مساحة إعلانية
المحكمة العليا الأمريكية ترفض تأجيل الحكم علي مرشح الرئاسة دونالد ترامب في قضية شراء صمت ممثلة الأفلام الاباحية التي كانت قد اتهمته بإقامة علاقة غير شرعية معها، بالطبع لا ندافع عن الرئيس الأمريكي السابق ولكن من الأهمية أن تبرز علامات استفهام حول أسباب إثارة هذا الأمر في هذا التوقيت قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في نوفمبر القادم، إذا كانت هذه النوعية من العلاقات خاصةً مع تلك الفئة من النساء أمر متعارف عليه بل ومقبول في المجتمع الأمريكي، فلماذا الإساءة إلي الرجل في هذا التوقيت الحساس باستخدام سلاح قد يكون حساس إذا أرادت الميديا الأمريكية ذلك وقد يكون أمر شخصي لا ينبغي التدخل فيه أيضاً إذا أراد الغول الاعلامي المسيطر علي الرأي العام ذلك، فتارة نجد دعوي قضائية تطالب بأحقية الناخبين في سماع أقوال مرشحهم قبل أن يمنحوه أصواتهم وتارة أخري نجد مطالبات أمام القضاء بحظر النشر في هذا الأمر حتي انتهاء ماراثون الانتخابات المقبلة، بينما تنظر محكمة أمريكية أخري قضية متهم فيها ترامب بالتدخل في نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة ٢٠٢٠، التي لم تأتي نتائجها لصالحه، فيما كانت الدستورية العليا الأمريكية قد حصنت قراراته ضد الطعن عليها وقتما كان رئيساً للبلاد، ولعل ذلك هو السبب الرئيس في المخاوف من عودة ( ترامب) إلي البيت الأبيض لأن وقتها ستصبح قراراته محصنة.
وعلي خلفية ذلك تبرز تساؤلات أخري حول أسباب خوف مراكز القوي الأمريكية من أن يأتي رجل الأعمال والاقتصادي الناجح رئيساً للجمهورية، إذا كان اللوبي الأقوي داخل الولايات المتحدة هو اللوبي الصهيوني اليميني المتطرف الداعم لحكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، ولا يخفي علي أحد العلاقة القوية التي تربط ترامب وصهره اليهودي جاريد كوشنر بنتنياهو شخصياً، أما عن العرب فعلاقة غالبية قياداتهم وحكامهم بترامب أيضاً جيدة، حتي أنه استطاع أن يعد جميع الأطراف بأنه قادر علي إنهاء الحرب في غزة وكذلك بين روسيا وأوكرانيا لأنه يحتفظ بعلاقات قوية مع نتنياهو من ناحية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ناحية أخرى، كما أن مواقفه أكثر حسما من المواقف المائعة للديموقراطيين بالرغم من كونه وحزبه أكثر ميلاً إلي دعم إسرائيل ولكن بإمكانه إقناع نتنياهو بوقف الحرب مقابل مواءمات معينة، بينما لا يملك الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس المرشحة لخلافته إلا تصريحات شديدة الميوعة، تدور في فلك (نتمني ونرجو ونناشد).
وفي هذا السياق إذا كان هذا الشخص قادر علي إرضاء العرب والصهاينة علي حد سواء، وقادر أيضاً علي نيل رضا الناخبين الأمريكان الذين ضاقوا من تدفق أكثر من ٣ مليون مهاجر غير شرعي إبان فترة حكم بايدن، تسبب هؤلاء المهاجرين الهاربين من السلطات في انتشار الجرائم والمخدرات داخل المجتمع الأمريكي، بينما يتمسك ( ترامب) بفكرة بناء الحائط علي حدود بلاده الجنوبية ومنع تدفق المهاجرين من المكسيك وامريكا اللاتينية، وبالرغم من كل ذلك يتعرض هذا المرشح لحرب إعلامية وملاحقات قضائية تزيد من شعبيته لدي الشارع الأمريكي وتكشف عن عدم رغبة مراكز القوي الأمريكية أن يصل هو إلي سدة الحكم، هل بسبب أسباب تتعلق برفض إباحة الإجهاض وزواج المثليين، وكيف لمجتمع يفضل مرشح علي آخر بسبب هذه الأمور أن يعترض علي شخص لأنه أقام علاقة بدون زواج مع ممثلة أفلام إباحية قبل عشر سنوات بل ويعاقبه علي ذلك بأثر رجعي، أم أن قانون التأمين الصحي الذي يتبناه الديموقراطيون والمعروف إعلاميا بقانون ( أوباما كير)، وحده هو الذي يرجح كفة ( هاريس) بسبب إعلان ترامب أنه لا يحبذ هذا القانون وسوف يتجه إلي استبداله بقوانين أخرى.
يجيب الخبراء في الشأن الأمريكي عن هذه التساؤلات بأن الدولة الأمريكية دولة قائمة علي أجهزة استخبارات صهيونية تفضل المواءمات والصفقات الخفية علي المواقف المعلنة والواضحة، بمعني أن ترامب لا ينكر دعمه لتل أبيب بل واتخذ قراراً معلنا بنقل عاصمة بلاده منها إلي القدس المحتلة ولكنه لا يقبل عقد صفقات خفية مع جماعة راديكالية متأسلمة لتنفيذ هدف معين ولا يتفاوض من تحت الترابيزة مع نظام مذهبي ذو أطماع استعمارية لتقسيم تورتة الأرض الثرية، ولكنه يعلن صراحة أننا سنضرب إيران بفلوس الخلايجة ( وش كده)، وتلك السياسة ( العفيجية) قد تلقي قبولاً أو غالباً ما تلقي قبولاً لدي الشعوب وأحياناً لدي المؤسسات العسكرية ولكنها لا ترضي مراكز اللف والدوران وزرع الفتن ودق الاسافين، ومثلما يحارب كهنة المعابد وتجار الأديان أي حاكم يسعي إلي تحرير العقول وتنوير الشعوب، خوفاً علي مصالحهم، تحارب مراكز صنع المؤامرات أي رئيس يفعل ما يريد في العلن لأنهم يعيشون ويتغذون علي هذه الألاعيب، ومن نجد المحللون المحايدون يصفونه بأنه اقتصادي ناجح لكنه فاشل سياسياً علي اعتبار أن السياسة من وجهة نظرهم ( لعبة ديرتى).
ومن الأهمية هنا أن نؤكد ونشدد علي أننا لا ندافع عن ترامب لأنه سوف يقدم إلي إسرائيل أكثر مما يتوقعه احد إذا أراد وقف الحرب، ولكنه سيعلنها صراحة أننا سنقضي علي هؤلاء وندك بيوتهم من أجل وقف الحرب، وهو ما يعيدنا إلي نظرية أن الجمهوريين يشعلون الحروب فما بالك برئيس جمهوري عفيجى.