مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب: علموا أطفالكم القراءة

2025-08-30 05:21:43 - 
الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب: علموا أطفالكم  القراءة
الشاعر الدكتور مصطفي رجب

المتأمل في وضعية فرع ( القراءة) بوصفها إحدى مهارات اللغة الأربع [ القراءة – الكتابة – الاستماع – التحدث]  في مدارسنا العربية يلمس بوضوح  ، إهمالا جسيما ، وتقصيرا شديدا في إيلاء هذه المهارة ما يليق بها من رعاية واهتمام . وقد يكون السبب في ذلك قصورا حقيقيا في إعداد معلمي اللغة العربية من ناحية ، وتقصيرا من جانب الأسرة أيضا ، فضلا عما حاق بأجيال شبابنا من حالة ( بَكَم) حقيقي بسبب إدمان الجلوس إلى الحاسوب وممارسة الحوارات كتابيا . مما أضعف قدرتهم على النطق والارتجال والتعبير الواضح عما يريدون .
ولا شك في إدراك جميع أطراف العملية التربوية المؤكد لكون القراءة هي الأساس الذي يقوم عليه بناء شخصية التلميذ ، ومن خلالها يتمكن من تحصيل مختلف المواد الدراسية طوال سنوات دراسته ، والتمكن من مهاراتها يؤدي إلى التقدم السريع في أنواع المعرفة المختلفة ،  كما أنها وسيلة للإبداع والابتكار .
فالقراءة مطلب أساسي من متطلبات العصر الحالي لاكتساب خبرات جديدة ومعرفة حديثة متجددة ، بل إنها الوسيلة لتطوير قدرات القارئ الفعلية ولأنماط تفكيره ، فهي عملية يتم من خلالها إعادة بناء النص بصورة فكرية من خلال التواصل الفكري والوجداني والثقافي بين القارئ وكاتب النص ، فهي عملية تفكيرية هدفها الخلق والإبداع
ويرى التربويون أن ليس هناك ما يعلو القراءة  شأنًا في رقي الأمم وحضارتها ، وما من عالم كبير أو مخترع عظيم إلا كانت وسيلته إلى العلم والاختراع القراءة الناقدة والقراءة الإبداعية .
ويتفق التربويون على أن أهداف القراءة بالنسبة للتلاميذ وبخاصة في نهاية المرحلة الابتدائية لبنائهم لغوياً وثقافياً هي : -
1- تزويد التلاميذ بالثروة اللغوية المناسبة وغرس الميول القرائية في نفوسهم ومساعدتهم على تذوق النصوص الأدبية ومعرفة ما بها من جمال . 
2- القدرة على النطق الصحيح والقدرة على التعبير السليم في وضوح . 
3- القدرة على فهم المقروء فهماً دقيقاً واستنباط ما فيه من معلومات وخبرات تفيد التلميذ . 
4- القدرة على دراسة الأفكار والمقارنة بينها وبين غيرها من الأفكار الأخرى وإصدار الأحكام عليها . 
5- كذلك نمو إدراك التلاميذ العقلي وارتقاء أذواقهم الأدبية وذلك بإطلاعهم على النصوص الأدبية . 
والقراءة  ، كلما كانت متعمقة مخططا لها بعناية ،  تنمي قدرات الفرد العقلية ، وتوسع تفكيره ، فهي أحد أساليب ترقية  سلوك المتعلم في التفكير ، ومن خلالها يصل التربويون بالمتعلم إلى أعقد مستويات الفهم وهو ما يسمونه  " التركيب "  ويراد به أن يفكر المتعلم بطريقة تباعدية فيتعمق في النص المقروء ، ويكتشف المشكلات ، ويبحث عن الأسباب ، ويحور ويبدل في المادة الدراسية مما يقوده إلى أصالة التفكير وامتلاك التعدد في وجهات النظر، وجمع خبرات النص المقروء في نسق كلي جديد ، فالقراءة هي المسبب للتفكير الابتكاري ، وبذلك يتعذر فصلها عنه
ولذلك ، أكدت بحوث كثيرة وجود علاقة وثيقة موجبة بين قدرة الطلاب على التفكير الإبداعي وأدائهم لمهارات القراءة الإبداعية ؛ ذلك لأن القراءة عملية عقلية يحتل التفكير معظم جوانبها ، وليست مهارة آلية بسيطة .
          
ومن هنا يجب على مدارسنا العربية أن تتحمل مسئوليتها في تنشئة جيل يجيد التفكير قادر على النقد والإبداع من خلال استخدام إستراتيجيات وتقنيات حديثة تتيح الفرصة لاستخدام أساليب تفكيرية متعددة ، وتشجع التلاميذ على الوصول إلى مستويات أعلى في قدراتهم التفكيرية والإبداعية.

