مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

ثنائية الذات والآخر في استقالة ملك الموت لصفاء النجار

2023-07-21 00:43:52 - 
ثنائية الذات والآخر في استقالة ملك الموت لصفاء النجار
غلاف الرواية
منبر

ناصر كمال - قاص
إن الأعمال الأدبية التي تتناول المرأة متنوعة وكثيرة سواء كان كاتبها رجلا أو امرأة، ولكن بالقطع نظرة الرجل إلى المرأة تختلف كليا عن نظرة المرأة إلى ذاتها وخاصة في الأعمال الروائية التي تصف لنا قضايا وواقع المرأة عبر أزمنة عديدة، رغم أنه من المفارقات أن أول رواية تؤرخ كبداية للرواية العربية هي رواية "زينب" كتبها في الحقيقة رجل وهو الأستاذ محمد حسين هيكل، وتتحدث عن الفتاة المقهورة في الريف المصري نتيجة لتراث من العادات والتقاليد، وبعد مرور قرن من الزمان نرى الآن العديد من الروائيات اللاتي قدمن لنا طرحا مختلفا للمرأة في ظل عصر العولمة والحركات النسوية المطالبة بحقوق أكثر للمرأة، ورغم كراهية البعض للتصنيف إلا أن له دوافع أكاديمية في رأيي للبحث في نقاط الاختلاف والاتفاق بين الأدب النسائي من جانب والأدب في مفهومه العام من جهة أخرى.
 وبالنظر إلى الرواية النسائية كمثال، نجد أن الذات النسائية تملأ فضاء النص في مقابل تهميش الرجل كنوع من خلق عالم مواز للواقع الذكوري الذى يهمش المرأة في جميع مجالات الحياة عن قصد أو عن غير قصد أحيانا ومنها الإبداع، وهذا ما نجده في رواية استقالة ملك الموت للكاتبة والصحفية والإعلامية صفاء النجار فرغم أن الرواية تقوم على بناء ثنائيات من الرجل والمرأة إلا أن الرواية لم تتطرق إلى الشخصيات الذكورية بالعمق الذى أبحرت فيه في شخوص الرواية من النساء، فوصفت أحاسيسهن المختلفة بالتفصيل الدقيق، وكأنها تقدم لنا تشريحا لروح المرأة ورؤيتها للأشياء من حولها. 
تقوم الرواية على وجود الثنائيات على مستوى القص نفسه، حيث تتكون الرواية من اثني عشر فصلا يتناوب الراوي فيها كلا من حسنة الفقي بطلة الرواية وملك الموت، وهناك ثنائيات بين شخوص الرواية، فنجد العلاقات بين حسنة الفقي بطلة الرواية وهي مركز الأحداث والرواية وكلا من أبيها وزوجها فؤاد الكاتب وأخيها يحيي وملك الموت نفسه، وأيضا بين كل من صفية ورزق زوجها وصفية ويحيي عشيقها، وثنائية راوية ابنة حسنة وزوجها عوض، أما حبيبة حفيدة حسنة الفقي فهنا الرجل يختفي تماما ليحل محله العلم فقد فضلت الحمل عن طريق الهندسة الوراثية، وكأن الكاتبة تتنبأ هنا بالمستقبل الذي سوف يكون فيه للمرأة عالمها الخاص الذي تتخذ فيه اختياراتها دون الوصاية الذكورية.
