مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

دراسة نقدية عن المطر فى رقصة الوداع لمحمد محمود غدية ..بقلم نجوى عبد العزيز

2025-08-25 20:58:36 - 
دراسة نقدية عن المطر فى رقصة الوداع لمحمد محمود غدية ..بقلم نجوى عبد العزيز
الغلاف

يأخذنا قلم الأديب الى رحلات أدبية راقية على ربى لغة فصحى سامقة متألقة تحلق بنا في مقاربة ما يخطر للقارئ من متعة تأمل وغوص في واقعية وربما وجودية؛ حضور طاغ للأديب بحروفه، فلا عجب أن يجد القارئ نفسه متماهيًا مع السرد الموشى بالحسن وقشيب لغة سلمت له مفاتيحها؛ أسلوبه بلاغي مميز وإبهار الفصاحة فيه لا يُقارن.

كلمات وجمل رشيقة وجمال التصوير كل سطر يحمل معاني متعددة، الكاتب يُدير دفة المعاني ببراعة بالغة والرصانة تشتبك في مقدرته الرسم بالحروف بعذوبة فنية راقية بقدرات لغوية بالغة تجذب القارئ بقوة ورصانة وعذوبة وموسيقية؛ النصوص السردية كلها ثرية عبقة بحسن أخاذ تقتنص منك حسك الأدبي وتلف بك بحور البلاغة والبيان، الأعمال أغلبها لوحات رسمت بمشاهد مكتظة المعاني جزلة الأخبار؛ ولربما نُحتت بمهارة الصنعة تنتزع منك الإشادة وفي عمقها تتصدر قيم الخير وتساؤلات حيرى ما بين دفتي الكتاب وهي تحمل طابعًا بلاغيًا يمزج بين الحواس ومشاعر الشغف، وللمرأة نصيبها الوافر وحظها الثري في غالبية نصوصه، و القاص يبث إليك التجربة الإنسانية التي تتشابك فيها العواطف الانفعالية مع الصور الشعرية؛ يُجسدها الكاتب بمداده العاشق للفصحى ولقالب حب صادق أو قيمة اجتماعية نبيلة أو نقيصة غرست أظفارها في دماء بريئة أو لقطة إنسانية طاف طائفها بالكاتب فدشن لعقول القراء مدينة أسطورية يلجها في سطور قليلة ويطوف بمدنها وقلاعها في نص سردي محكم مختزل بلا نقص، مسددًا تمامًا في أهدافه لا يحيد ولا يتركك لمارد الملل يقتنصك هو يُحيطك بذراعيه ويحتضن يدك بقلبه فتسير معه وهو يهمس في أذنيك بفكرته فتمضي معه وكلك شغف وانبهار وترقب لما تفضي إليه صحبتكما؛ وانتقالات القاص بين عدة فكر في القصة الواحدة يُدهشك ويحملك للمضي معه لتقصي المنظور المحسوس في قصص الحب الأسطورية من اختفاء قسري للبطلة ربما بلا مبرر ولا يُعيدها القاص تكرر الهجر وفصم العلاقة بلا سبب إلا قصة واحدة، وربما المغزى الرمزي لتكرار الهجر والقهر اظهار غبن الرجال للفتيات وهو ما يُحمد للكاتب ولا يفت أو ينتقص من عمله.. إلَّا أن أسلوب القاص يجذبك بقوة لتشهد النهاية التي يحرص القاص على كونها مباغتة للأحداث، ربما هذا يعزز الإيقاع المرسوم في علاقة تجعل القارئ يشعر فيها بتفرد السرد وبمصداقية الحرف.. حين يحدثك عن ذاك الحب أنه يُثري الروح ويمنحها الحياة ويكنزها لأسطورية الخيال، تُحيرك وتُبهرك لغة القاص وقصص الحب تستوقفك فيها قسوة البطل العارمة على الحبيبة ليصوغ قصة أو يكتب الشعر كمثال بطل قصة (كل القصائد مطفأة)! في براعة واقتدار يصور لنا القاص ويرسم لنا تارة بريشته الحالمة قصة حب تحسبها خالدة أبدا يُمسك القاص بكل الخيوط في يديه ولا يُفلتها ليلقيك في مباغتة النهاية الدهشة وربما الصادمة.