نخلص مما سبق إلى أن الاهتمام بالقراءة – في مدارسنا العربية -  أصبح من أهم من متطلبات العصر الحالي ؛ فهي منهل المعرفة ، وكنز العلوم ، بل إنها المدخل الصحيح الواقعي للتعلم ورقي الشعوب ؛ ولذا احتلت القراءة مركزًا مرموقًا في مجال الدراسات التربوية ، ولم يكتف الباحثون في مجال القراءة بالوقوف عند مستوى النقد والاستنتاج بل تطور الأمر إلى مستوى الإبداع والابتكار. 
ولا خلاف بين التربويين على أن تعليم القراءة للتلاميذ في المراحل الأولى من تعليمنا العربي يتم على عدة مراحل هي : -
1- مرحلة الإستعداد للقراءة : -
 وهي مرحلة ما قبل المدرسة حيث يتحمل المنزل مسؤولية تهيئة الفرصة لتنمية عادة القراءة وحبها لدى الطفل وذلك بتقديم الكتب والقصص المصورة للطفل وقراءة القصص وحكايتها له بطريقة تجعله متشوق لقراءتها ويستطيع الوالدان غرس حب القراءة في الطفل وذلك بأن يقوموا بالقراءة أمام الطفل بشكل شبه دائم والمحافظة على الكتب في مكتبة المنزل وتعويد الطفل على ثراء الكتب والاهتمام بها . 
 وبعد ذلك ينتقل الطفل إلى مجتمع آخر وهو رياض الأطفال أو دور الحضانة وفيها يلتقي الطفل بالمعلم الذي ينمي فيه الاستعداد لتعلم القراءة وذلك في خلال تحبيبهم في القراءة وحثهم على الإطلاع وقراءة القصص والأناشيد . 
2- مرحلة بدء تعليم القراءة :-
 وتبدأ حين يدخل الطفل المدرسة ويبدأ المعلم معه في معرفة مدى استعداده لتعلم القراءة حيث يعمل على تشجيعهم وتنمية إتجاههم نحو حب القراءة وأن يساعد التلاميذ الذين ليس لديهم استعداد للقراءة وذلك لتنمية حب القراءة وغرسها في نفوسهم حتى يكونوا مؤهلين للبدء في تعلم القراءة . 
 والاستعداد للقراءة يشمل النمو العقلي حيث يجب أن يصل العمر العقلي للطفل إلى ست سنوات حتى يتمكن من القراءة وكذلك يشمل الاستعداد للقراءة النمو الجسمي وهو الخلو من الأمراض وسلامة السمع والبصر وسلامة الصحة العامة وكذلك النمو الانفعالي. 
 وفي هذه المرحة وهي الصف الأول الابتدائي غالبا يتعلم الطفل القراءة وكيفية نطق الحروف وفهم معانيها وفي خلال هذه المرحلة يصبح الطفل شغوف بالقراءة والموضوعات التي يقرأها ونجد أن الطفل الذي يتميز بمستوى عالي من الذكاء يحرز تقدماً في القراءة عن غيره من باقي التلاميذ ويكون الاعتماد الأكبر في هذه المرحلة على القراءة الجهرية دون الصامتة حتى يتعود الطفل النطق السليم ومعرفة الحروف وأصواتها ونطقها الصحيح . 
3- مرحلة التوسع في القراءة : -
 وهذه المرحلة تضم الصفين الثاني والثالث من المرحلة الابتدائية وتتميز بالتقدم السريع في القراءة والتلميذ فيها يكون شغوف بالقراءة ودقة الفهم وكذلك الانطلاق في القراءة الجهرية وسرعة القراءة الصامتة حيث تزيد سرعتها عن القراءة الجهرية ويستطيع التلميذ قراءة القصص والمعلومات وقطع الأدب السهلة . 
4-مرحلة توسع خبرات القراءة : -
 وهي تشمل نهاية المرحلة الابتدائية وبداية المرحلة الإعدادية وفيها تتميز بالقراءة الواسعة التي تزيد من خبرات القارئ وتزيد من قدرته على الفهم والنقد والتفاعل وزيادة الكفاءة في سرعة القراءة وخاصة الصامتة لما لها من أهمية قصوى في هذه المرحلة ونجد أن القراءة الجهرية في هذه المرحلة تتحسن بشكل ملحوظ وكذلك تتسع ميول التلاميذ في القراءة ويرتفع ذوقهم وتنمو لديهم مهارة استخدام الكتب ومصادر المعلومات . 
 وعودة إلى مهارات اللغة العربية السابقة ذكرها نجد أن القراءة تحتل مركزاً مهما في المرحلة الابتدائية وذلك لكثرة تداولها واعتماد اللغة العربية عليها في جميع فروعها ففي المراحل الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية تعمل القراءة على تثبيت العادات القرائية الصحيحة حتى يتعود التلاميذ القراءة والنطق الصحيح مع فهم المقروء والقراءة كذلك  في المرحلتين الرابعة والخامسة لها أهمية حيث يتم التركيز على القراءة الصامتة التي تناسب التلاميذ في هاتين السنتين من المرحلة الابتدائية .

مساحة إعلانية