 الراوي الخفي
لقد استوقفني عند قراءة الرواية التقنية التي استخدمتها الكاتبة في الروي، فمن المفترض أن هناك راويين أساسيين هما: حسنة الفقي وملك الموت بالتناوب، ولكن الكاتبة في كل فصل تستخدم المونولوج الذاتي حيث يتحدث الراوي إلى نفسه ثم تتحول فجأة دون تمهيد لتتوجه إلى القارئ بحديثها، وأحيانا تحس بأن المؤلف نفسه هو من يقوم بالروي من خلال استخدام مفردات خاصة تنتمي إلى عالم الأدب والأدباء وليس لسيدة ريفية أو ملك للموت له مهمة خاصة هي قبض أرواح البشر، وتلك التقنية تجعل القارئ ليس العادي فقط بل من يتصدى حتي لدراسة الرواية في حالة من التركيز الشديد وإلا فقد التواصل بين أجزاء الحبكة الروائية، وخاصة أن التطور الزمني لفضاء الرواية غير محدد، فالكاتبة أيضا تدمج بين الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد، فمثلا في الفصل الأول وفى صفحة ١٠ تصف لنا حسنة الفقي في فترة طفولتها طقس العدودة في الريف حيث تعمل والدتها معددة في الجنازات : 
"فتأخذ المنديل دون ان تنظر فيها وترد المنديل إلى صاحبته"
ثم تنتقل بنا بعد هذه العبارة مباشرة إلى مونولوج داخلي تتحدث فيه إلى نفسها، وتعبر بنا الزمن إلى حياتها بعد الزواج وموت ابنها فتقول: 
"نفس البكائيات كتب عليك أن تردديها بعد ثلاثين عاما... في تلك اللحظة كنت في مركز الضوء، وصورة منير لا تفارق عينيك"
هذه التقنية في الكتابة التي تنتقل فيها الكاتبة عبر الزمان والمكان وطريقة السرد في نفس الفصل بل في نفس المقطع تأسر القارئ حتى يظل ماسكا بخيوط الرواية وملما بأحداثها، وتعطي الإيحاء بأن هناك عددا من الرواة وليس راو واحد لأجزاء كثيرة في الحبكة الروائية.
وفى صفحة ٣٢ يصف لنا ملك الموت جمال حسنة الفقي، ثم يضيف أنها مع مرور الأيام سوف تكتسب جمالا يطلق عليه خبراء الإعلام جمال الشهرة، وتلك العبارة تنطبق أكثر على الكاتبة التي تعمل كصحفية وكمقدمة برامج تليفزيونية حيث تنتمي العبارة لها أكثر من انتمائها للبطلة التي لم تغادر محيطها الإقليمي، ولا نستطيع أن نقول أنها حققت شهرة جارفة تغير من شكلها المعتاد، وبالتالي في رأيي الشخصي هناك دائما راوي خفى يطل علينا بين جمل الرواية، فأحيانا يكون الكاتبة نفسها وأحيانا حسنة الفقي حيث تستدعي ذاتها من الماضي أو المستقبل بخبرات مختلفة عن خبرات المشهد المعنى بالسرد، وبالنسبة لملك الموت نري ملكا مهموما بعمله أحيانا ونري هناك رجلا مستنيرا متعاطفا مع المرأة في خطابه وليس ملاكا للموت أحيانا أخري، وهكذا تتناوب مفردات السرد لترسم لنا صورة بألوان مختلفة ولكنها متناسقة ومشوقة وماتعة أيضا.
ثنائيات الذات والآخر 
منذ اللحظة الأولى تطالعنا ثنائيات يكون طرفها الأول امرأة، حيث قامت الكاتبة بوصف دقيق وبالتفصيل الشديد لما تحسه وتفكر فيه المرأة وتحلم به وتراه في عالمها، في حين أن تمثيل الآخر وهو الرجل في الغالب فكان بمقدار ما يمثله للمرأة نفسها، ولذلك يمكن أن نطلق على رواية ملك الموت رواية نسائية بامتياز.
