مساحة إعلانية
حلم كل كاتب أن يرى عمله النور وأن تلامس يداه الأوراق التي تحمل مداد روحه وعقله وقلبه وهذا حقٌ أصيلٌ من أبسط حقوقه ولا يحق بكل حال من الأحوال لأي دار نشر أن تهدم حلمه وحقه، أن تقذفه ببعض المصائب أو الشروط التي تسقطه من سماء الأحلام لأرض الواقع البائس، قبيل ذلك حين يبدأ التواصل مع دار النشر أول ما يسأل عنه (خارطة التوزيع) ظناً منه أن ذلك هو اكتمال النور الذي سوف يبدأ عندما تطبع حروفه؛ وإليك عزيزي القارئ خارطة التوزيع التي تسأل عنها، ولكي نستهل الشرح يخطر بالذهن سؤال هام ألا وهو: التوزيع بالنسبة لك ككاتب للتباهي والتفاخر؟! أم حقاً تريد أن تُقرأ كلماتك كما أردت أن ترى النور؟
إن كنت من محبي التباهي والتفاخر فالمقال ليس لك، فهو رسالة لمن يحمل على عاتقه هدف ثقافي وفكري يؤثر في المجتمع، وليس لمحبي (الشو) و(اللقطة)..
بداية لابد أن ندرك يقيناً أن الدار والكاتب حلقة لا تكتمل إلا ببعضها؛ فكما يأمل الكاتب تواجد كتابه بمكتبات متعددة، الدار كذلك ترجو الانتشار وأن تتواجد بكل مكان فلا انشطار بينهما كلاهما يسعى لهدف واحد.
تجتهد كل دار للتواصل مع المكتبات المنتشرة داخلياً وخارجياً من أجل اتفاق تعاون للتوزيع، تملي المكتبة شروطها أن نسبتها (س) وهذه النسبة تختلف من مكتبة لأخرى بداية من 35% وحتى 50% وكذلك المؤسسات الحكومية الخاصة بالتوزيع، وهي نسبة تفوق نسبة الكاتب والدار، الكاتب الذي أجتهد وبحث وسهر الليالي وكانت كلماته كنزيف يخرج من دمه، والدار التي حملت بفريقها التدقيق والتصميم والتنسيق وتابعت الطباعة وكافة الخطوات ليرى عمل الكاتب النور؛ تصبح نسبة المكتبة التي لم تبذل أي مجهود يذكر أعلى من الذين كدوا كثيراً، ليس هذا فحسب فالمكتبة ترفض تماماً أن تتحمل أي شيء سواء في الشحن ذهاباً أو إياباً، وليت ذلك آخر ما تفعله المكتبات بل تفعل ما هو أسوء وربما بعضكم لمس ذلك بنفسه، توضع كرتونة الكتب مغلقة كما أرسلتها الدار وحين يذهب شخص ما للسؤال عن كتاب يفتح الموظف بالمكتبة الكرتونة أمامه وربما تكون ملقاه بالمخزن أيضاً، وأحياناً يتكاسل الموظف أن يبحث بالكرتونة المغلقة فيبلغ السائل بعدم تواجد الكتاب.
والآن نطرح مثال عملي حدث ويحدث قد لا يدركه الكاتب:
الدار تبدأ بتجهيز الكتب في كرتونة وفق الشروط التي فرضتها المكتبة والتي أساس الأساس بها لا شعر لا خواطر لا كتب نثرية وقليل جدا من المجموعات القصصية وما يرسل فقط الروايات والكتب العلمية، ثانياً من كل كتاب نسختين أو ثلاثة على الأكثر لأن المساحة بالمكتبة لا تكفي، ثالثاً بحد أقصى 20 إصدار أو 30 إصدار من دار تحمل عشرات بل مئات الإصدارات، تخضع الدار للشروط وإلا تصبح دار بلا توزيع وينفر منها الكاتب الذي لا يدرك الحقيقة ويسعى خلف السراب، يتم التجهيز وفقاً للشروط ويتم الشحن أقل شيء حالياً تقديراً 90 جنيه للشحن ذهاباً لشحن كرتونة بها 100 كتاب تقريباً، تحدد الدار الأسعار وفق إعلامها للكاتب ويعلن الكاتب عن ذلك، وتتوالى المفاجآت (الكتاب غير موجود) رغم أنه مرسل فعلا، (بيطلعوه من كرتونة تحت مكتب) رغم أنه مرسل من فترة كافية، (السعر مختلف عن المذكور) رغم الاتفاق، تنهال على الدار الشكوى والغضب وبدورها تتواصل الدار مع المكتبة لوقف سيل الظن الخاطئ فيكون رد المكتبة كتالي: (أدباء الدار عندكم مش معروفين واحنا عندنا إيجار وكهرباء وعمالة) فترد الدار يا سيدي أرسلنا الكتب عشان اللي مش معروفين يتعرفوا، ثم من أين حكمت أنهم معروفين أو لأ؟!