مساحة إعلانية
شجرةُ الحنّون، كما كانت تسمّيها خالتي (حورية) تقف قُبالةَ منزلها، ماتزال محفورةً بوجداني، شجرة ظليلة مورقة مثقلة بأزاهير بيضاء صغيرة تشبه الياسمين، تهديني كلَّ صباح قبلة شَذّاءَ دافئة كصوت فيروز في الصباحات الندية.
عشقتُها بهيام فارِه ، هامت بي بعشق وارف حتى استوت مواجِدُنا على سوق الوله.
ذاتَ نهار كالح الملامح،
وعلى حين مصيبة، وَجَدَتْ شجرتي الأثيرةُ نفسَها في مواجهة حتمية محسومة العواقب، تقف وحيدةً عاجزةً عن صد آلة ضخمة مدججة بالحديد (بلدوزر) شاهراً شدقيه العملاقين عازماً اجتثاثَها!
المسكينةـ بقوة متصنعة :ـ
"أنا هنا منذ أمدٍ بعيد، وجذوري بالحب ضاربة في أحشاء هذه الأرض".
بات الهجوم وشيكاً، فاستنهضتُّ شجاعتي الجفلى، وغضبي الخائف وانبرينا لصد الهجوم الهمجي دفاعاً عنها، وكأننا في أتون حرب لاهوادةَ فيها ولاتقبل التفاوض، حربٍ غيرِ متكافئة لا أخلاقَ فيها.
عبثاً حاولنا صدَّ الهجوم.
البلدوزر الوحش (كما تخيلتُه وأنا طفلة) ينشب براثنه الغليظة في جذع الشجرة، فتترنَّح واقفةً واهنة.
آخرُ ما سمعتُه منها بفوح عبيرها المُدَمَّى: ( أحبكِ.. وداعاً) .
بكيتُني وبكيتُها. انتحبَ خرير الماء في السواقي، وشَكَتِ الأطيارُ فراقَها.
لم أقوَ على رؤيتها تسقط مضرجةً بعبيرها. فغادرتُني خطاي ، لاأدري إلى أين .