الذاتية المثل الأعلى في الارتقاء العرقي والإيمان والإصرار على التعلم، وأيضًا آني إلـ. بورتون وكتابها "ذكريات عبودية الطفولة" ساهم هؤلاء النسوة في تحرير العبيد وعلى وجهٍ خاص المرأة التي اُستُعبدت، كذلك لا ننسى الفتاة الباكستانية ملالا التي دافعت عن حق الفتيات في التعليم ضد طالبان في أفغانستان، أيضًا كتابات فيرجينيا وولف وتوني موريسون وغيرهن كل هؤلاء ألهمن الكثيرات بل والكثيرين، والأمثلة كثيرة لكن يضيق بنا المجال.

▪️ كيف توازن بين الحزن والأمل في الكتابة؟ هل تمثل الكتابة لديك مساحة لخلق واقع موازٍ أم أنها مجرد انعكاس للواقع الذي نعيش فيه؟

▪️▪️ الحزن هو مِداد الكتابة، والأمل هو الهدف المنشود، كلاهما لا غنى عنه، الحزن يخلق هذا الطقس ويغذيه ويشرد بالقلب في عوالم تمنح القصيدة خصوبةً يُحلِّق فيها الشعر لكن بجناح الأمل، والقصيدة تصدق إذا خالطها الحزن والشجن.

 ▪️ كيف تؤثر الأزمات الشخصية أو الاجتماعية على كتابتك الشعرية؟ وهل تراها محفزًا لتطوير مواضيع جديدة؟

▪️▪️ الإنسان ابن بيئته يؤثر ويتأثر، ولا أُخفيك أن الأزمات سواء الشخصية أو العامة لا تخفى ملامحها على القصائد، فالقصيدة ابنة شرعية لثقافة الشاعر ومعضلاته وأزماته وآلامه وآماله.

▪️ القضية الفلسطينية تظل أحد القضايا الإنسانية العميقة التي تشغل العالم العربي والعالم أجمع. كيف ترى دور الأدب والفن في دعم هذه القضية وإبراز معاناتها؟ وهل تعتقد أن الشاعر والأديب يمكن أن يكون لهما دور فعّال في توجيه الأنظار إلى حقوق الشعب الفلسطيني؟

▪️▪️ لابد وأن يساهم كل منا بدوره في قضايا أُمته، وعلى رأس قضايانا جميعًا، القضية الفلسطينية، وكالكثيرين من زملائي وأصدقائي الشعراء والأدباء تأثرت بها وكتبت عنها معبِّرًا عن رؤيتي الخاصة بلغتي الخاصة في أكثر من قصيدة، ولله الحمد أيضًا في مجال الترجمة، قمت بترجمة كتاب بعنوان "أورشليم الأيام الأخيرة" والكتاب ألقى الضوء على فترة هامة من تاريخ حياة المدينة المقدسة، وهو من تأليف ألكسندر تشيرش ومن كتابات يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير، وتناول الكتاب حصار الرومان للقدس، وصدر في سلسلة كتاب الهلال عام 2012، وأيضًا قمت بإعداد وترجمة كتابين الأول بعنوان "لا تضبط مع القدس ساعتك .. القدس في الشعر العالمي" وفاز بالمركز الأول في مسابقة أشرف بدير وطبع منذ عامين، وكتاب "قرابين الحرية فلسطين في الشعر العالمي" أعلم أنه جهد المُقل لكن أسأل الله أن ييسر لي أن أخدم القضية وقضايا بلدي قدر المستطاع.

المسيرة الشخصية:

▪️ كيف تؤثر حياتك اليومية، علاقاتك الشخصية، وتجاربك في تشكيل تطور كتابتك الشعرية؟ وهل يمكن أن تشاركنا كيف تنعكس هذه التجارب على موضوعاتك الأدبية؟

▪️▪️ تمنح الحياة اليومية الشاعر مادة لا تنضب من تفاصيل دقيقة وملاحظات حسية فصوت أو رائحة أو ذكرى أو ربما إيماءة قد تتحول إلى صورة شعرية حية أيضًا تغيُّر الفصول، قدوم الشتاء، الغيوم، الظلال، هطول المطر كل هذي التفاصيل، تثير في نفسي الشجن.

