مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

قراءة في مجموعة مفتاح الدار للكاتب كريم سليمان متولي بقلم سمير لوبه

2025-07-13 12:55:06 - 
قراءة في مجموعة مفتاح الدار للكاتب كريم سليمان متولي بقلم سمير لوبه
سمير لوبه - قاص وناقد

المجموعة القصصية مفتاح الدار للكاتب كريم سليمان متولي بدأت بمفتتح المجموعة، قصة مفتاح الدار التي اتخذها الكاتب عنوانا لمجموعته فكان اختيارا موفقًا، تنتمي القصة إلى نمط القصص الوجدانية التي تستند إلى الذاكرة الجمعية تتقاطع فيها التجربة الفردية مع المأساة القومية، يستعرض الكاتب لحظة إنسانية مؤثرة تبدأ بوفاة الجدة، لكنها سرعان ما تتحول إلى استرجاع حيوي لذاكرة النكبة الفلسطينية من خلال رمز بسيط لكنه بالغ الدلالة "مفتاح الدار". 


القصة تعتمد أسلوب الفلاش باك، إذ يعود السارد من اللحظة الحاضرة موت الجدة إلى ذكريات تربطه بها لتنكشف خلفية الشخصية وعمق ارتباطها بالمفتاح كرمز للهوية والحق الضائع، تسير الأحداث بانسيابية إذ تبدأ بصوت الصراخ وتنتهي بالفعل الرمزي القوي حين يرتدي الحفيد المفتاح في لفتة تحمل دلالة واضحة على انتقال الإرث النضالي والوجداني بلغة مباشرة وسلسة خالية من التعقيد، الكاتب هنا يترك للموقف الإنساني والمحتوى العاطفي أن يفعلا أثرهما دون افتعال أو مبالغة، ورغم بساطة الأسلوب إلا أن التأثير النفسي عميق خصوصًا في المشاهد التي تمزج بين الحنين والوجع، مثل مشهد وصف الزيتون أو لحظة احتضان الجدة له عندما اتهمه زملاء المدرسة بأنهم باعوا الأرض.
المفتاح هنا ليس مجرد أداة، إنما هو الحق  الذي لن يُنسى، والدار التي ما زالت تسكن ذاكرة من أُجبروا على مغادرتها، كذلك فإن كراسة الرسم التي يعود إليها الحفيد تحوي بُعدًا تاريخيًا يفسر استمرار النكبة، مما يمنح القصة امتدادًا أبعد من الإطار العائلي لتصبح الجدة هنا تجسيدًا للأم العربية الكبرى التي تحمل همَّ الوطن في قلبها.
مشهد النهاية الذي نزع فيه الحفيد المفتاح من رقبة جدته وارتداه هو يمثل ذروة القصة وبيت قصيدها لحظة صامتة لكنها مشحونة بالدلالة لاستمرار القضية وانتقال الذاكرة من جيل إلى جيل، نهاية متقنة تُغني عن أي خطابة وتضع القارئ أمام لحظة فارقة، إن مفتاح الدار قصة نجحت في تقديم قضية كبرى بحسّ عاطفي دافئ بعيد عن الشعارات من خلال سردٍ بسيطٍ ولغةٍ صادقة لا تتكلف في وطنيتها ولا تتصنع في حزنها، وهذا ما يجعلها مؤثرة وراسخة في وجدان القارئ.
لكن اعتماد الكاتب على الأسلوب التقريري في بعض المواضع خصوصًا عند الحديث عن القضايا القومية قلل ذلك من الإيحاء الأدبي وترك أثرًا خطابيًّا، والشخصيات الثانوية جاءت باهتة،  الأم، الأخوات، والأخت الصغرى حضرن في المشهد دون ملامح خاصة، وإن كنت أود أن تكون لهم ملامح تشارك في دفع تقدم السرد.
ومع ذلك تظل القصة صادقة عاطفيًّا مؤثرة، وتحمل رسالة وطنية نبيلة تصل إلى القارئ ببساطة ووضوح، مما يؤكد أنني أمام مجموعة قصصية أراها ستكون الأقوى لما يتمتع به الكاتب كريم متولي سليمان 
من صدق الشعور، والوعي بالذاكرة القومية، فهو كاتب
يملك حسًا إنسانيًا رفيعًا، ويتعامل مع القضايا الكبرى  كفلسطين والنكبة  من زاوية وجدانية لا صخب فيها، يتناولها بعمق بسيط ينبع من التفاصيل، كما يتضح أنه يميل إلى الرمزية الهادئة، ويجيد استخدام الأشياء العادية  كالمفتاح، الكراسة ليجعل منها رموزًا ثقيلة المعنى دون أن يثقل النص، إن كريم سليمان متولي كاتب يحترم القارئ لا يلقنه درسًا ولا يرفع الشعارات إنما يترك العاطفة تتسلل ببطء وصدق، مما يدل على نضج وجداني وتقدير لقيمة السرد الهادئ في التعبير عن المآسي الكبرى.

مساحة إعلانية