مساحة إعلانية
هل سمعتَ بهندسة الذائقة؟ هل تظن أنك حرّ في حياتك وفي اختياراتك وفي أرائك وقراراتك؟
تابع معي هذا الموضوع لعله ينير شيئا أمامَك.
هندسة الذائقة: ما هي؟
ثمة نوع جديد من الهندسة، هو خليط من علم النفس وبحوث الأعصاب وعلوم الاجتماع والاقتصاد السلوكي مع أساليب الهندسة والبرمجة.
والهدف منها هو: التأثير الواعي والممنهج في خيارات الناس الجمالية والغذائية والثقافية والمعنوية، بحيث تصبح هذه الخيارات جزءًا من سلوكهم العادي دون أن ينتبهوا إلى أن هناك من (صمّمها).
والتأثير هنا ليس بتلبية احتياجات حقيقية للناس، بل هو (خلق) الحاجة نفسها، وتشكيل تصور جديد للمستهلك حول ما هو (جميل، وجيد، ومرغوب، ومهم).
2) أمثلة استهلاكية
شركات الأغذية مثلًا توظف علماء نفس وأعصاب لفهم عملية الكر والفر في نفس الإنسان بين المتعة والألم، ثم لفهم كيف يتذوق اللسان الطعم، وكيف يربط الدماغ بين الحلاوة أو الملوحة وبين الشعور بالراحة أو السعادة.
وبعض الشركات تعمل على "النقطة المثالية" للطعم (Bliss Point) حيث يكون المنتج لا شديد الحلاوة ولا خفيفًا، لكنه يخلق أقصى درجات الرضا والإدمان.
الأمر لا يقتصر على الطعام، بل يمتد إلى الأزياء، الألوان، تصاميم المنتجات، وحتى الروائح في المتاجر، فكلها مدروسة لاستمالة الحواس.
3) التسويق وإعادة البرمجة الذوقية
التسويق اليوم لم يعد مجرد الإعلان عن منتج، لقد أصبح إعادة برمجة للذائقة الاجتماعية والنفسية والجمالية، لتحب ما لم تكن تحبه، وتكره ما كان طبيعيا مألوفا مأنوسا، ولتقبل على ما كانت تنفر منه، بل وتقبل على الجديد الذي لا تعرفه دون حذر.
مثال: جعل "القهوة المختصة" معيارًا للذوق الرفيع، أو جعل "الماء الفوار" بديلاً عصريًا للمشروبات الغازية.
مثال آخر: رفع قيمة منتجات بسيطة (مثل الشوكولاتة أو الحقائب) إلى رموز هوية ورفاهية.
أصبحت الشركات لا تسوّق سلعة فقط، لقد صارت تبيع إحساسًا بالتميز والانتماء: "هذا المنتج يعبر عنك"، و"من يستخدمه فهو من فئة معينة".
4) هندسة الذائقة الثقافية
ولم يقف الأمر عند حدود الماديات المحسوسة من الطعام والأثاث والحقائب والملابس، لقد تجاوز هذه المنتجات إلى ما هو أعمق، إلى أهم رموز الثقافة:
الأغاني الأكثر رواجًا، والكتب التي تتصدر، والكُتّاب الذين يحاضرون وينشرون بغزارة، والأفلام التي تحصد الجوائز، والمؤثرين الذين يصعدون بسرعة البرق.... الخ
كلها ليست "خيارات طبيعية"، بل وراءها صناعة ضخمة تدفع بها إلى أن تصبح (المذاق العام).
ولاحظ وسائل الإعلام وشبكات التواصل وهي تلعب هذا الدور في توحيد الذائقة عالميًا: ففجأة صار الجميع يحب نفس الأكلة، ونفس الأغنية، ونفس نوع الأزياء، وحتى نفس اللعبة ولو كانت مخيفة أو دميمة!