مساحة إعلانية
رؤية: نوره أشرف عبدالظاهر
التمهيد .
العناصر الفنية للقصة القصيرة هي
الفكرة _ السرد _ الزمان _ المكان _ الشخصيات _ الأحداث وهي عبارة عن البداية والحبكة والنهاية
هذه العناصر هي الهيكل الأساسي لطرح قصة قصيرة كاملة الأركان لا ينقصها إلا ثقافة الكاتب وأسلوبه الفكري وموهبة حقيقية وهي صفات بمثابة نفخ الروح في العمل ليصبح قصة قصيرة .
الدراسة الخارجية للمؤلَّف .
جمع الكاتب مجموعته القصصية بين دفتين باللون البني وهو إختيار موفق فهو بمثابة ملجأ من فوضي العالم الخارجي وبحثًا عن الدفء والأمان كونه ينتمي لأمنا الأرض . يتجه نحو الخلفية البنية مجموعة من البشر يحملون حقائبهم خوفًا من مستقبل مجهول تجسد في يسار الغلاف وهو عبارة عن مركبة نارية ملطخة بلون الإندفاع والسرعة وهو اللون البرتقالي . في منتصف واجهة الغلاف إسم المؤلََّف " أنف كبيرة " بخط كبير " وثلاث عجلات " بخط أصغر قليلًا باللون الأسود .يعلوها اسم الكاتب " أيمن الداكر " باللون الأبيض ، وإلي اليمين قليلًا بين حقائب المسافرين كُتبت عبارة " مجموعة قصصية " كنجمٍ يهتدي به هواة شراء الكتب .وأما الخلفية فكانت بلا شروخ كونها تحمل فى نصفها العلوي جزء مقتبس من قصة (حقيبة قماشية صغيرة ) ونصفها السفلي يحمل تعريفًا عن الكاتب وصورته .وهو من تصميم الفنان محمود عبدالناصر .
وصف المحتوي " البناء المعماري " جاء العنوان " أنف كبير وثلاث عجلات " معبرًا عن هدف المجموعة كونه المصباح الذي ستقرأ علي ضوئه المجموعة فالأنف الكبير فى بعض الثقافات علامة من علامات الجمال ولكنه في ثقافتنا وفي العصر الحديث تعتبر الأنف الكبير سمة من سمات القبح .تحتوي المجموعة القصصية في خمسة وثمانين صفحة علي ثمانية عشر قصة قصيرة وأربع قصص قصيرة جدا . وهي الطبعة الأولي والصادرة عن دار النشر أكوان .نسير بخطواتٍ هادئة نحو الإهداء حيث كان الوصف الأول أنها وسيلة عرجاء والمتعارف عليه فى المركبات النارية التوازن الذي افتقده " التوك توك " شكلًا ومضمونا ، ولكن لم ييأس الكاتب من رفع راية الأمل قائلا : الحالمين بغدٍ أفضل ، غداً أفضل .
لا زلنا نسير بنفس الخطوات إلي جانب الأبيات الصاخبة لبيرم التونسي والتى كانت بمثابة تمهيدًا لعربةٍ يحمل فيها الراكب حياته بين يديه .احتوت المجموعة على قصص مستقلة وأخري توالت بنفس الشخصيات وبتناغم واحد كمتوالية سردية وهذا بمثابة نبتة صغيرة لروايات آتيه . حينما رسم لنا الكاتب التوك توك الأعرج بخط عريض كتب بنفس الخط عن الزوجة والأبنه والأم والحبيبة .في قصته الأولي " السقوط " عندما هوي الزوج من أعلي سقالة الطابق الثالث وقال الطبيب أنه سيلزم الفراش بقية حياته كان هناك زوجة مخلصة بمثابة أرض لينة أحتضنته قبل اصطدامه بأرض الجوع وعار الفقر .