ويتألق الكاتب في إمساكه بنواصي اللغة وتفرده في بث بديعها في وصف حالة العشق ، القاص يطوف بعقولنا فينقلنا إلى وجع الإنسانية في حنكة واقتدار؛ وتمكن في السرد والمسار في لقطة نادرة نقية مثالية سامية الإنسانية و بجلاء وجع يدشن داخلنا عشقه للحياة النقية الخالية من الأوجاع؛ وجع البشرية حواليه ضربه في ضميره ونزع فؤاده فإذ بالعتمة حوله ممن (يزرعون الأشجار ثم يقتلعونها).. لقطة شديدة الألم عميقة الأنين تصدرت مشهدية الرومانسية الفائقة التي صال وجال فيها القاص كعادته بحرفية وذكاء ورسائل موجهة، ومسددة في مجهول مباغت سوف يطرحه شظايا بعد سطور من الصمت العاطفي المكمل للضغط النفسي على بطلة لشاعر مسكينة بإرهاب عاطفي وهجران دامي للوجدان؛ إذ بالشاعر يفتح مزادًا لحبيبة جديدة لأنه مل صدق المشاعر أصابته بوهن في الكتابة المحبة أرست في عقله فتور وحي الإبداع؛ ويُريد استنهاض وحيه فيُغمد البطل بقسوة خنجره في خاصرة البطلة ،فيُعلن بكل سفور ودهاء عن مزاد لحبيبة تُلهمه كتابة الشعر (يحتاج لامرأة تخرج من شذا الياسمين ومن زبد البحر يشرب الشعر من وجهها الصبوح؛ ويورق ماء قصائده من بوح عينيها)! الكتابة دوما ببديعها وعيون حكمتها تلتقط من الحياة النادر المستحيل لتطرحه في قالب يبهج ويسر هكذا فن السرد بليغ الحكي شيمة كتابات القاص القدير /محمد محمود غدية في مجموعته القصصية هذه متعددة الطيوف مختلفة الرؤى والتي تنتقل بك من مشهد إلى نقيضه بحرفية فائقة فتعيش الجديد بتلهف و بلا ملل أو أفول. (المطر في رقصة الوداع) العنوان علامة لغوية ثرية بما يحمله النص من بديع اللغة وثراء الجمل القشيبة هو علامة سيمائية تمارس التحليل وتتموقع على الحد الفاصل بين النص والعالم ، السرد بدأ قاطعًا حاسمًا في عبارات رشيقة نضرة البهاء رسمت رهبة الحزن والأسى حين يغتال تراتيل الطبيعة في تصوير الوجع والألم في عزف منفرد متفرد للقاص فيبدل جماليات يترنم بها الكون نجد القاص ردًّا على محاكمته لسبايا النساء اللاتي أهدر أبطاله دمهن أعاد التوازن النفسي للقارئ بقصة المؤلف عاشق زوجته المتفاني لدرجة رحيله بعدها حزنًا على فراقها، وهي القصة المعنون بها المجموعة فضرب لنا مثلًا راقيًا للوفاء النادر وللمحبة ولخلود إخلاص ؛فالرؤية المنصفة غير الرمادية لتغلل إنسانية الكاتب في بعض مشاهد غاية في الرقي تفرض أن ننظر للعنوان نظرة خالصة نستخرج منها إبداع وحرفية القاص في إدهاشك وحملك على السير في كل الاتجاهات التي فتحها القاص فالعنوان بلغ قمة البلاغة؛ نجد دفعة إثراء للنص جديدة؛ تُمكن لرؤية القاص وتُشيد بفيض خبرته وحكمته وحنكته وتمكنه من مفرداته وإمساكه بتلابيب أدواته أنها قصة "شطيرة وجع هاملت" التي لجأ إليها القاص تأييدًا ورمزًا على أن الخيانة "قاسم مشترك" بين البشر في كل زمان ومكان! اختياره لقصة هاملت "رمز الخيانة" وسفك الدماء رمزية "معادلة موضوعية " مصوبة في صميم ما دعا إليه القاص بحرفية متمكنة مسددة؛ آلام البشر تمتد كالأخطبوط في كل زمان ومكان تنهش في وجع البشرية حين يُسقط الجشع والغدر كل القيم ويُسفر عن وجهه القبيح بلا ذرة حياء . وفي مشهدية جديدة ومهيبة يُسطر الكاتب أنشودة شديدة الثراء الإنساني والوجع حين يضرب في عقر نعم الله التي تفضل بها علينا ولا نراها ولا نحسن صيانتها الكاتب في دفقات إنسانية شديدة الوجع راسخة التأمل يدخل عالم ذوي الاحتياجات الخاصة و يرسم بريشته مشاهد وأحاسيس ومحبة بين فتاتين وسائل التواصل مبتورة ولا وجود لها (قصة أوتار الروح) ينقل الدفء الحاني الذي يربطهما ، وبصياغة عبقرية السرد جعل القاص يطوف بنا ويؤكد أنهما أكثر محبة وحنانًا لبعضيهما ، السرد ثري بالمحسنات البلاغية والعبارات الموشاة بالحسن التي تدخل عقل المتلقي ولا تغادره بل يجد نفسه يرددها من أين وكيف أستطاع الكاتب أن يحملنا في زوق فضاء هائل قاتم موغل في البؤس مع هاتين الفتاتين في لقطة إنسانية عبقة بالوجع.. ثم يقلب الكاتب دفتر أفكاره ؛على مرمى العقول الموصولة بشغف سرد شيق جذاب الخصوصية، حكي القاص الذي يصحبنا في تؤدة وترفق وحنان في قصة (النهر والغياب) فيدخل بنا مباشرة إلى رقة الصخور وعنيف قسوة الإنسان ؛والصخر يهبط من خشية الله ومنه من يتفجر منه الماء إلا أن المشهدية هنا بسردها الوثاب ترجع بنا إلى قصة حب يشهد عليها النهر وكل ما في الكون يشدو لهما، حتى الصخرة الحنون التي راحت تتساءل لماذا الحبيبة وحدها دون حبيبها وكيف ولماذا تخلى عنها الصخرة تحنو وتتكلم وتربت أكثر من الإنسان ؛ كالعهد بالكاتب يتأنَّق في سردة ويتألق في وصفه ولا يباريه أحد في مفردات شحنه لما يريد لك أن تتطوح به قسرًا أو إعجابًا ودهشة في أرجوحة خيال تبحث عن الغائب الذي فارق وارتحل ، تسكن الحروف في مهدها هانئة مطمئنة تتناولها يد القاص بروية وتُحيي النبض بحنان المحبة ورقة متناهية فيها وتربت على جبين الأحاسيس بالألفة والمودة وتقترب من مُرها فتسكنه وتمحو مرارته بفرط خصوصية نبل مواقف تفجر الفكر تسهد وتُؤرق ولربما تُسعد وتُفرح ليل ونهار أهل اللامحبة في رسالة جديدة موجهة وسديدة يكتب القاص عن أغاريد الحب وألوانه، بطله شاب ضيع الحب وعاش في مدن الجفاف ورضي بالكفاف، مع مشاعر خادعة براقة، البطل له حبيبة حين تأخرت عن موعدهما نسف المحبة وأصدر فرمان عدميتها وتوجه إلى الغرب المبهور به وبكل ما فيه يبحث عن الحب، والحب هناك يُطلق على العلاقات المحرمة.! بيد أن الحب فطرة خلقها الله في الإنسان وألوانه متعددة" و صنوفه مختلفة تصب في نهر رقراق من سمو ورقي الإخلاق، للحب شئون وخصوص وعطايا متبادلة وفداء واهتمام وحنان الحب الصادق لا يعرف الأنا، ولا ينتظر المقابل هو سخي بالعطاء وقوي بالبراهين عظيم بالتضحيات؛ نبيل بالإيثار والفداء أينتظر الرجل من ابنته الجزاء على حبه لها ؟!

