مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

د.احمد ابو تليح يكتب :العقل يخدعك . هل ما زلت تثق في عقلك ؟

2024-09-19 16:01:21 - 
د.احمد ابو تليح يكتب :العقل يخدعك . هل ما زلت تثق في عقلك ؟
أحمد أبو تليح
منبر

إن هذا العضو الهلامي القابع في غرفة مظلمة محكمة الإغلاق أعلى الجسد فيما تعرف بالجمجمة . إنه الدماغ ؛ ذلك الدماغ  يعرف تشريحيا وفسيولوجيا على إنه عضو شديد التعقيد حيث أن  الدِّمَاغُ البَشَرِّيُّ هو العضو المركزي للجهاز العصبي البشري، ويُشكل مع الحبل الشوكي الجهاز العصبي المركزي. يتكون الدماغ من المخ والمخيخ والجذع الدماغي. يقوم بالتحكم في معظم أنشطة الجسم، بمعالجة ودمج وتنسيق المعلومات التي يتلقاها من الأجهزة الحسيِّة، ويتخذ القرارات فيما يتعلق بالتعليمات المُرسلة إلى باقي أعضاء الجسم. يتواجد الدماغ داخل الجمجمة ومحميّ بواسطتِها . يتكون دماغك من مليارات الخلايا العصبية التي تتواصل في تريليونات من الاتصالات تسمى نقاط الاشتباك العصبي. يزن الدماغ حوالي 1.400 كجم. نسبة 60% من دماغ الإنسان مصنوعة من الدهون، وتلك الأحماض الدهنية ضرورية لأداء دماغك لوظائفه وهي : التحكم بوظائف الجسم غير الواعية أو التلقائية؛ كالتنفس، ونبضات القلب، والهضم، ودرجة الحرارة.
التحكم بالوظائف الواعية أو الحركية؛ كالحركة، والتوزان، والحديث، والوضعية، والإيماءات التي يُمليها الشخص. التحكم بالتفكير، والسلوكيات، والعواطف، والحواس المختلفة؛ كالسمع، والرؤية، ولمس الأشياء. على الرغم من صغر حجم الدّماغ إلّا أنّه في الحقيقة يجوع فعلُا ويتطلّب عمله الكثير من الطاقة، فعلى الرغم من أنّ حجم الدماغ البشري لا يتعدّى 2% من كتلة الجسم إلّا أنّه يستهلك 25% من مجموع الطاقة التي يستهلكها الجسم يوميًا. تفترض إحدى الخرافات التي ما زالت شائعة جدًا منذ زمن طويل أنّ البشر يستخدمون فقط 10% من قدرات دماغهم، وكأنّنا إن نجحنا في توظيف والسيطرة على باقي القدرات 90% الأخرى سنكون قادرين على القيام بعجائب وأمور مذهلة. العقل البشري هو أداة قوية ومعقدة، ولكن مع قوته تأتي بعض الجوانب الخادعة. قدرته على الخداع ليست دائمًا متعمدة أو خبيثة؛ بل إن بعض أشكال الخداع تنتج عن الطريقة التي يعالج بها المعلومات، وكيفية تفسيره للعالم من حوله. يمكن أن يظهر خداع العقل في عدة أشكال، مثل الأوهام، التحيزات المعرفية، والذاكرة المتحيزة. لفهم كيف يكون العقل البشري مخادعًا، يجب علينا النظر في العمليات العقلية المختلفة التي تتسبب في هذه الانحرافات. وبالرغم من كل ما سبق من عجائب الدماغ والعقل البشري إلا أن بعض العلماء أتفقوا  على أن العقل البشري يمكن خداعه بكل سهولة كما إنه يقوم بخداعنا طيلة الوقت . لقد قام العديد من الأطباء والعلماء مثل  بورهيف  وستانلي مليغرام وفيليب زيمباردوا . لقياس رد فعل العقل البشري إذا وقع تحت تأثيرات مختلفة ولفترات متفاوتة . مثال وضع الشخص في مكان مظلم لفترة طويلة أو وضعه في غرفة بيضاء؛ وجدوا أن العقل يقوم بتقديم هلوسات سمعية وبصرية غير موجودة بالواقع أي أن العقل يخترع دراما ويعيشها لعدم وجود شيء يمكن رؤيته كما تعود . وف أهم أحد التجارب أحضروا سجينا محكوم عليه بالإعدام و أخبروه أنه سيعدم عن طريق تصفية دمه في وعاء كبير . وتم وضع عصابة علي عينيه وربطه في كرسي مخصص للإعدام . وأحضر بورهيف أنبوب بلاستيك وتم وضعه على ذراعه وقام بوخزه بإبرة لكي يتخيل انه تم وضع الابرة في وريده لسحب الدم وتم توصيل الأنبوب بماء دافئ في نفس درجة حرارة الجسم وجعل الماء يتساقط من طرف الانبوب السفلي في الجردل بجواره كنقاط دم يسمعها السجين . بعد فترة ماذا حدث وجدوا سرعة ضربات