، الأهم سيدي ليه وافقت بما إنك هتخبي الكتب دي حتى زحمة عندك؟، وليه رفعت سعر كتب اللي مش معروفين رغم إننا متفقين لأن رفع السعر هيخلي اللي مش معروفين ميتعرفوش أساساً، فيرد (أحنا عندنا مصاريف كتير ولازم نعوضها) رغم أنه أخذها في النسبة ورغم أنه لم يدفع شيء يذكر، فيصبح الصمت هو عنوان الموقف لعل الله يحدث أمرا، تمر الشهور حسب الاتفاق إما ثلاثة شهور أو ستة أشهر، وتعاود الدار التواصل للحساب، يوماً وأيام دون رد على رسائل أو الاتصال، حين الرد يكون قولاً واحداً (هنعمل الجرد ونبلغك)، تنتظر أيام وأسابيع وتقترب من وقت المحاسبة الجديدة ولا حياة فيمن تنادي، وهي فترة يستمر فيها ضغط الكاتب على الدار وله العذر فهو لا يدري كواليس ذلك، بعد عناء شديد يرسل كشف المبيع تجد به لا مبيع إطلاقاً، وإن كانت مكتبة مجتهدة مبيعها ثلاثة كتب وإن عظمت وارتفع شأنها كانت خمسة كتب، ثم يطلب أن يرجع لك الكتب فهي تسبب زحام بلا داعي، يرجعها مع شركة شحن وتدفع الدار المرتجع مرة أخرى 90 جنيه جديدة في أقل تقدير لتكلفة شحن، تفتح الكرتونة المرتجع تجد الكتب في حال غير الحال فمنها ما قُطع ومنها ما أهلكته المخازن، ومنها ما دمرته الشمس، والدار التي ترعى الله في عملها لن تبلغ الكاتب أن هناك هالك يتحمله الطرفان، بل تطبعه من جديد أو تحاسب عليه أنه مبيع وهو ليس كذلك، نتطرق لكشف المبيع الذي آتى به ما بين ثلاثة كتب أو خمسة كتب ولن نذكر مكتبة لم يحدث بها مبيع إطلاقاً فالأمر جلي فيها، فرضا كل كتاب به ربح 20 جنيه كما حددت الدار مع المكتبة ولأعلى مبيع خمسة كتب يصبح الإجمالي (100 جنيه)، وبذلك الدار خسرت بغض النظر عن الكتب التي استهلكت (80 جنيه) من تكلفة الشحن ذهاباً وإياباً، وعليها أيضاً أن تزيد خسارتها بمنح الكاتب نسبته أيضاً، هنا يطرح السؤال نفسه (ماذا استفاد الكاتب أو الدار؟!)، كتب لا تُعرض.. مبيع لا يذكر.. فما هو إلا سراب يُلقي بالجميع للوهم ويضع المجتهدون بين أنياب المستغلون..
هل تعلم عزيزي الكاتب أن هناك مكتبات ومعروفة بالاسم لا تستطيع دار النشر أن تحصل منها على كتب أو حتى مبيع ورفع عليها العديد من الشكاوى ولا تبالِ، هل تعلم عزيزي الكاتب أن الكثير من المكتبات تقتل الكلمة الصادقة والإبداع الحق وتلهث خلف الأعلى مبيعاً حتى وإن كان التفاهة، هل تعلم أنك بضغطك على الدار بقولك (أين كتابي) أو (أين التوزيع) جعل المكتبات تملي الشروط وتعلن الجبروت ولا يشغل بالها إلا ربحها وانت ككاتب لا يعنيها أمرك إطلاقاً.
عزيزي الكاتب عزيزي الناشر أنتما الأكثر اجتهادا وتعبا وسعيا وهدفكما مشترك وأنتما فقط من تستحقا أن يُكلل سعيكما بالخير فلابد أن تتكاتفا فلا يضغط أحدكما على الآخر ولا يقصر أحدكما تجاه الآخر، يجب أن تسود الثقة بينكم وتبحثا عن البدائل وتمنعا استغلال المكتبات وجبروتهم، واعلموا أن بكل مجال الصالح والطالح وإحقاقاً للحق فهناك مكتبات وإن كانت تُعد على أصابع اليد الواحدة فعليكما أن تدعموها وتضعوا أنف المتسلطين والنصابين تحت الأرض، الصالح معروف ولن أذكره كي لا يظن البعض أن أروج دعاية لمكان ما، والطالح بيّن ولا تأخذوا بالمظاهر فليس كل ما يلمع ذهبا.
*الدكتور محمد وجيه رئيس مجلس إدارة ديوان العرب للنشر والتوزيع