يتداخل بعضها أو جميعها فتُكتب القصيدة داخلي.

▪️هل يمكن أن تخبرنا بتجربة شخصية معينة شكلت التحدي الأكبر في مسيرتك الأدبية؟

▪️▪️ كل التجارب التي بها مررت، تركت داخلي ما تركت، سواء تجارب شعورية أو حياتية، الحياة في حد ذاتها تحدي كبير في تفاصيله خاصةً في ظروف ليست مواتية، ومواجهة الحياة وأنت شبه أعزل، أيضًا التحدي الإبداعي البحث عن صوتك الشعري الخاص حتى تحدي الترجمة فمهمة الترجمة الأدبية في حد ذاتها محفوفة بالتحديات؛ فهي لا تتطلب إتقان لغتين فحسب، بل فهم عميق لثقافة النص الأصلي وقدرة على نقله بروحه وفنية عالية إلى لغتك الخاصة وبلغتك الخاصة مع احتفاظك بروح النص الأصلي ومضمونه.

▪️ هل تلعب البيئة دورًا في تطور إبداعك الشعري؟ وكيف تعكس الأماكن التي تذكرها في قصائدك تجربتك الذاتية؟

▪️▪️دائمًا ما يكتب الشاعر ما يعكس بيئته ليعالج قضاياها بأسلوبه الشعري والفني، ودائمًا ما تلهمني الطبيعة، الغيوم، المطر، النخيل الأماكن المهجورة، الوجوه الإنسانية المعبِّرة، والجنوب مفعمٌ بها جميعًا، كلها تسكنني فأتأثر بها، قد أكتب أو لا أكتب لكنني لا أُفلح في الإفلات من فخ التأثر.

▪️ كيف ترى تأثير الأدب على تغيّر الأجيال؟ وما الذي تود أن يكتسبه الجيل الجديد من خلال قراءة قصائدك؟

▪️▪️ ليس بوسعك إملاء قيم ما على الآخرين، لكن الأدب يُحسن صياغة وبلورة هذه القيم والمباديء فتتشربها الأجيال، ولكن مع الأسف الشديد، غالبية الجيل الجديد لا يقرأ ولن أخوض في أسباب ذلك فهي عديدة وتكاد تكون واضحة للجميع، ولا أُريد أن أفقد أو تفقدوا الأمل، والقراءة عموما معدلها في انخفاض، خاصة قراءة الشعر.

بدون مونتاج

▪️موقف طريف أو غريب حدث لك في أمسية شعرية؟

▪️▪️ كنا بصدد أُمسية شعرية في قصر ثقافة الأقصر عام 2006 وفوجئت بمنظم الأمسية في منتصف الأمسية يعلن أن أحدهم اتصل به من القاهرة يعلمه بصدور ديواني "تراتيل المريد" عن سلسلة إبداعات بهيئة قصور الثقافة وكانت مفاجأة رائعة بحق.

▪️كلمة واحدة تصف بها رحلتك في عالم الأدب؟

▪️▪️ ما أصعب أن أجد كلمة تصف رحلة لم تنته بعد.

▪️حلم لم يتحقق بعد؟

▪️▪️ حدِّثي ولا حرج!

▪️لو لم تكن شاعرًا، ماذا كنت ستصبح؟

▪️▪️ كنت أثناء دراستي الثانوية والجامعية أرسم بورتريهات على الحوائط وفي فضاءات الكتب حتى ملاءات الأسِرة لم تفلت من يدي، وكان الكثيرون يثنون عليها، وكنت أُزينها بمربعات شعرية من تأليفي، غير أن هذه البورتريهات سرعان ما بهتت واستولى الشعر على المشهد، أيضًا كنت أتوق لأن أُصبح مذيعًا ومقدم برامج إذاعية، ربما هذه هي المرة الأُولى التي أُفصح فيها عن هذه الأحلام.

▪️كتاب أو ديوان لا تملّ من قراءته؟

▪️▪️ كتب كثيرة يحضرني منها الأغاني للأصفهاني، عالم صوفي للنرويجي جوستين جاردر، أيها الفحم يا سيدي دفاتر فنسنت فان جوخ لقاسم حداد، وأقل ما بوسعي قوله عن مثل هذه الكتب .. أنها ملهمة.