القلب تتزايد كما يحدث في حالة النزيف ، ثم تحول وجه السجين إلى اللون الأصفر الباهت كمن يعاني من نزيف حاد ثم توقف القلب عن العمل وبتوقيع الكشف الطبي ؛ وجدوا السجين مات بأعراض نزيف حاد . كل ذلك حدث رغم عدم خروج نقطة دم واحدة من جسمه . ولكن عقله خيل له أنه يتم سحب دمه في الوعاء وإنه معرض للموت حتى مات . فقد صدق الجسد العقل رغم أنه يتوهم ذلك ولم يحدث شيء من تلك الأوهام . وفي أمور حياتنا الطبيعة يقوم الدماغ بتصحيح الكلمات تلقائيا مثل كلمة مشتسفى وكلمة مخدات التي يقرأها الدماغ على أنها مستشفى و مخدرات . وكلمة أنت عقبري التي يقرأها على أنها أنت عبقري  . كما يوجد اختبار طول الأعمدة . حيث يقوم المختصين برسم عدة أعمدة وتراها مختلفة الأطوال بالرغم من أنها في نفس الطول ولكن الزاوية مختلفة . وإذا عرض عليك ثلاثة  خطوط منفصلة في وضعية  شكل مثلث ستقول أنك تشاهد مثلث في حين انهم ليسوا مثلثا ولكن مجرد ثلاثة خطوط منفصلة في العقل يخبرك أنهم مثلثا حقيقيا  . 
وإذا وقفت في بداية طريق طويل تحفه الأشجار من كلا الجانبين ؛ ستشاهد الطريق ضيقا في أخر الطريق عن بدايته ؛ وهو في واقع الأمر بنفس الأتساع ؛ فقدرة العين لا تستطيع استحضار التفاصيل كاملة فيستعيض الدماغ عن تلك التفاصيل بتصغير الشكل  المنظور؛ حتي يتمكن من تقديم صورة متلائمة مع قدرات العين ، ودليل ذلك لو أحضرت منظارا ستشاهد الطريق بكامل التفاصيل وبنفس الأتساع . إذاً ماذا تغير ؟ الذي تغير عند تقديم معلومات مغلوطة أو غير كافية يقوم العقل بالاجتهاد ذاتيا وتصحيح الأخطاء اللغوية أو تصحيح الصور كما يتراءى  له أي أنه يقوم بخداعك ؛ حتي لا يظهر بدور المقصر أو غير القادر . نعم عزيزي القارئ العقل عضو متغطرس لا يستطيع أن يقدم لك شيئا ناقصا ؛ سوف يجتهد دائماً أن يكمل ويصحح لك منظروك الناقص . الأن نتأكد أن العقل البشري قابع في غرفة مظلمة لا يرى سوى ما ترسله عيونك من موجات ضوئية ويقوم بترجمتها و رسمها بصورة يمكنك استيعابها ؛ وأن لم تستوعبها يتم تقريبها إلى أقرب شيء يمكنك التعرف عليه.مثال : عندما تشاهد ورقة عاكسة للضوء في الظلام وأنت لا تستوعب هذا فيتم تصدير الصورة على أنها لمبة صغيرة تتأرجح في الظلام . وإذا وصلت عن طريق الأذن موجات صوتية يقوم المخ بترجمتها إلى صوت مفهوم وإذا كان الصوت غير واضح فانك لا تستوعب ما تسمعه فيتم تقريب الصوت وترجمته إلى صوت معروف لديك . أي أن العقل يقوم بخداعك طول الوقت .
الأحلام والوعي الزائف:-
أحد أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في خداع العقل هو التجارب المرتبطة بالأحلام والوعي الزائف. في حالة الأحلام، العقل يخلق عوالم وأحداثًا قد تكون غريبة أو غير منطقية، ولكن أثناء الحلم، نميل إلى تصديق أن ما نراه ونعيشه حقيقي. يحدث هذا لأن العقل يعمل بشكل مختلف خلال النوم، مما يقلل من قدرة الفرد على تقييم ما إذا كانت الأحداث معقولة أو غير معقولة.
حتي في الاحلام والوعي الزائف :-
الوعي الزائف هو حالة أخرى مثيرة للاهتمام حيث يشعر الشخص بأنه واعٍ أو مدرك لشيء ما بينما في الواقع تكون تجربته مشوهة أو غير صحيحة. قد يتجلى ذلك في الأحلام الواضحة أو حالات "التنويم المغناطيسي"، حيث يصبح الشخص عرضة للاقتراحات التي يمكن أن تقود إلى تجارب أو معتقدات خاطئة.
 ورغم كل ذلك الإنسان لا يثق إلا في عقله فهو الذي تربي معه ونما معه وبينهما علاقة وطيدة . وإذا قدم أحد غيرك  حلولا مخالفة لما يعتقده عقلك ستقول له عقلي غير مقتنع . وربما يكون عقلك مخطئ ولو بنسبة ضعيفة فكل منا مقتنع بعقله رغم خداعه لنا طيلة الوقت فأحذر عزيزي القارئ من المخادع الأكبر ألا وهو العقل البشري .

مساحة إعلانية