مساحة إعلانية
خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال اليومين الماضيين، متبجحاً يدعو للسماح بمرور السفن التجارية والعسكرية لقناتي السويس وبنما بشكل مجاني، مؤكداً أنه لولا بلاده ما كانت وجدت هذه القنوات.
وما يعنينا هنا هي قناة السويس، والتي لا نعرف ماذا فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في انشائها أو شقها أو حتى فكرة تأسيسها، ليخرج علينا سيد البيت الأبيض متبجحاً يطالب لعبور سفن بلاده مجاناً.
وإذا كان ترامب لا يعلم فدعونا نستعرض تاريخ إنشاء قناة السويس، وإلى من يعود فكرة انشائها، التي هي بالمناسبة ترجع لما قبل اكتشاف الأمريكتين على يد البحار كريستوفر كولومبوس.
ونبدأ من الفكرة الأولى لإنشاء قناة ملاحية بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط عبر نهر النيل وفروعه في ذلك الوقت ، منذ عهد الملك المصري سنوسرت الثالث الذي ينتمي للأسرة الثانية عشر، و كان ذلك خلال الفترة من 1878 ق. م حتي 1839 ق. م، أي قبل ما يقرب من 4 آلاف سنة، وقد يستهدف من وراء ذلك تيسير التجارة وتوطيد العلاقات بين الشرق والغرب، و نجحت هذه الفكرة، وكتب لها أن ترى النور.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل عادت الفكرة مرة أخرى تراود تفكير الملك نخاو الثاني، و ذلك في عام 610 ق. م، وذلك بعد أن ردمت القناة الأولى بالأتربة، إلا أن هذه الفكرة لم يكتب لها النجاح.
كما استطاع بطاليموس الثاني في عام 285 ق. م، من إعادة شق القناة مرة أخرى، لتعود من جديد كممر ملاحي يربط أواصل العالم ببعضه البعض.
ولأن الإهمال طال القناة مرة أخرى، نتيجة عدم الصيانة لها فقد تراكم التراب في مجرها مرة أخرى، إلى أن قام عمرو بن العاص بإعادة الملاحة لمجرى القناة في عام 641 م، و إسمها قناة أمير المؤمنين.
أما عن قناة السويس بحالتها الحالية، فيبدأ في تاريخ 30 نوفمبر 1854 م، حين وقع والي مصر محمد سعيد باشا امتياز للفرنسي فرديناند ديليسبس يسمح له بإنشاء شركة تشرف على حفر قناة السويس للربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط.
وقد تم تأسيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية في 15 ديسمبر 1858 م، فيما بدأ الحفر لقناة السويس في 25 أبريل 1859 م ، والذي استمر لعشر سنوات بجهد و دماء وعرق آلاف المصريين، ليتم الانتهاء من أعمال حفر القناة في 18 أغسطس 1869 م، ليتم الإفتتاح الرسمي لقناة السويس في 17 نوفمبر 1869 م.
ويشار إلى أن قناة السويس، تعد أقصر الطرق البحرية التي تربط قلب العالم ببعضه البعض، حيث تربط بشكل مباشر بين دول أوروبا و دول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي، وكانت ومازالت ممر محايد بين جميع السفن التجارية، لا تفرق بين سفن بلد وأخرى.
ولأن قناة السويس، مشروع قومي ومهم للدولة المصرية، فقد قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 26 يوليو 1956م، تأميم قناة السويس و نقل جميع أصول الشركة المشغلة لها وحقوقها والتزاماتها إلى الدولة المصرية.
ولم تقف الأمور بشأن قناة السويس عند هذا الحد، بل طالتها أعمال الصيانة والتوسيع لعدة مرات، آخرها ما تم في 6 أغسطس 2015 م، و الذي تضمن ازدواج مسافة 35 كم، من إجمالي طول القناة، كما طالتها أعمال التوسيع أيضاً في عام 2001، و عام 1979.
و بالنظر إلى تاريخ إنشاء و شق قناة ملاحية بين البحرين الأحمر والأبيض على مر العصور، نرى أن فكرة انشائها تعود إلى العقل المصري فقط لا غير ، وأن جهود انشائها تعود إلى الدماء والعرق المصري ، أما عن علاقة أمريكا بالقناة تنحصر في أوهام وهواجس تدور في خيال سيد البيت الأبيض، تنم عن غطرسة وغرور لحاكم يعتقد أنه حكم العالم شرقاً وغرباً، ويحق له التدخل في شئون وعلاقات الدول وفقاً لخياله المريض.
لكن المؤكد أن أوهام ترامب سوف تصطدم بإرادة المصريين، وصلابتهم في التصدي لكل المؤامرات والضغوطات التي تمارس ضد بلدهم.