مساحة إعلانية
قد تكثر الآراء وتختلف وجهات النظر لكن الكل سيجمع على أن الأسباب الخفية التي أدت إلى تدني مستوى الذوق الرفيع في الأدب والثقافة المصرية المعاصرة هي النخبة والطغمة المتحكمة المسؤولة وصاحبة القرار عن نشر الثقافة في الإعلام ودور النشر وقصور الثقافة والمسرح وكل ما ينتمي إلى ما سبق قولاً واحداً
إن المسؤولين الكبار الذين هم على سدة السلطة الثقافية في مصر والمسؤولين عن ترويج المنتج الثقافي للمواطنين في الإعلام وقصور الثقافة ودور النشر - إلا من رحم ربي - هم في الحقيقة يبحثون عن (الترند) وينبشون عن الربح والمكسب وما يُشهر برامجهم ويميزها ولو كان تمييزها سيظهرهم بمظهر من بال في بئر زمزم ليتحدث عنه الناس فإن ذلك من دواعي سرورهم.. المهم أن يكونوا على ألسنة الجمهور بالخير أو الشر فكلاهما عندهم سيان.
هؤلاء المسؤولون الكبار الذين يشغلون مناصباً عليا في الأجهزة التي أسستها الدولة لرعاية الثقافة والمثقفين لترقى بالمنتج الثقافي المصري وتثري به عقول القراء ليكوِّنوا نشئا جديداً يجعل مصر مستقبلاً في مصاف الدول المتحضرة معظمهم لا يعرفون همزة الوصل من همزة القطع وضعفاء حتى في الإعراب وإذا قام أحدهم خطيباً أو شاعراً تصيبك صدمة كونه لا يحسن الخفض والرفع أو النصب والجر متلعثماً في مخارج حروفه ينطق الذال زاي والثاء سين
هؤلاء إذا ظهر بينهم ناشئٌ موهوبٌ قد اختمر في عقله العلم الذي يتحدث به فصار يتحدث بموهبته حديث الصانع الماهر فإن ذلك يشكل خطراً كبيراً عليهم ويمثل تهديداً وجودياً لهم ويظهرهم أقزاماً أمام الجمهور أولاً قبل أن يتأكد هو بنفسه من عملقته عليهم فيحاربونه في الخفاء ويرمونه بالنبال من وراء الأكمة بل إن الرعاة الموظفين من وزارة الثقافة الذين هم من صميم عملهم رعاية الموهوبين والمبدعين الجدد يهمشونه ولا يصوبونه أو ينشرون له أو يدعمونه ولا حتى في منشور يروجونه بل تجدهم في المقابل يقرعون الدفوف والطبول للغث والتوافه والطغام والسوقة وجوقة الطبلخنجية فتقام لهم الندوات وتدشن من أجلهم المؤتمرات وتحجز لهم في الفنادق الغرف الفارهات بل تنصب لهم المسارح ليزفوا فيها الثقافة المصرية بالعار والفضائح وينشدونهم قصائداً من صنف (( ديكي ديكي صحن فريكي )) و (( هِشِّ هِشِّ يا ديك الفرخة دي مش ليك )) فهم - أي المسؤولين عن الثقافة المصرية - يعلمون أنهم ليسوا على شيء من الثقافة فإذا قام فيهم الموهوب شاعراً أصيبوا بالحرج أمامه فهم لا يحسنون كلهم فنون ما ألقاه هذا الشاعر فكيف يشتغلون عليه نقاداً أم كيف يحصلون على رواتبهم كونهم هم أعلم القوم فوسودوا لأجل ذلك أعلى المناصب الثقافية لذلك يأدونه في مهده ويهيلون عليه التراب ليدفنوه حياً ويبحثون عمن يتغوطون من أفواههم ليكونوا عليهم معلمين وَنُقَّادا وحاشا لله في هذا أن أخلط الحابلَ بالنابل وأظلم سادةً أخلصوا في أعمالهم وأرضوا الله وضمائرهم ونَقَّبوا وبحثوا عن هؤلاء الموهوبين الجدد فأخرجوهم من تحت الأنقاض وبعثوهم بعث الأموات
وأخيرا وليس آخرا كلنا نعلم أن الكلمة لها معنىً لُغوي واصطلاحي وشرعي وأنا أتحدى أي مسؤول رفيع المستوى يشغل منصباً في الثقافة والإعلام والمسرح والسينما وقصور الثقافة ودور النشر في مصر أن يقول لي فقط ما معنى كلمة الثقافة لُغوياً وسلوهم إن كانوا يعلمون