▪️كيف كان شعورك عند نشر أول عمل لك؟

▪️▪️آآآآآآآآه! كانت قصيدة كنت أُريد أن أبعث بها كخطاب لفتاة أحببتها، ولم أُفلح في هذا، فراودتني فكرة إرسال القصيدة لمجلة، وكان عليَّ أن أنتظر حتى تُنشر فأُهديها نسخة من المجلة، عندها يصير الأمر أيسر، وبعثت بالقصيدة إلى مجلة عربية بالفعل وصرت أنتظر شهورًا طويلة ولم تُنشر، غير أني بعد إذ يئست، فوجئت بأن القصيدة احتلت صدر المجلة، وكانت معنونة باسم الحبيبة وقتها، فكانت سعادة مزدوجة بنشر القصيدة التي أود إهداءها لها، ونشر أول عمل لي بمجلة عربية تصدر من قبرص.

▪️ لحظة في مسيرتك لا تُنسى أبدًا؟

▪️▪️ لحظات كثيرة، لحظات جمَّة منها ما ذكرتها آنفًا، أيضًا لحظات الفوز بجوائز في الشعر أو القصة القصيرة، أو مسابقة للترجمة، اللحظات التي تلامس فيها يداي أول نسخة من كتاب يُنشر لأول مرة، لحظات البوح بما يعسر البوح به، لا أُخفيكِ، حتى لحظات الإخفاق لا تُنسى، ليس لأن مراراتها لا تمَّحي، لكن أيضًا لأني أسعد بانتصاري عليها.

تأملات حرة :

▪️ في الختام، لو تركنا لك المساحة لتكتب سطرًا بلا سؤال...

ما الذي كنت لتقوله؟

وما الفكرة التي تمنّيت أن نُثيرها ولم نفعل؟

▪️▪️ الحق أنك ما تركتِ صغيرًا ولا كبيرًا إلا سألتني عنه.

لكن لدي الكثير والكثير مما اود البوح به، فلندع للأيام ذلك.

▪️في لحظة تأمل صامتة... لو سنحت لك الفرصة لإرسال "تلغراف" لمن ترك فيك أثرًا طيبًا لا يُنسى – شعريًا أو إنسانيًا – فلمن ستوجهه؟ وماذا ستكتب؟

▪️▪️ أقول شكرًا جزاك الله عني كل الخير، لكل من علموني منذ بداية الطريق إلى أن ينتهي المطاف، شكرًا جزيلًا لكل من أقال لي عثرةً من عثراتي، ولكل صديق كان جديرًا بهذه الصفة، ولكل كاتب أو أديب أو شاعر أو فنان أو إنسان تعلمت منه أو على يديه.

في نهاية هذا الحوار، يتبدى لنا الحسين خضيري لا ككاتب فحسب، بل كحكاية إنسانية تمضي على جمر التجربة وتضيء بما فيها من صدق وأمل ووعي.

تعلمنا من حديثه أن الحرف يمكن أن يكون عكازًا للحياة، وأن الشعر ليس ترفًا لغويًا بل نداء داخلي للمعنى، وأن الترجمة ليست نقلًا حرفيًا، بل جسرًا بين الأرواح.

ولعل أجمل ما في هذه الرحلة، أن المبدع الحقيقي لا يكتفي بطرح الأسئلة الكبرى، بل يعي مسؤولية الإجابة عنها... بالحياة، بالشعر، بالفعل.

شكرًا للأستاذ الحسين خضيري الذي فتح لنا قلبه قبل دفاتره، وترك فينا أثرًا يليق بمن يستحق أن يُقرأ مرتين: مرة بنصه، ومرة بظله الإنساني الجميل.

أُجري هذا الحوار ضمن سلسلة "حوار مع مبدع إنسان" التي تُعدّها وتُقدّمها الكاتبة والشاعرة همت مصطفى، والتي تسعى من خلالها إلى تسليط الضوء على الوجوه الإنسانية للمبدعين الذين يحملون الجمال في أقلامهم وقلوبهم، بعيدًا عن ضجيج الأضواء وقوالب الإعلام التقليدية.

مساحة إعلانية