في البداية تصف لنا حسنة الفقي علاقتها بملك الموت، وفى نهاية الرواية يصف لنا نهاية علاقته بحسنة الفقي، وفى ظل الأجواء التي كانت تعيش فيها حسنة الفقي وهي طفلة صغيرة كان ملك الموت ضيفا دائما في حياتها، وكان في البداية صديقا محببا لها حيث تقول: 
"كنت تعبر بي الشارع تمسك بيدي لا أشعر بملمس جلدك، ولكن إحساسا بالأمان يسري في عروقي"
كان يمثل لها الأمان، وأعتقد أن هناك رمزية في شخصية ملك الموت هنا، فهو بالنسبة لها يمثل الآخر أو الرجل التي تحتاج لإحساسها بالأمان معه أكثر من أي شخصا آخر، ولكن بعد أن تزوجت خفتت العلاقة بينهما لأنها وجدت الرجل الذي صنع لها عالمها الرحب في البيت الكبير، وهو زوجها ابن الحسب والنسب فؤاد الكاتب، ومعه بدأت تحس بالأمان الحقيقي، والكاتبة تظهر لنا هنا أن المرأة لا تستطيع أن تغفر للرجل التخلي عنها ولو بالموت فتقول له:
 "كيف أمكن لك أن تتصورني بهذا الشكل ؟ ساذجة وعبيطة، وأنا التي صدقتك في كل ما قلت .. وللمرة الأولى أرى عينيك التي تحدثوا عنها كثيرا ، حزينة والدموع معلقة فيها وقررت الانسحاب وتخليت عني"
 حتى ملك الموت بعد أن قبض روح أبيها وزوجها فؤاد الكاتب وابنها منير، بدأت تنفر منه لإحساسها بأنه تنكر للصداقة التي بينهما.
وصورة الرجل في الرواية كمرادف للآخر تبدو باهتة ومهمشة بشكل كبير في الرواية، فهو لا تعنيه إلا ذكوريته منذ أن كان طفلا (الطفل الذي كان يتباهى بعورته عند الترعة لحسنة) وحتى يكبر مثل شخصية رزق الذي كان يهتم فقط بقدرته على الإنجاب، رغم أنه يدرك في قرارة نفسه أن بناته الثلاثة في الغالب من رجل آخر، وهو يحيي الفقي، ونجد أيضا شخصية مثل عوض زوج راوية ابنة حسنة الفقي خاويا من كل شيء ما عدا ذكوريته التي تأخذ شهرة واسعة.
في المقابل نجد صورة المرأة أكثر بروزا ووضوحا وتملأ فضاء الرواية منذ البداية، فحسنة الفقي تمثل المرأة القوية التي تصاحب الموت وترقص معه في النهاية، و "راوية" ابنتها الفتاة المحافظة الأصولية التي لها أفكار معينة ظهرت منذ السبعينيات، في مقابل لشخصية الكاتبة نفسها التي تناقض هذا الاتجاه بقولها على لسان حسنة الفقي:
  "أية سبعينيات قميئة تلك التي أتت بالغربان إلى بيتي"
وهناك شخصية صفية الفتاة التي ترضخ للسلطة الذكورية للمجتمع بعد أن ضربها والدها، فتتزوج رزق رغم حبها ليحيي الفقي، ولكنها بالطبع تتمرد على تلك السلطة من خلال حياتها السرية مع يحيي والتي أنتجت ثلاثا من البنات.
ومن الشخصيات النسائية في الرواية أيضا وتبدو لنا شخصية غامضة هي حياة ابنة عم فؤاد الكاتب، التي رفضته وفضلت أن تعيش عاجزة في غرفتها وفي عالمها الخاص، وهي تمثل المرأة التي تخاف المجتمع الذكوري فتنزوي وتعيش بعيدا عنه.
استقالة ملك الموت
الملاحظ أن ملك الموت في جميع فصول الرواية يعمل بجد ليحصد أرواح الرجال، بينما قلما نجده يحصد أرواح النساء فظلت كل الشخصيات النسائية حية بما فيها حسنة الفقي والتي أبي ملك الموت أن يقبض روحها، وترك تلك المهمة لموت شاب بينما مات أو اختفى عن فضاء الرواية ومشاهدها الرجال، وأعتقد أن هذا يمثل هاجسا للمرأة فالموت ليس هو مشكلتها بل هو فقد الأمان المتمثل في الرجل رغم كل ما يعنيه من سلطة تحد من أحلامها، لنصل إلى نقطة مهمة هو أنه مهما كان ما بين المرأة والرجل من تنافس وصراع إلا أنه في نهاية المطاف فإن أحوال الرجل هي نفسها أحوال المرأة، كما ذكرت الكاتبة  ذلك بمقولتها في الإهداء إلى زوجها: "إلى محمد الباز... كل أحوالك أحوالي"

مساحة إعلانية