والأبنة زينب صاحبة ( المريلة الزرقاء ) كان طريقها للعلم ملغمًا حيث دفعت حياتها ثمنًا لإختيارات أبيها ، ونزوة نبتتْ بين حمدي وزوجة أبيها في جوف المركبة العرجاء .ظهرت شخصية الأم والزوجة في ( بين المقابر ) بعد عجز زوجها تحملت هى عبأ الكد والخروج لساحة العمل وكانت بين الرجال رجلًا فقد تمكنت من ذراعه واختطفت المطواة من يد سائق الأعرج .الأم ربة المنزل التي تعمل كالنحلة دون كلل علي راحة أبنائها وتربيتهم في ( بطة مكتنزة عوارضها ) ( الضاكتور ) كانت مربية وصديقة وأم حنون .أما الحبيبة فتمثلت في صورة المدينة القديمة التي احتضنها بعينيه عقب وصوله من الغربة محاولًا استرجاع ذكرياته معها ، غير أنها تزوجت وأصبحت أمًا لكثير من الأبناء وقد سمنت كثيرًا وأبيض شعرها وفقدت بعضًا من أسنانها ، لكن لازال صوتها حنونًا ، وأنفاسها عطرة دافئة ، غير أن الخنفسة السوداء قد أفسدت لقاءه الأول بها .ناقش الكاتب عددًا من الظواهر الإجتماعية كالفقر وعمالة الأطفال والجهل والهجرة وانتشار البطالة فالأخيرة كانت بمثابة الدافع الأقوي لإنتشار التوك توك .ولم ينسي الكاتب أيمن الداكر أن يلقي الضوء على انتشار الفساد الإداري والتلاعب السياسي كما في قصتي ( حوالة بنكية - الأزرق ) .والسير خلف المضللين وتقديس الأولياء كما حدث مع الشيخ الذي ضلل قرية بأكملها بل تجاوز القري المجاورة تحت عباءة الدين وسبحة ونفخة عطرية وكلهم منه براء ، نجد هذا في قصة ( حقيبة قماشية صغيرة ) .بالرجوع إلي قصة السقوط نجد أن الكاتب ذكر الشخصية التي تتبعت ستر عامل البناية وعلي النقيض ذكر العم جرجس كرمز للوحدة الوطنية حيث أهداه العم جرجس حزامين قويين من الجلد الأسود كنوع من المواساة في مصابه .لم يذكر الكاتب أيمن الداكر المكان وهو مكون أساسي لعناصر القصة القصيرة فشارع النادي الرياضي وميدان الساعة والقيسارية كلها أماكن يمكن أن توجد في أى مدينة ولكن ربما فعل ذلك عمدًا ليوضح للقارئ أن التوك توك ما هو إلا وسيلة نقل فاقدة للهوية ولا يمكن أن تنتمي لوطن أو مكان بعينه لكنها كزرع شيطاني يمكن أن ينبت في أى مكان .
ظهر التوك توك في أواخر عام ٢٠٠٥ م ووجوده فى الأقاصيص كان رمزًا خفيًا للزمن والذي يعتبر من أهم العناصر الفنية للقصة ومع ذلك ذكر لنا الكاتب أيمن الداكر الزمن في عبارات صريحة ( الشمس تحبو نحو كبد السماء ، الليل ، النهار ، لم تكن الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحًا ) ربما لجأ لذلك ليضئ الطريق للراكبين ، وربما أراد أن تكون القصة متكاملة الأركان حينما تنشر منفردة .
جاءت اللغة ما بين الفصحي والعامية ، ولكن كان يغلب علي المجموعة القصصية اللغة الفصحي وتعمد الكاتب أن تكون اللغة علي ألسنة سائقي التوك توك عامية ربما أراد أن يوضح لنا مدي تدني مستواهم الذوقي في التعامل مع الآخر هذه واحدة وربما أراد أن تكون الشخصيات قريبة للقارئ وهذه الأخري .
جمع الكاتب أيمن الداكر في مجموعته القصصية أنف كبير وثلاث عجلات بين أسلوبي السرد والوصف وأضاف إليهما لغة الحوار . التنوع واستخدام الأفعال المضارعة والدرج والتنقل بين القري والشوارع كان مناسبًا لمحتوي المجموعة ودمج القارئ بسهولة بين صفحاتها .
ختامًا لا ندعي بهذه الدراسة الإحاطة بكافة جوانب أقاصيص المجموعة خاصةً و أن ما بين سطورها أكبر بكثير من أنف كبير وثلاث عجلات .
ومن أجمل ما قيل عن الضمير " أنه لا يمنعك من فعل الخطيئة ، لكنه يمنعك من الاستمتاع فيها " . فإن كنت سائق توك توك لا تعرف الحق من الباطل ولا تعرف الألف من الياء كما يعرفه الغارقون في العلم لكنك في النهاية تمتلك مثلهم ضمير ، والتوك توك لم يكن إلا عاملًا مساعدًا أيقظ في النفس البشرية جانبها المظلم ودفعها بخطوات سريعة عرجاء نحو الظلم والموت والخداع .