الكاتب القدير في سرده البصير يطرح قضية الحب الصادق ألوانه؛ البطل في القصة للأديب غدية الذي يعزف سيمفونيته الحالمة آسرة للعقول بطله لم يعرف الحب هو لعبة يمارسها فترك البلاد إلى بلاد تُعّرف الجنس بالحب؛ فالتقى بمن حدثته عن الحب فأخبرته عن بحثها عن الحب الصادق السرمدي الذي تتوق إليه وتبغي الوصول له وهي لا تجده في مجتمعها الغربي .

عن الحب المخلوق الساحر الذي يُبدل الأنانية لإيثار والكرة لمودة وفداء أبدع القاص في حديثهما عن الحب الحقيقي بين الحبيبين والحب بداخل الإنسان ينطق ويشهد بألوانه المتعددة المخلوقة لبني الإنسان تكريمًا له وتمييزًا عن سائر المخلوقات ليفجر القاص على لسان بطله مفاجأة أنه لا يؤمن بالحب ولا يثق به وأنه حرث على ماء البحر لا يبقى ولا يخمد !! وهذا يتعارض مع العنوان الدافق الدافئ المضيء، ولكن القصة سرد كاتب يُمسك بخيوط حروفه ويوجهها إلى ما يريد وكثيرا ما يضع رمزيته إشارة مميزة لإبداعه يفهمها من كان على معرفة بخصوصية ومثالية كتابات كاتبنا القدير، وتقديمه لقيمة نبيلة أو نهجًا قويمًا من خلال طرحه .

السرد الأخاذ دواء للجميع وترياق لمَنْ أجتمع وعيه برمزية القاص و لمَنْ بهر بالسرد الفاتن الذي يأخذنا الى عالم الكاتب المتألق في الرسم بالكلمات، والنقش على أبجديتها بمهارة والعزف بعذوبة ورقة طالما افتقدناها في حياتنا الأدبية وإن وجد أساطين يُبدعون ويثرون وينشرون الدفء والسحر في ألباب القراء كُثر. هل يحق لنا أن نقول عمن يُبدع هكذا ويُسعد الحروف ويتبارى معها في سباق أخاذ ويرأف بالجماد و الإنسان صاحب مدرسة جديدة تبشر بالأمل في صلاح ما تخلى عنه من تخلى وراء أهداف اخرى؟!.

مساحة إعلانية